أكد نواب المجلس الشعبي الوطني الذين بادروا باقتراح مشروع قانون لتجريم فرنسا على ما ارتكبته من جرائم في حق الشعب الجزائري طيلة فترة استعمارها للجزائر، أنهم سيواصلون النضال مهما كانت الأوضاع لجعل هذا المشروع الذي تعثر ولا يزال مجمدا يرى النور إنصافا لدماء الشهداء وآلام المجاهدين وآهات الأرامل ومأساة اليتامى، مشيرين إلى أنهم سينتظرون الوقت المناسب لإعادة طرحه مراعاة لمصالح البلاد''، وكذا على العلاقات التي يرى هؤلاء النواب استحالة تطويرها دون اعتراف فرنسا بجرائمها وتقديم اعتذارات رسمية للشعب الجزائري، ويسعى هؤلاء النواب حاليا إلى اقتراح تشكيل هيئة إفريقية معتمدة لدى منظمة الأممالمتحدة مشكلة من الدول التي استعمرتها فرنسا للضغط على هذه الأخيرة وإجبارها على الاعتراف بجرائمها. أكد النائب موسى عبدي الذي بادر باقتراح هذا القانون أن الحل الوحيد لتجريم فرنسا ومحاكمتها على جرائمها ضد الإنسانية وجعلها تعترف بما قامت به وتعوض ضحاياها هو تأسيس هيئة إفريقية تضم مختلف المستعمرات الفرنسية بدعم من منظمة الأممالمتحدة لجعل فرنسا تنصاع للقانون الدولي وتعترف بجرائمها وتقدم تعويضات للشعب الجزائري دون الشعور بأي نقص مثلما قامت به كبرى الدول الاستعمارية كإيطاليا واليابان مؤخرا، والتي أعطت درسا في التاريخ والسياسة لا يمكن نسيانه، أما فرنسا التي تدعي الديمقراطية فلا تزال تتنكر لماضيها الاستعماري وتقول إنه ''لا يمكن للأبناء أن يعتذروا على ما قام به الآباء''. واعتبر السيد عبدي في حديث ل''المساء'' بأن مشروع هذا القانون الذي بادر به 125 نائبا ولقي ترحيبا واسعا من المجتمع المدني والشعب الجزائري لا يمكن التخلي عنه، ولا بد من تجسيده احتراما لذاكرة الجزائر، قائلا بصريح العبارة ''نحن أدينا واجبنا وننتظر الوقت المناسب لتطبيقه، لأن مصلحة الجزائر فوق أي اعتبار وهي تسبق كل شيء'' وذكر المتحدث أن رئيس المجلس الشعبي الوطني كان مصرا على تطبيق هذا القانون ''إلا أن المعطيات الموجودة لدينا تبين وجود ظروف وطنية وخارجية أجلت ذلك'' يضيف المتحدث الذي قال إن نسيان هذا المشروع يعد جريمة في حق الشعب الجزائري. اتخاذ إجراءات لقبول مشاريع القوانين المبادر بها من طرف النواب مستقبلا وفي الضفة المقابلة أعلنت مجموعة من النواب عن التفكير في مراجعة هذا الموضوع المتعلق بمشروع قانون تجريم الاستعمار عند مراجعة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، من خلال اقتراح مادة قانونية تجبر مكتب المجلس الشعبي الوطني على الرد في مدة زمنية محددة على مشاريع القوانين المقترحة من طرف النواب حتى يكون رئيس المجلس مجبرا على تطبيقها في آجالها المحددة. ويهدف هذا القانون إلى تجريم الاستعمار الفرنسي عن كامل الأعمال الإجرامية التي قام بها في الجزائر خلال الفترة الممتدة من 1830 إلى ,1962 وما نتج عنها من آثار سلبية، ويعتبر الأعمال الإجرامية من جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية ومخالفة اتفاقيات جنيف والمصنفة في أحكام المواد ,7 ,6 ,5 و8 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، كالأعمال الإجرامية الوارد ذكرها سابقا وكذا الآثار الناتجة عنها، مقترحا إنشاء محكمة جنائية جزائرية خاصة لهذا الغرض مهمتها محاكمة كل مجرمي الحروب والجرائم ضد الإنسانية، على أن يحاكم كل من قام أو شارك أو ساهم بأي فعل من الأفعال الوارد قولها من قبل ضد الشعب الجزائري أمام المحكمة الجنائية، كما ينص المشروع على قيام الدولة الجزائرية بضمان كامل حقوق المتهمين في الدفاع أمام هذه المحكمة ويتم استدعاء المتهم بالطرق العادية، وفي حال عدم امتثاله يتم اللجوء إلى إحضاره بواسطة الشرطة الدولية (الانتربول) إن كان خارج التراب الوطني، ويشير مشروع القانون إلى أن المرافعات تكون في جلسات علنية وتقوم المحكمة الجنائية بإصدار أحكام نهائية ولا تأخذ المحكمة الجنائية خلال كل مراحل المحاكمة أي اعتبار للصفة الرسمية أو الجنسية للمتهم أو الاعتداد به كما ينص أنه يحق لكل ضحية حرب أو جريمة ضد الإنسانية رفع دعوى قضائية لدى هذه المحكمة كما يحق لذوي الحقوق رفع دعاويهم لمطالبة الدولة الفرنسية بالتعويض عن الأضرار المترتبة عن آثار الجريمة، ويمكن للمنظمات والجمعيات الجزائرية أن تحل محل الضحايا المتوفين من أبناء شعبها والذين ليس لديهم من يمثلهم أمام المحكمة وتتأسس كطرف مدني في جميع مراحل المحاكمة، أما في حالة وفاة المتهم تتحمل فرنسا التبعات الناتجة عن الشق المدني للدعوى، وتتحمل مسؤولية كل الجرائم التي ارتكبها الاستعمار ضد الإنسانية في حق الشعب الجزائري وتعطيله للمسيرة الحضارية للدولة الجزائرية طيلة 132 سنة وما تبعها من أضرار ناتجة عن الألغام والإشعاعات النووية إلى يومنا هذا، وتنص إحدى مواد مشروع القانون على أنه يتعين على الدولة الفرنسية إعادة الأرشيف الوطني بمختلف أنواعه وأصنافه مكتوبا، أو مسموعا، أو مرئيا وكذا الآثار المهربة خارج التراب الجزائري، كما يتعين عليها تسليم قوائم المفقودين الجزائريين مع تحديد أماكن تواجدهم سواء كانوا أحياء أو أمواتا، وكذا تسليم قوائم المهجرين قسرا والمنفيين إلى ما وراء البحار، وينص نص المشروع أيضا على ضرورة إجبار فرنسا على تسليم خرائط الألغام المزروعة فوق التراب الوطني وكذا الأماكن التي تحتوي على بقايا أو مواد تشكل خطرا على الأفراد والممتلكات، وأشار مشروع القانون إلى أن العلاقات بين الجزائروفرنسا سيظل مستقبلها مرهونا بمدى خضوع الطرف الفرنسي واستجابته لمطالب الشعب الجزائري المتمثلة في الاعتراف والاعتذار والتعويض لما لحق به خلال مرحلة الاحتلال. وفي هذا الصدد ذكر النائب أن هذا المشروع جاء ردا على الإساءة الفرنسية للجزائر من خلال قانون العار الصادر في 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار والذي أساء للذاكرة الجزائرية ولكرامة الشعب وأنكر الإبادة، وهو مشروع يهدف إلى إعادة بناء اللحمة الوطنية والتفاف الشعب الجزائري حول تاريخه وماضيه لبعث بعد روحي ومجتمعاتي وتحرير المجتمع من الأطراف التي تحاول استهدافه مع وضع حد لكل الأطماع الاستعمارية الفرنسية، لأن الجزائر ملك للشعب الجزائري وحده، موضحا أن مشروع هذا القانون يريد إدانة فرنسا عن ماضيها الدموي لأنه لابد أن تعترف بجرائمها وتعوض الجزائر عن كل الأضرار البشرية والمادية رغم أنه مهما عوضت فإنها لا يمكن أن تعوض يوما واحدا من المأساة التي عاشها الجزائريون والتي لا زالت آثارها الوخيمة ممتدة إلى حد الآن. اليمين المتطرف يضغط على الإيليزيه لرفض الاعتذار وتساءل المتحدث عن سبب رفض فرنسا وتنكرها لجرائمها، لدرجة أنها ضحت بمعاهدة الصداقة مع الجزائر التي ظلت تلح عليها منذ سنوات بسبب عدم اعترافها بهذه الجرائم، حيث دعا السيد عبدي فرنسا إلى أن تحذو حذو بعض الدول المتقدمة كإيطاليا واليابان اللتين أعطتا درسا في احترام حقوق الإنسان وسلكت مسلكا حضاريا، حيث قدمت تعويضات لمستعمراتها وطوت بذلك صفحة الأحقاد وفتحت صفحة جديدة عنوانها التعاون والصداقة. ووجه المتحدث أصابع الاتهام إلى اليمين المتطرف في فرنسا وحاشيته الذي لا تهمه إلا مصالحه والذي يسعى لتحقيق مصالح فرنسا على حساب الشعوب الأخرى باعتباره يعرض كل فكرة تتعلق بالجزائر كونه لم يتضرر من مأساة الاستعمار ويريد إلغاء كل التاريخ الذي لا يشرف فرنسا التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، غير أن الجزائر - يقول السيد عبدي - لا يمكنها أن تتناسى مرارة الاستعمار ولا تتنازل عن وطنيتها ولا تقبل مهما كانت الظروف ببناء علاقات صداقة مع فرنسا مادامت لم تعترف ولن تقدم اعتذارات وتعويضات للشعب الجزائري. الظالم أصدر قانونا يمجد جرائمه والمظلوم لم يصدر قانونا ينصفه من جهته عبر نائب حركة الإصلاح الوطني السيد فيلالي غويني عن أسفه لتجميد مشروع قانون تجريم الاستعمار لظروف خاصة بطبيعة العلاقات والمصالح المتبادلة بين الجزائروفرنسا، رغم أن هذا المشروع - يضيف المتحدث - هو حق الشعب الجزائري في الدفاع عن كرامته بعد أكثر من قرن من الظلم، حيث قال السيد غويني بلغة متأسفة ''لماذا نحن كمظلومين نفشل في إنجاح هذا المشروع الذي من شأنه أن يعيد الاعتبار لشهدائنا وشعبنا، وفرنسا بالرغم من أنها ظالمة نجحت في سن قانون تمجيد الاستعمار ورفضت ذكر أسلافها بالسوء عندما رفضت الاعتراف بما ارتكبوه في الجزائر''. واعتبر المتحدث أنه من غير المعقول توقيف مبادرة كهذه المتمثلة في تجميد مشروع القانون الذي بادر به النواب. ودعا النائب إلى ضرورة قبول هذا الاقتراح لإعادة حق الجزائريين مشيرا إلى أن العلاقات بين الجزائروفرنسا لا يمكن أن تنقطع بسبب هذا القانون في حال اعتماده مادامت لن تنقطع عندما صدر قانون 23 فيفري الممجد للاستعمار بفرنسا، فكيف لها اليوم عندما يتعلق الأمر بصدور قانون من الطرف الجزائري أن تتعثر، وإذا كان الأمر بهذه السهولة ويمكن لهذه العلاقات أن تنقطع لا لشيء إلا لمطالبة الجزائر بحقها المتمثل في الاعتذار والتعويض عن جرائم ارتكبت ضد شعبها ''فهذا لا يحد من عزيمة الجزائر لأن العالم توجد به عدة دول وليس فرنسا وفقط''. وفيما يخص العلاقات بين الجزائروفرنسا أضاف السيد غويني أنها لا يمكن أن تتطور إذا لم تعتذر فرنسا للجزائر وتعترف بجرائمها، كما لا يمكن إبرام أية معاهدة صداقة دون تحقق هذا الشرط، مشيرا إلى أن فرنسا تحاول تسوية العلاقات مع الجزائر دون العودة إلى الماضي من خلال شراء معاهدة صداقة على حساب بيع ذمم الجزائريين. وذكر النائب أن هذا المشروع الذي تحاول فرنسا إجهاضه وتمارس ضغوطات لإسقاطه جاء كرد على سياستها فهي من دفعت نواب الشعب لاقتراحه منذ سنة 2005 عندما أصدر نوابها قانون العار الذي يمجد استعمار فرنسا للجزائر، فلو لم تكن فرنسا سباقة لإصدار هذا القانون لما جاء اقتراح تجريمها في هذا الوقت بالذات. وفي هذا الصدد رد المتحدث على من يخشى تأثير هذا المشروع على مستقبل العلاقات بين البلدين ومصالحهما المشتركة بأن فرنسا لن تتخلى عن علاقاتها مع الجزائر بسبب هذا القانون حفاظا على مصلحتها. وأجمع النواب الذين تحدثت معهم ''المساء'' عن تسجيل خطوة إيجابية من شأنها أن تتوصل إلى تحقيق نتائج إيجابية مهما كانت الظروف ومهما طال الزمن، مشيرين إلى أن هذه المبادرة الأولى من نوعها في تاريخ البرلمان الجزائري سابقة يجب تشجيعها لإعادة الاعتبار للشعب الجزائري.