يعتبر النطق أو الكلام من أهم الوسائل التي تساعد الشخص على التواصل الاجتماعي والتعبير عن ذاته وتكوين صداقات، كما يمنحه الشعور بانتمائه إلى المجموعة، لأن أي اضطراب في تعبيره عن ذاته وإيصال ما يريده إلى الطرف الآخر يصيبه لا محالة بخيبة أمل، ويضطرب انفعاليا وتزيد انفعالية هذا الشخص إذا قوبل بالاستهزاء والسخرية فعند ذلك يلجأ إلى عدة أساليب من بينها السلوك العدواني أو الخجل أو الانطواء والعزلة، أهم أسباب الصعوبة في النطق عضوية كإصابة أحد الأعضاء مثل الفك أو اللسان أو الشفاه أو الحلق أو الحنجرة والأنف أو الأذن والرئتين أو ضعف الحواس، وخاصة حاسة السمع وإصابة الأعصاب الدماغية أو القشرة الدماغية، وعن كيفية علاج الاختلالات الكلامية التقت ''المساء'' بالباحث في علم الأصوات كمال فرات الاستاذ بجامعة بوزريعة في مادة الأرطوفونيا مختص في وحدة الصوتيات الفيزيائية وأجرت لكم معه هذا الحوار. - حول ماذا يقوم بحثك في علم الصوتيات؟ بالنسبة لي كباحث أقوم بدراسة الأصوات العادية، أي عند الشخص الطبيعي لأنه من خلال معرفة الصوت العادي يتسنى لنا معرفة الحالات التي يكون فيها الصوت متعبا أو يعاني من حالة مرضية، وعلى العموم تظهر الحالة المرضية للصوت تحديدا عند الأشخاص البالغين، وتحديدا أكثر الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و60 سنة من الذين أدمنوا على شرب الكحول أو التدخين في مرحلة الشباب. - ولكن ما علاقة التدخين والكحول بتعرض الصوت لحالة مرضية؟ هنالك علاقة وطيدة بينهما، فالأشخاص الذين أدمنوا على التدخين أو على شرب الخمر يصابون لا محالة بسرطان الحنجرة، والنتيجة هي استئصال الحنجرة وهذا يعني بالضرورة استئصال الحبال الصوتية المرتبطة بالحنجرة ولأن الأوتار الصوتية مهمة في عملية النطق فمثلا ''الدال'' في غياب اهتزاز الأوتار الصوتية تنطق'' تاء'' وبالتالي يقع خلط عند نطق الحروف وتنطق بذلك الحروف المجهورة حروفا مهموسة وهو الأمر الذي يجعل المريض ينطق بكلمات ليس لها معنى. - كيف تقومون بعلاج هذه الحالات بالتحديد؟ يظهر دور الأرطوفوني بالنسبة لمثل هذه الحالات المرضية من خلال القيام بإعادة تأهيل النطق بصفة عامة، وبالنسبة لهذه الفئة بالذات من الأشخاص الذين يتم استئصال حنجرتهم يعتمد الأرطوفوني على أسلوب بلع المريض للهواء وتخزينه بالمعدة، بعدها يعاد إخراج الهواء وفي اللحظة التي يمر فيها الهواء بالمريء هنالك قطعة تهتز عند خروج الهواء وبالتالي تصدر صوتا يسمى ''بالصوت المريئي'' وهو الصوت الجديد الذي من خلاله يتعلم المريض النطق من جديد. - هل تقنية الكلام عن طريق المريء تقنية ناجحة عند إعادة تأهيل النطق؟ بالفعل أثبتت التجارب المطبقة على المرضى نجاح هذه التقنية من خلال تمكين المريض من اكتساب ملكات النطق من جديد، وبالتالي إمكانية التواصل الاجتماعي التي تؤهله ليعيش حياة عادية كغيره. - إذاً حول ماذا يقوم بحثك في علم الصوت ما دامت تقنية النطق موجودة؟ بحثي في علم الصوت يقوم على تقييم هذه التقنية من خلال استعمال برمجيات حاسوبية، حيث أحلل نطق المريض إلى مكونات فيزيائية تسمح لي بتحديد وبدقة مصدر المرض، أي ''أين يكمن الخلل في الصوت بالتحديد؟'' ومن خلال هذا يتسنى لي أن أقيّم إن كانت تقنية الصوت المريئي تسمح بإعادة تأهيل نطق المريض أم لا، ويتأكد لنا ذلك من خلال معرفة إن كان المريض قادرا على نطق كل الحروف أو بعضها فقط، وفي حالة ما إذا وجد المريض صعوبة في نطق بعض الحروف نقوم باعتماد أسلوب التكرار والنطق المستمر للحروف التي يجد معها صعوبة. - هل هنالك حالات مرضية أخرى تؤثر على الكلام؟ من بين الحالات المرضية الأخرى التي تؤثر بشكل مباشر على الصوت هناك مرض الباركينسون أو ''الارتعاش''، وقد كان هذا المرض بالتحديد محل بحثي، حيث قمت بدراسة حالة مريض كان متواجدا بالمستشفى وبحكم أني كنت منهمكا في تقييم درجة النطق لديه التي كانت مضطربة اكتشفت أن هناك علاقة بين ارتعاشه واضطراب النطق لديه، إذ أن حدوث الارتعاش العصبي يؤثر على اهتزاز أحباله الصوتية وعلى بعض أعضاء النطق كاللسان، والنتيجة حدوث اختلال في مخارج الحروف نتيجة اهتزاز الأحبال الصوتية. - تحدثت عن العلاج الآلي للكلام ماذا تقصد به؟ يعتمد العلاج الآلي للكلام على تطوير برمجيات تمكن الشخص في الحالة العادية من الاستماع الى ما يكتبه أي يحول النص المكتوب إلى نص صوتي ويسمى'' بالقارئ الآلي للنصوص المكتوبة'' فمثلا الطفل عندما يكتب كلمة معينة في جهاز الكمبيوتر يقوم في ذات الوقت الجهاز بإعادة ترديد الكلمة بصورة آلية، هذه الطريقة بالتحديد تمكن الأطفال من اكتساب المهارة اللغوية بصورة صحيحة وسليمة وبطريقة سريعة أيضا، من أجل هذا قمنا في المخبر بإنجاز قارئ آلي للنصوص المكتوبة باللغة العربية يساعد بصورة كبيرة في تعليم اللغة العربية للأطفال وحتى الأجانب الذين لا يتقنون اللغة العربية، كما أنه يطور حاسة السمع. - ماذا ينتج عند عدم معالجة مشكلة النطق في الحالات المرضية؟ لعل من أهم النتائج السلبية التي تنجم عن عدم معالجة مشكلة النطق هي دخول المريض في حالة من الانطوائية والعزلة التي تدفع به إلى الشعور بالتهميش نتيجة افتقاره للوسيلة التي تمكنه من التواصل مع غيره من أفراد المجتمع، كما تؤدي بالنسبة لبعض الأطفال إلى خروجهم المبكر من المؤسسات التربوية وبالتالي ضياع مستقبلهم الدراسي. - ولكن ما علاقة مشكلة النطق بالأطفال المتمدرسين؟ بحكم تجربتي الميدانية اكتشفت أن المؤسسات التربوية وكذا الأولياء مسؤولون عن التسرب المدرسي لا سيما بالنسبة لأطفال الذين يعانون من مشكلة التأخر بالنطق في ظل غياب تكفل صحي جيد بهم، حيث قمت مؤخرا رفقة بعض الطلبة بإجراء بحث حول بعض الأطفال الذين يعانون من مشاكل بالنطق وقد ثبت لنا ان السبب الرئيسي وراء تأخرهم بالنطق أو عدم النطق الجيد لبعض الحروف هو كونهم يعانون من صمم خفيف وبالتالي يتعذر عليهم الاستماع الى بعض الحروف بصورة سليمة كالحروف التسريبية أو المهموسة مثل ''السين والشين '' وبالتالي فعدم الاستماع الجيد للحروف يعني بالضرورة الفهم الخاطئ للكلمة وبالتالي الضعف في التحصيل لذا نصر على ضرورة أن تأخذ المؤسسات التربوية على عاتقها مهمة الكشف الصحي الجيد على الأطفال لحمايتهم، وعلى العموم سعينا من وراء هذا البحث إلى تحسيس المدارس بفائدة الكشف الصحي خاصة فيما يتعلق بالحواس المسؤولة عن النطق. - هل هناك حلول مقترحة لمعالجة الصمم الخفيف عند الأطفال؟ في الواقع المشكل يطرح عند عدم الكشف عن مصدر التأخر بالنطق ولكن إن تم الكشف عنه خاصة بالأطوار التحضيرية يمكن علاج هذا المشكل بطرق جد بسيطة تعتمد أساسا على إجلاس الطفل بالأماكن الأمامية حتى يستمع جيدا، إبلاغ الأستاذ بضرورة الكلام بصوت مرتفع وواضح، الى جانب تكثيف الدروس الإملائية بالنسبة لهذه الفئة حتى تتكيف آذانهم وتتعود على التلقي الصحيح للكلمة، من خلال الاعتماد على التكرار، وشيئا فشيئا يكتسب الطفل مهارة النطق الجيد من خلال تطوير قدرته على الاستماع الجيد. - هل من كلمة أخيرة؟ أرغب فقط في أن أركز على أهمية تطوير البحث في الجزائر، فمشكلتي كباحث هي غياب التنسيق بين الجامعة والمخبر والمستشفى، في الوقت الذي يعتبر فيه العمل التنسيقي مهما وتظهر أهميته في تطوير علم الأرطوفونيا الذي يقوم بالدرجة الاولى على البحث.