أعجب لمسلم يؤدي جميع فرائض الإسلام، ومع ذلك لا يتورع عن الكذب، فهل يعتبر هذا من الصالحين؟الكذب خلق سيئ ليس من أخلاق الصالحين ولا المؤمنين، وإنما هو من أخلاق المنافقين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان (رواه الشيخان)· وفي رواية أخرى": أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه واحدة منهن، ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، (رواه الشيخان وأبو داود والترمذي)· من الناس من يكونون ضعفاء النفوس، يتصفون بالجبن وشدة الفزع، ومن الناس من يكونون بخلاء، يتصفون بالشح وقبض اليد· هاتان الصفتان قد تكونان في الجبلة والطبع·· ولكن الكذب لا يكون إلا مكتسبا، وهذا الذي يحاسب عليه الإسلام ويشدد فيه أبلغ ما يكون التشديد، وقد قال - صلى الله عليه وسلم- : عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا (متفق عليه من حديث ابن مسعود)· فالصدق عادة تكتسب بالتحري، وبالمجاهدة وبالرياضة وبالتعود، وعلى المسلم أن يعود أبناءه منذ نعومة أظافرهم على الصدق وينهاهم عن الكذب، حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع أحد الآباء يقول لابنه مرة: سأعطيك كذا وكذا· فقال له: هل تنوي أن تعطيه؟ قال: لا· قال: إما أن تعطيه وإما أن تصدقه· فإن الله نهى عن الكذب، قال: يا رسول الله، أهذا من الكذب؟ قال: نعم· إن كل شيء يكتب· الكذبة تكتب كذبة، والكذيبة تكتب كذيبة -رواه أحمد وابن ابي الدنيا عن حديث الزهري عن أبي هريرة (ولم يسمع منه)· والكذب يتفاوت قطعا، فكلما كان ضرره أشد كان النهي عنه أعظم والإثم فيه أكبر، هناك كذب يعتبر من الصغائر وكذب يعتبر من الكبائر·