في الوقت الذي تتوفر فيه بعض المؤسسات التربوية على مراكز صحية يشرف عليها طاقم طبي مكون من طبيب عام وطبيب أسنان ومختص نفسي واجتماعي، نلاحظ غياب أدنى وسائل التطبيب في بعض المؤسسات التربوية، ونقصد هنا الحقيبة الصحية، وإن وجدت ليس هناك من يقدم الإسعافات الأولية، وفي المقابل يظل الأولياء مجندين في أية لحظة للتنقل الى المؤسسات التربوية من أجل نقل أطفالهم الى المؤسسات الاستشفائية لعلاجهم إن حدث وتعرضوا لحادث ما. لاحظنا من خلال الجولة التي قادتنا إلى بعض المؤسسات التربوية بأطوارها الثلاثة بعض المفارقات الغريبة، ومن بين المؤسسات التي زرناها ثانوية عروج وخير الدين بربروس بالعاصمة، حيث قيل لنا إن المؤسسة التربوية لا تتوفر على مركز صحي، ولكنها تحوي حقيبة صحية، غير أن من يتولى تقديم الإسعافات الأولية غير مختص فقد يتولى العلاج أي موظف (معلم أو مراقب أو أي شخص آخر) وهو نفس الانطباع الذي لمسناه بثانوية بوعتورة، إلا أن المفارقة هنا تكمن في وجود مركز صحي لكنه لا يقدم أي نوع من الخدمات، كونه يفتح مرة واحدة عندما يحين أوان الفحص السنوي للمتمدرسين بعدها يقفل أبوابه، وهو الأمر الذي دفع بالطلاب الى القيام بإضراب خاصة بعد وفاة زميلة لهم بسبب تعرضها لأزمة ربو حادة، يقول في هذا الاطار الطالب مهدي ''لو أن الفتاة وجدت من يقدم لها الإسعافات الأولية لما حصل ما حصل، وهو ما دفعنا للجوء إلى للإضراب ونتمنى على الأقل أن يفتح المركز الصحي وان يكون به طبيب مداوم، أو على الأقل ممرض وهو حق بسيط ومشروع لكل المتمدرسين''. بينما تأسف الأستاذ عبد الرحمان بوزكريا مدير سابق لغياب المراكز الصحية في جميع الابتدائيات الواقعة ببوزريعة على الرغم من أهميتها في مثل هذه المؤسسات، باعتبار أن المتمدرسين هم أطفال يعرف عنهم كثرة الحركة والنشاط، وبالتالي احتمال التعرض للسقوط والإصابة، وعليه يقول المتحدث ''في مثل هذه الحالة الحقيبة الصحية غير كافية، لاسيما مع غياب مختص ممرض أو طبيب الذي من المفروض أن يتولى العلاج عند وقوع حوادث عوض أن يلزم مدير المؤسسة أو المعلم بنقل الطفل المصاب الى العيادة أو المؤسسة الاستشفائية''، وهو نفس الرأي الذي أكدت عليه السيدة فاطمة الزهراء عامر معلمة بابتدائية ''احمد مصراتي'' حيث حدثتنا قائلة ''إن ما هو متعارف عليه بالمؤسسات الابتدائية احتواؤها فقط على الحقيبة الصحية ويتولى المعلم أو المدير أو أي موظف آخر تقديم العلاج للمصاب بينما يغيب فيها المركز الصحي رغم أهميته في حال وقوع حوادث جسيمة، فمثلا تعرض مؤخرا تلميذ بمؤسستنا لحادث فاضطررنا لنقله على جناح السرعة إلى المستوصف لعلاجه لأن إصابته كانت خطرة وليس هناك من مختص يتولى علاجه وهو أمر نتأسف له خاصة وأن المؤسسات الابتدائية تعرف بكثرة الحوادث بالنظر الى سن الأطفال ونشاطهم المفرط . على الأولياء التجند في أية لحظة اذا كانت بعض المؤسسات التربوية تأخذ على عاتقها مهمة التكفل بتقديم بعض الإسعافات الأولية للتلاميذ الذين يتعرضون لبعض الحوادث من خلال ما يؤمنه المركز او الحقيبة الصحية من إسعافات متواضعة، أو من خلال نقلهم الى المستشفيات المجاورة لإسعافهم، نجد بالمقابل بعض المؤسسات التربوية الأخرى تعتبر نفسها غير مسؤولة عما يتعرض له التلاميذ من حوادث أثناء تواجدهم بالمؤسسات التربوية حيث تتصل بذويهم ليتولوا مهمة نقل أبنائهم والتكفل بعلاجهم وهو أمر جعل بعض الأولياء يتذمرون، فهذه السيدة جميلة التقتها ''المساء'' أمام باب احدى المؤسسات التربوية بالابيار تنتظر خروج ابنها، حدثتنا بتذمر شديد قائلة ''قبل أن نتحدث عن وجود أو عدم وجود حقيبة صحية لا بد أن نتساءل إن كان هناك شخص مختص يقدم الإسعافات الأولية الى التلميذ المصاب لأن وجود الحقيبة الصحية في غياب مختص تشبه مؤسسة تربوية بدون معلم وهو أمر نتأسف له بشدة هذا من ناحية، ومن جهة أخرى اعتبر استدعاء الأولياء للتكفل بأبنائهم المصابين يعكس لامسؤولية تتصف بها بعض المؤسسات، فكيف يعقل أن يتم الاتصال بالولي الذي قد لا يتمكن من الالتحاق بالمؤسسة التربوية في الوقت المناسب لكي يتولى أخذ ابنه إلى المؤسسة الاستشفائية؟ وهو ما حدث معي حيث سقط ابني على رأسه في ساحة المدرسة بينما كان يلعب مع صديق له وعندما تم أخذه للعلاج بمكتب المدير الذي كان غائبا قامت عاملة بالمطعم المدرسي بتنظيف جرحه وبدا لها أن جرحه عميق ليتم نقله إلى صيدلية مجاورة للمدرسة فأكدت العاملة بالصيدلية ضرورة نقله سريعا إلى المستشفى لخطورة جرحه في ذلك الوقت اتصلوا بي من المؤسسة وطلبوا مني القدوم سريعا وعندما حضرت وجدت ابني بالصيدلية فنقلته للمستشفى ولكم أن تتخيلوا ما واجهته من معاناته عندما أخبرت بما حل بابني وما زاد من معاناتي وجود ابني بالصيدلية من دون أي تكفل صحي في الوقت الذي كان يجب على المؤسسة التربوية ان لا تتصل بي وان تتحمل كافة مسؤولياتها باعتبار أن الحادث وقع داخل المؤسسة فعلى الأقل كان الأجدر بالمدير نقله الى المستشفى والاتصال بي لاطلاعي بما حدث وطمأنتي على حاله''. حادثة أخرى قصها علينا السيد فريد موظف بمؤسسة عمومية والذي تعرض لصدمة نفسية لحظة تلقيه خبر تعرض ابنه لحادث بالمؤسسة التربوية التي يدرس بها حيث يقول ''طلب مني الالتحاق سريعا بالمؤسسة التي تقع بالثنية لأنقل ابني إلى المستشفى بينما كنت بوظيفتي بالعاصمة... فما العمل يا ترى ؟ ففكرت سريعا في الاتصال ببعض أقاربي لنقل ابني'' ويعلق مضيفا ''هو وضع مؤسف للغاية اذ كان من المفروض على المدير إسعافه بالمؤسسة من خلال توجيهه الى الممرض او الطبيب بالمركز الصحي ونقله الى المستشفى ان تطلب الأمر ذلك باعتبار ان الحادث الذي تعرض له كان داخل المؤسسة فأين هي مسؤولية المؤسسة إذاً ولما نقوم بدفع الاشتراكات عند الدخول المدرسي؟ أم ان الأولياء ملزمون يوميا بالتجند في أي لحظة للتكفل بأبنائهم وترك التزاماتهم جانبا؟''. ما هو مصير الاشتراكات السنوية للتلاميذ! لأن بعض الأولياء حملوا فيدرالية أولياء التلاميذ المسؤولية عن التقصير في التغطية الصحية بالمؤسسات التربوية على اعتبار انها من تدافع عن حقوق المتمدرسين اتصلت ''المساء'' بالسيدة خيار رئيسة الفيدرالية لجمعيات أولياء التلاميذ لطرح الانشغال عليها فاستبعدت مسؤولية فدرالية أولياء التلاميذ وأوضحت قائلة ''من المفروض ما دام التلاميذ يدفعون الاشتراكات السنوية الخاصة بالتأمين الصحي أن يكون هنالك تكفل صحي في المستوى المطلوب على مستوى كل المؤسسات التربوية، فدفع المبالغ المالية الهدف منه تغطية كل الحوادث التي يمكن ان يتعرض لها التلميذ بالمؤسسة التربوية ولأن هذه المبالغ المالية تصب في تعاضديه صندوق الضمان الاجتماعي للمتمدرسين فإن من يتولى التغطية الصحية هي هذه التعاضدية'' وتضيف محدثتنا ''لازلنا نجهل إلى حد اليوم كيف نتصل بها أو ماهي طبيعة عملها بالتحديد وكيف تنشط؟ وما هي بالتحديد طبيعة العلاقة بين التعاضدية والمدرسة؟ نحن كأولياء تلاميذ لا نعرف بالتحديد أين تذهب هذه الأموال التي من المفروض ان تصرف في تأمين التغطية الصحية اللازمة على مستوى كل المدارس''. وحول أهمية وجود المراكز الصحية بالمؤسسات التربوية أضافت المتحدثة قائلة ''حبذا لو كان هناك مركز صحي صغير على مستوى كل مؤسسة حيث يجري التكفل بالمصاب في عين المكان إلا ان ما هو معمول به على حد علمي تبعية كل المؤسسات المدرسية الى المركز الصحي الواقع بالمقاطعة الإدارية لكل بلدية وهذا يعني ان يتولى مركز واحد تغطية صحية لأكثر من 10 مؤسسات تربوية على اختلاف أطوارهم وهنا يطرح السؤال هل يا ترى بإمكان هذا المركز ان يلعب دوره كما يجب؟ من جهة أخرى من المفروض عند وقوع حادث ما للمتمدرس بالمؤسسة التربوية ان يتم دفع تكاليف علاجه من التعاضدية التي من المفروض ان تؤمن له التغطية الصحية اللازمة وليس من الغطاء الصحي للوالدين و إلا ما الفائدة من دفع مبالغ التأمين الصحي التي قدرت هذه السنة ب 50دج؟ حاولت ''المساء '' البحث عن تعاضدية التلاميذ التي تصب فيها اشتراكات السنوية للتلاميذ المتمدرسين ولكن من دون جدوى ففي الوقت الذي أكدت فيه لنا تعاضديه الأساتذة عدم وجود ما يسمى بتعاضدية التلاميذ، أكد البعض الآخر من المعلمين ببعض المؤسسات التربية ان هذه المبالغ تصب في شركات التأمين، اتصلنا بشركة التامين الكائنة باودان التي أكدت أنه لا توجد أي علاقة بين المؤسسة التربوية وشركات التامين وأمام هذا حاولت ''المساء'' الحصول على موعد مع وزارة التربية لتسليط الضوء حول ضعف التغطية الصحية في معظم المؤسسات التربوية ولكن من دون جوى ليظل السؤال معلقا أين تذهب الاشتراكات السنوية للتلاميذ المتمدرسين؟ ومن هي الجهة المكلفة بتغطية الحوادث المدرسية؟