كيف يخبر الطبيب المريضة بداء السرطان؟ هذا السؤال الصعب و الحساس جدا طرحناه على كوكبة من الأطباء الجزائريين الأخصائيين في الطب العام والمختصين في أمراض النساء والتوليد، حيث اختلفت طرقهم في كيفية الإفصاح عن المرض، إلا أنهم أجمعوا على ضرورة الرحمة خلال إطلاع المريضة على حالتها لتفادي تعقيد الحالة أو التسبب في أمراض أخرى ناتجة عن الصدمة. التحضير النفسي ضرورة حتمية يرى الدكتور بوبكر محب الدين أن تحضير المريض نفسيا أمر هام، وهو القاعدة الأساسية التي يعتمد عليها في إطلاع المريض ذكرا كان أو أنثى بهذا المرض رغم أن النساء أكثر عرضة له، يقول ''التحضير النفسي أمر جد فعال وله تأثير ايجابي خاصة إذا كان المريض يثق في طبيبه، وحسن اختيار الكلمات والمفردات هام جدا، فهناك كلمات تسبب الضرر والألم فور سماعها... تصور معي هذه الحالة.. ينظر الطبيب إلى المريضة التي لم تكن تنتظر المفاجأة غير السارة والعين في العين ويقول: مادام عندك سرطان'' صراحة مهما كانت شجاعة هذه المرأة ستنهار وربما يقضى عليها، فكلمة سرطان لوحدها تزلزل الجسم... رغم أن هناك بعض المرضى الذين يتحلون بالشجاعة ويطلبون من الطبيب أن يطلعهم بصراحة عن الداء الذي يعانون منه، مشيرين إلى أنهم مستعدون للمفاجأة.. لكن لابد من التعامل بحنكة مع هذا الوضع فالمريض سيفجع، وعلى الطبيب أن يضع نفسه في ذلك الموضع، لهذا أنا شخصيا أفضل اتخاذ الطرق المناسبة لإطلاعه على الأمر، فالمستوى الثقافي أيضا يتحكم في الوضعية، فإن تطلب مثلا من المريضة إحضار بعض التحاليل أو الانتقال إلى النقطة التالية في العلاج فإن هذا سيوضح الصورة أمام المريضة المثقفة، وأحاول قدر المستطاع تخفيف وطأة الخبر من خلال تحقير الوضعية والتحفيز على علاجها، كأن أقول لها لديك حبة سنعمل على علاجها أو التخلص منها وهنا أبدأ رحلة العلاج معه وأحاول إكمالها للنهاية. وأضاف محدثنا قائلا ''يجب أن يحرص الطبيب على نفسية المريض، فهي أهم ما يمكن التعامل معه في الحالات الصعبة فإذا تم الحفاظ على المعنويات المرتفعة فإن نسبة مكافحة المرض والتصدي له تكون مرتفعة أيضا''. أما الدكتورة بوبكر شهرزاد وهي طبيبة عامة ببابا حسن والتي تلقب بالأم تيريزا في المنطقة، لديها طريقتها الخاصة التي يشهد لها بها الجميع، كونها تغدق على المريضة حنان الأم وحنكة الحكيم وصلابة الصبار في الفيافي، حيث سجلت أشواطا عديدة في المرافقة حتى الدقائق الأخيرة من عمر المريضة وعن طريقتها في التعامل تقول ''صراحة أتعب نفسيا إذا حصل واكتشفت أن إحدى مريضاتي تعاني من سرطان أو مشروع سرطان، خاصة إذا كانت المريضة صغيرة السن أو متزوجة حديثا... أقوم من مكاني وأجلس بالقرب من المريضة أحضرها نفسيا وأطلعها على مرضها مضيفة أنه يمكن علاجه وأن العلم في تطور والثقة في الله تعالى والدعاء بالشفاء مع اتخاذ الأسباب كلها أمور تبشر بالخير، ومن بين الحالات التي عشتها مريضة لي كانت في حالة متقدمة عشت معها تفاصيل المرض، كنت أزورها في البيت وأطلع على حالتها الصحية، وأعمل على رفع معنوياتها... تابعتها حتى اليوم الذي أسلمت فيه الروح لبارئها... وبعد سنة تزوجت ابنتها التي كانت تناديني ''خالتي'' حضرت العرس وقبله اشتريت معها بعض الأمور الخاصة حتى لا تشعر بأنها وحيدة ... أنجبت فتاة جميلة وهي حاليا تعيش ظروفا صعبة مع زوجها، وأسعى لإعادة المياه إلى مجاريها بحكم معرفتي للعائلتين خاصة أن حماتها إحدى مريضاتي، نعم فأنا حاليا ألعب معها دور الأم التي افتقدتها وافتقدتها أنا أيضا فقد كانت إحدى مريضاتي التي خطفها السرطان''. السرطان كالضرس يمكن اقتلاعه تقول الدكتورة جيشي نجيبة طبيبة عامة'' عندما أتأكد من أن المرأة فعلا مصابة بمرض السرطان أحاول قدر المستطاع تخفيف الأمر وجعل الأشياء بسيطة حيث أمثل المرض بالضرس الذي يقلق ويستوجب علاجه أو قلعه كليا، وبين هذا وذاك أعمل على تحضيرها نفسيا للقيام بالإجراءات اللازمة''. وتواصل محدثتنا قائلة ''صراحة أكثر ما يصعب الأمور على المريض هو نظرة المجتمع القاسية، والكلمات التي تحمل في مدلولاتها الشفقة مما يجعل المريض يشعر بانهيار خاصة أن هناك الكثير من أوجه التضامن التي يمكن الاعتماد عليها للتخفيف على المريض''. لا أذكر اسم سرطان أبدا أما الطبيبة سماتي بباش جراح فلا تستعمل أبدا مصطلح سرطان تقول ''صراحة أنا أرفض كلمة سرطان لأنني أعتبرها من مسببات الصدمات ومنه الإصابة بالسكري أو توقف القلب، فقد وقفت على الكثير من الحالات الحرجة كسرطان الثدي أو سرطان الرحم، لذا أعمل دوما على التخفيف من حدة الوضع، بحيث أخبر المريضة أنها مصابة بمرض يمكن علاجه، لكن مع الاعتماد على الكثير من الصبر بحيث أخاطب المريضة باللغة التي تفهمها لكن بلغة مشبعة بالكثير من الأمل، كما أنني لا أطلع المريضة أبدا على الحالة في حضور صديقاتها أو قريباتها بحيث أعمل على الاحتفاظ بالخصوصية''. السرطان يتطور ولا ينتظر وأشار الدكتور ع. ا إلى أن السرطان كلما اكتشف في وقت مبكر كلما كانت حظوظ العلاج والشفاء أكبر، وإذا تمت عملية الإنقاذ في المرحلة الأولى تعافى المريض، فهو في هذه المرحلة يشبه إلى حد كبير احتراق الغصن وإنقاذ الشجرة، مضيفا أن كل تأخير يقود لتعقيدات ومشاكل أكبر، لهذا يستوجب المتابعة في المستشفيات لأن السرطان يتطور ولا ينتظر''. ونبه الدكتور ميهوبي محمد إلى أن أصعب وأحرج الأوقات التي يتعرض إليها الطبيب ذلك الوقت الذي يعلن فيه عن مرض السرطان لمريضه يقول ''ليس من السهل على الطبيب إطلاع مريضه على حالته، فقد صادفت في مساري المهني إصابة شاب بسرطان الثدي، ولكم أن تتصوروا صعوبة الموقف خاصة أن نسبة إصابة الرجال به 1 بالمائة، علاوة على إصابة سيدات فأنا شخصيا لا أطلع المريضة على ما تعاني منه بل أطلب منها تحاليل وأشعة، فإذا كانت مثقفة فإنها فورا ستفهم المشكل الذي تعاني منه، ففي مرحلة الأشعة تتضح الأمور، إلا أنني أحرص عند إعطائها التحاليل على التذكير بأن لكل داء دواء وعامل الوقت ضروري جدا، وهنا أنصح الأزواج بأخذ زوجاتهم للطبيب عندما يشعرون بتغير أو ألم وأن لا يبقوا لوقت متأخر، لأنني أذكر حالة مريضة تأخر زوجها في إحضارها للفحص مدة ستة أشهر كان المرض خلالها قد تمكن من ثديها، فراحت تلوم زوجها على التأخير أمامي وقد تأسفت لحالها كثيرا. من جهتها الدكتورة جربوعة حورية أخصائية في أمراض النساء بالقليعة صادفت العديد من الحالات التي ينفطر لها القلب تقول ''مؤخرا وقفت على حالات مختلفة لمريضات منها سيدة متزوجة وأم لطفلين تم استئصال ثديها بعد المتابعة، والحالة الثانية لامرأة خمسينية أنهكها السرطان، أما الثالثة التي ينفطر لها القلب شابة في 17 من العمر اكتشفت وجود سرطان متطور بثديها، طريقتي في التعامل مع الحالة واحدة أقول ''ستتعافي من مرضك وتعودين لحياتك الطبيعية أو لأبنائك بشرط أن تتابعي الدواء باهتمام كبير، وأن تحضري التحاليل والأشعة التالية في أقرب وقت ممكن، وهو الأمر الذي يحول دون حدوث اكتئاب نفسي للمريضة كونها ستعرف حالتها خلال عملية إجراء الفحوصات الطبية والأشعة''. وشدد الأخصائيون على ضرورة الاهتمام بالصحة لتفادي الكثير من الأمراض من خلال الغذاء الجيد المتوازن والممارسة الجادة للرياضة، وعلى رأسها رياضة المشي التي يطلق عليها اسم رياضة الفقراء كونها لا تحتاج للكثير.