تحتضن ساحة أول ماي منذ أسابيع معرضا للحرف التقليدية يشارك فيه عارضون محليون من مختلف مناطق الوطن كمنطقة القبائل وطوارق الصحراء، لعرض صناعات تقليدية تميز منطقة عن أخرى، كالحلي الفضية التقليدية التي تجلب أذواق الكثيرين،''المساء'' تحدثت الى العارض الشاب ''حسين طرحة'' الذي أخرج نفسه من سجن البطالة بالرجوع إلى مهنة الأجداد. تشكل صناعة الحلي معلما من معالم الثقافة الأمازيغية الجزائرية المميزة التي بقيت محافظة على أصالتها جيلا بعد جيل، بحكم توارث هذه الصناعة في الأسرة الواحدة التي غالبا ما تخصص في منزلها ورشة صغيرة لتصنيع قطع فضية تقليدية تلبي الأذواق العصرية مع الحفاظ على أصالة الجدود. من بين أولئك الذين اختاروا طريق الحفاظ على الحرف التقليدية الشاب ''حسين طرحة'' ذو ال20 سنة الذي رأى في تعلم صناعة الحلي التقليدية مصدر رزق عوض البطالة او ''الحرقة'' الى بلدان ما وراء البحار التي يمثلها البعض بالجنة الموعودة. بالزاوية اليمنى لساحة أول ماي قبالة مدخل مستشفى مصطفى باشا الجامعي، وضع حسين طاولته الصغيرة واخذ يرص القطع الفضية التقليدية منها والعصرية لبدء يوم عمل جديد تحت طقس معتدل وحرارة الشتاء اللطيفة. اقتربت منه ''المساء'' وأخذت تستفسر عن سعر هذه القطعة او تلك.. ثم استدرجت الشاب في الحديث عن صناعة الحلي التقليدية هذه وتفاجأت عندما أكد الشاب أمر صنعه لأغلب القطع المعروضة رغم صغر سنه. حسين ابن منطقة بني يني بولاية بجاية شرق العاصمة الجزائر. تربى وسط أسرة محافظة على تقاليد صناعة الفضة التي كانت وما تزال مصدر افتخار الأسر الأمازيغية على اختلاف مواقع وجودها، قال الشاب إنه تلقن أصول صناعة الفضة عن جده من والده، وإنه لم يكن يتوقع أن يكون يوما صانعا مثله فقد كانت تراوده أفكار بالعيش الرغد مثل جميع أقرانه، ولكنه آثر العودة الى أصالة الصناعة اليدوية التقليدية عوض الانغماس في البطالة أو التفكير في الهجرة ''في 13 سنة من عمري صنعت أول قطعة فضية لوحدي، يقول حسين ويواصل، لقد مكثت 3 ساعات كاملة لصنعها. كانت القطعة عبارة عن سلسلة او كما تسمى بالقبائلية أزرار، أتذكر أنني اضطررت لإعادتها ستة مرات كاملة حتى نجحت فيها، وكانت توجيهات جدي وراء اتقاني للحرفة فيما بعد، وحاليا لا أتجاوز في صنع ذات القطعة ساعتين''. سألنا الشاب الذي بدا غارقا بين زبوناته من زائرات الساحة او المارات بها وأوقفهن الفضول أمام طاولة الصانع الشاب للسؤال عن سعر هذه القطعة او تلك، وبين أسئلتنا راح يستسمحنا كل مرة حتى يلبي مطالب الزبونات، فكان يجيب على كل سؤال بشكل ينم عن معرفته الواسعة بعالم صناعة الحلي التقليدية رغم صغر سنه، لما سألناه عن مشاريعه المستقبلية قال إنه يطمح إلى توسيع عمله بإنشاء مؤسسة مصغرة لصناعة الفضة وتوسيع ورشة الأجداد، ولكن بعد جمع رأس المال الكافي لذلك. سألناه كذلك عن فكرة الهجرة للخارج والاستقرار ببلد أوروبي والعمل لجمع المال (الحلم الذي يراود بني جنسه وفي مثل سنه) فقال مبتسما ''تقصدون الحرقة.. أبدا لم أفكر في ذلك.. وإن فعلتها فسأكون خائنا.. أخون جدي والد والدتي ''السعيد طرحة'' الذي استشهد في بني يني خلال ثورة التحرير.. استشهد لأعيش انا حرا فكيف لي ان اهجر البلد الذي حرره جدي! ''. ''أتمنى فقط من السلطات المعنية ان تعيننا نحن الصناع التقليدية توفير المادة الأولية بأسعار تناسبنا.. وتسهل علينا كذلك الخطوات لإنشاء مؤسسات مصغرة، فربما سأتمكن يوما من تصدير موروث أجدادي هذا للخارج''. يقول حسين طرحة. ويعرض حسين على طاولته بمعرض ساحة أول ماي الذي ما يزال بالمكان منذ صائفة 2010 بترخيص من بلدية سيدي امحمد، قطعا فضية تقليدية وأخرى عصرية مستوردة من إيطاليا، التي قال عنها إن بعض مظاهر صناعة الحلي يجب تحديثها لتتماشى مع الأذواق العصرية والتكيف مع تغيّر الطلب، حتى لا يبقى العرض سجينا للأساليب القديمة ضمن عالم في تطور متواصل''. وأضاف ''التغيير أيضا يجب أن يشمل شكل الحلي التي يجب أن تتماشى مع التطور العصري الذي مس كل مناحي الحياة''. وتشكل الأقراط والخواتم والسِوارات وأيضا السلاسل مظاهر هذا الأسلوب العصري، فحتى وإن تغيرت الأشكال والألوان إلا أن التعبير الفريد والمميز يبقى ذلك الذي تعرضه الفضة التقليدية التي تمزج بين الألوان بتناسق كبير يعكس تراث كل منطقة-.