عيادات.. مجرد قاعات توليد واستشارات طبية عبر الهاتف ظل الجزائريون يحلمون طويلا بحلم اسمه العيادات الخاصة، متى ستصل هذه العيادات ل''يتهنى'' الجزائري من ''تمرميد'' المستشفيات العمومية والانتظار طويلا في طوابير لا نهاية لها من أجل فحص طبي في منتصف الليل أو إجراء الجبس على يد أو رجل مكسورة، أو دفع المال الكثير للحصول على سرير مكسور في قاعة تتسع ل100 شخص في المستشفى،.. الجميع كان يرى في العيادات الخاصة خلاصا لكابوس اسمه ''السبيطار'' الذي كان دوما يقارن بال''باطوار''، لكن وما إن عدل القانون وبدأت العيادات في الظهور بدأت خيبة أمل الجزائريين، فالعيادات لم تقدم لهم شيا إضافيا غير إفلاس جيوبهم بالفواتير الثقيلة. الاستعجالات الطبية منعدمة تفتقر معظم العيادات الخاصة لخدمة الاستعجالات الطبية، حيث تعلن على أنها تقدم خدمات على مدار الساعة رغم أن أبوابها تغلق على الساعة الخامسة مساء، ويبقى ممرض مناوب يقتصر دوره على الاتصال بالأطباء في حالة قدوم ''زبون''، ويشير عدد من العارفين بشؤون الصحة أن السبب الرئيس لغياب هذه الخدمات عن معظم العيادات راجع إلى دفع تكاليف العلاج، حيث سجلت الكثير من الحالات حيث ينقل المريض في حالة استعجالية وبعد تلقيه العلاج وفي بعض الحالات يخضع لعملية جراحية يعجز أهل المريض عن الدفع وهو ما يتسبب في خسارة للعيادة، إلى جانب أن تكاليف الأطباء المناوبين مرتفعة جدا، حيث تدفع العيادة لكل طبيب مناوب مبلغا ماليا حتى وإن لم يقم بأي فحص أو تدخل خلال المداومة، إلى جانب افتقار العيادات إلى طاقم يضمن الخدمة على مدار الساعة، خاصة فيما تعلق بالأعوان شبه الطبيين. عيادات.. مجرد قاعات توليد كثيرا ما نرى لافتات عملاقة وبراقة تبين أن هنا أو هناك عيادة طبية خاصة توفر الكثير من الخدمات بنوعية رفيعة وتتوفر على طاقم طبي محترف، لكن وبمجرد دخولك إلى العيادة تكتشف أنها مجرد دعاية جوفاء لقاعة علاج تفتقر إلى مؤهلات تمكنها من حمل هذا اللقب الكبير، فهي تفتقر لطاقم طبي يمكنه تغطية الخدمات، حيث يستدعى الأطباء حسب الطلب وحسب حالة المريض، فيجبر المريض على الانتظار فيما يقوم الممرض ''السكريتير'' بإجراء العديد من الاتصالات الهاتفية بأطباء ذوي الاختصاص لعله يجد طبيبا يتكرم ويقبل القدوم إلى العيادة للتكفل بحالة المريض، أما الحالات التي يقبلها الأطباء بسهولة فهي حالات التوليد فهي عمليات سهلة وخفيفة ولا تكلف الكثير لكنها تعود بالكثير على العيادة، حيث تقوم العيادات ب''التعاقد'' مع ممرضات في المستشفيات العمومية لجلب الحوامل للعيادة ويكون نصيب كل حامل مبلغا ماليا معينا يكون بين 1500 و3000 دج للحالات القيصرية، حيث توهم القابلات السيدة الحامل أن وضعها مستعص كأن يكون جنينها في حالة جلوس أو أنه في وضعية صعبة ويجب عليها إجراء عملية قيصرية والأفضل لها أن تكون في العيادة الفلانية وتدلها على إحدى العيادات لتتحصل على مكافأة مالية نظير ذلك، ليقتصر عمل العيادات على توليد النساء فقط... العيادات الخاصة لن تعوض المستشفى أكد الدكتور، أحمد العرباوي، مدير عيادة الشفاء بالعاصمة وهي إحدى أكبر العيادات الخاصة والمجهزة بأحدث التقنيات الطبية، أن دور المستشفيات ليس طبيا صحيا وإنما هو دور علمي، حيث يتكلف المستشفى بالبحث العلمي وتكوين الأطباء والحالات المستعصية من الأمراض النادرة، موضحا أن دور العيادات الخاصة جاءت لتنقص الضغط على المستشفيات وتقدم خدمات طبية ذات نوعية للمرضى، مؤكدا أنه مهما تطورت العيادات الخاصة ومهما بلغت من مستوى رفيع من حيث الأطباء والوسائل التقنية إلا أنها لن تعوض المستشفى الذي يبقى دوره جوهريا، قائلا أن العيادات الخاصة لم تستطع تعويض المستشفيات حتى بالدول المتطورة والمتقدمة علميا، وقال أن الضمان الاجتماعي يجب أن يدمج العيادات الخاصة في تأمينه حتى يتمكن المريض الجزائري من الاستفادة من خدمات ذات نوعية وبتكفل من الضمان الاجتماعي مع دفع الفارق في الخدمات، مؤكدا أن هذا الإجراء كما هو مشروع بطاقة الشفاء سيقلل الضغط على المستشفيات. استشارات طبية عبر الهاتف ونحن في قاعة انتظار إحدى العيادات الفخمة بالعاصمة، لفت انتباهنا فتاة مقعدة جاءت من أجل رؤية طبيبها بسبب اضطرابات معينة في حالتها الصحية، لكن الممرض أكد لها أن الطبيب غائب وبعد إلحاح من المريضة ووالدتها رفع الممرض سماعة الهاتف وطلب الطبيب ليعرض عليه وضع المريضة فلم يكن من الطبيب سوى وصف وصفة جديدة عبر الهاتف، حيث أوصاها بوقف تناول دواء معين وإنقاص التركيز من دواء ثان، وهذا دون أن يرى المريضة أو حتى يتحدث إليها لأن الممرض هو الوسيط في المكالمة، وقد سجلت والدة المريضة استشارات الطبيب والأكيد أنها ستطبقها، وهي حالة تبين تهاون بعض العيادات الخاصة ومغامرتها بحياة المرضى الذين هربوا من لا مبالاة المستشفيات ليقعوا في انتهازية العيادات الخاصة، وما هو أكيد أن هذه الحالة ليست معزولة لأنها تتكرر مع العديد من المرضى في العيادات الخاصة، حيث يكتفي الطبيب بتوجيه تعليمات واستشارات عبر الممرضة لربح الوقت، خاصة وأن المريض لن يدفع مقابلا على الاستشارة. عيادة تنقل مريضا وبطنه مفتوحا للمستشفى في إحدى الخرجات النادرة لعيادة خاصة بولاية البويرة، قام جراح كبير بالمنطقة بنقل مريض في حالة غيبوبة تامة وبطنه مفتوح وفي سيارة إسعاف إلى المستشفى محمد بوضياف بعد أن استعصى على الطبيب القيام بالعملية، خاصة أمام نقص العتاد والأدوات الطبية اللازمة، حيث خاف الطبيب الجراح أن يموت المريض في العيادة فقام باستدعاء سيارة إسعاف ونقل المريض وهو في حالة غيبوبة وتحت تأثير المخدر دون إنعاشه بل ودون أن يغلق الفتحة التي أحدثها في بطن المريض، وقد تنقل يومها العديد من الأطباء لنجدة الطبيب وليس المريض، حيث اتصل بعدد من زملائه وساعدوه على التكفل بالمريض لكن في قاعة عمليات المستشفى، والطريف في القصة أن المريض عندما استفاق من النوم وجد نفسه في المستشفى بدلا من العيادة، والأغرب في هذه النكتة التي أصبحت على لسان جميع أطباء البويرة، أن الطبيب أجبر المريض على دفع تكاليف العملية رغم أنها أنجزت بمستشفى عمومي. عيادات أفخم من الفنادق ما لا شك فيه هو أن عددا من العيادات الخاصة تقدم خدمات جيدة وبامتياز وأصبحت تنافس المستشفى لولا غلاء خدماتها، حيث توفر وبدون تضخيم غرفا للمرضى هي أفخم بكثير من غرف الفنادق بالجزائر، وهو حال عدد من العيادات بالعاصمة، حيث يصل سعر الليلة في الجناح ''سويت'' إلى مليوني سنتيم لليلة الواحدة دون الخدمات الخاصة، تتوفر على سرير طبي خاص وصالون مجهز بشاشات عملاقة وهاتف وكل اللوازم، ناهيك عن الحمام المجهز بكل اللوازم، كما تتوفر العيادات على مطاعم فاخرة يسيرها خبراء في الطبخ الصحي ويقدمون أطباقا ذات جودة وقيمة غذائية عالية. القضية بين أيدي العدالة... مواطن من القل بسكيكدة يفقد بصره نتيجة خطأ طبي رفع مواطن من مدينة القل، غربي عاصمة الولاية سكيكدة، يدعى ''ج.ع'' شكوى إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة الميلية بولاية جيجل تحوز ''النهار'' على نسخة منها، اتهم فيها طبيب عيون، بالتسبب في فقدان بصره نتيجة خطأ طبي ارتكبه الطبيب محل الشكوى الذي يملك عيادة طبية في مدينة الميلية يدعى ''ب.س''، وحسب فحوى نص الشكوى، فقد وصف المريض ما تعرض له بعملية احتيال وتلاعب، من خلال إجباره على إجراء عملية جراحية على العين اليمنى بدلا من اليسرى وهذا بتاريخ 23 أكتوبر الماضي مقابل دفع مبلغ مالي قدر ب 29000 دج، رغم أنه حاول التأكيد للطاقم الطبي الذي كان حاضرا للعملية الجراحية بأنه يعاني من العين اليسرى،وليس اليمنى، لأن حدة البصر كانت بقياس 0,2 لليمنى و 0,3 لليسرى، حسب ما أكده التقرير الطبي ووثيقة قياس البصر الصادرة بتاريخ 10 أكتوبر 2009، وكان الطبيب، حسب ما ورد في الشكوى دائما، يريد فقط كسب المال على حساب المريض مقابل مواصلة الفحوصات الطبية في عيادته من طرف المريض الذي يعاني حاليا من تبعات هذه العملية الجراحية التي أفقدته بصره بنسبة 100 % وأصبح يحمل عاهة مستدامة تمنعه من ممارسة مهنته ومتطلبات الحياة، وقد أصر المريض الذي وصف نفسه بضحية تجارب هذا الطبيب الذي حمّله كامل مسؤولية ما تعرض له مبديا تمسكه بمتابعته قضائيا. '' النهار'' من جهتها حاولت طيلة أمس، الاتصال بمكتب الطبيب لمعرفة رده غير أننا لم تتمكن من نقل أقواله حيث لم يرد على مكالماتنا المتكررة. للإشارة فقط، فإن المريض ''ج.م'' فقد بصره في عينه اليسرى 100 ، بينما نجت العين اليمنى التي كان من المفروض أن تخضع لعملية جراحية من طرف الطبيب المغضوب عليه لنزع الماء الأبيض منها، حيث تمكن من إنقاذها بفضل إجرائه لعملية عاجلة داخل إحدى العيادات بعنابة بعد أن نصحه أطباؤها بالتدخل العاجل قصد نزع الماء قبل فوات الأوان بعد تأخر الجراحة عند طبيب الميلية. محمد بقاط رئيس عمادة الأطباء الجزائريين ل''النهار'': ''العيادات الخاصة مجرد مؤسسات اقتصادية تعمل وفقا للعرض والطلب'' لا يوجد قانون خاص بتنظيم العيادات الخاصة والوزارة تعتمد على قوانين متناقضة يؤكد الدكتور ''محمد بقاط بركاني'' رئيس عمادة الأطباء الجزائريين في هذا الحديث مع ''النهار'' أنه في الوقت الذي يشهد فيه القطاع الخاص في الصحة فوضى كبيرة، يبقى المريض بين مطرقة المرض وسندان الطبيب الغائب عند الحاجة إليه. هناك العديد من العيادات الخاصة تعاني من نقص فادح في الأطباء، إلى ماذا يرجع ذلك؟ النقص الفادح في عدد الأطباء على مستوى العيادات الخاصة راجع بالدرجة الأولى إلى طبيعة تصنيفها كونها عيادة وليست مؤسسة استشفائية خاصة أنها تستلزم وجود طبيب مناوب للإشراف على المرضى المتوافدين عليها، والعيادات الخاصة مجرد مؤسسات ذات طابع اجتماعي واقتصادي، تخضع لقانون العرض والطلب، بموجب العقد الطبي الموجود بين الطبيب والمريض. هل الأطباء العاملون في العيادات الخاصة معنيون بالمناوبة؟ الطبيب الذي يزاول عمله في العيادات الخاصة ليس معنيا بالمناوبة، كما هو الشأن في المستشفيات، حيث يعمل وفقا لمواعيد محددة واستنادا إلى الطلبات، والتي في حال عدم توفرها لا تستدعي تواجد الطبيب في العيادة. كما أن العيادات الخاصة أغراضها اقتصادية بالدرجة الأولى، وذلك ما يفسر تركيز العديد منها على إجراء العمليات التوليدية والعمليات الباردة كجراحات الزائدة الدودية وغيرها. كم بلغ عدد القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية على مستوى العيادات الخاصة؟ حسب المعطيات المتوفرة لدينا، فإن عدد القضايا بلغ 100 قضية بصفتنا التنظيم الأول المعني بمتابعة هذه الشؤون، ويتساوى هذا العدد مع عدد القضايا المسجلة في القطاع العام، أما عدد القضايا الذي تدوالته بعض وسائل الإعلام مؤخرا، والذي أعلنت من خلاله عن وجود 500 قضية متعلقة بالأخطاء الطبية فهو رقم مبالغ فيه بشكل كبير. لماذا يمتنع العديد من الأطباء الذين يعملون في العيادات الخاصة عن التصريح بنشاطهم في السجلات؟ صحيح، هناك تجاوزات بالجملة ترتكب على مستوى العيادات الخاصة كغياب السجلات، وأود أن أشير إلي أن مفتشي الصحة يكتشفون أثناء قيامهم بعمليات المراقبة غياب سجلات المرضى والاختصاصيين، كما أن غرف العمليات لا تستجيب للقوانين وتفتقر إلى أدنى شروط النظافة، كما أن هناك العديد من أن أسماء الأطباء الذين يجرون العمليات في عدد من العيادات مجهولين، ما يعني هروبا من تحمل المسؤولية.