تحصي الجزائر سنويا ما بين 5 و7 آلاف حالة إصابة جديدة بسرطان الثدي، الذي يمثل 21 بالمائة من مجموع السرطانات بالوطن، و10 بالمائة من مجموع الإصابة بسرطان الثدي وراثيا، أي تصيب النساء في العائلة الواحدة، ويرى أخصائيون أن حالات الإصابة بهذا النوع من السرطانات في ازدياد ويمس على وجه التحديد النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 40 و55 سنة، إلا أن منحنى الإصابة بهذا الداء تغير في السنوات الأخيرة، ليمس فئة الشابات لأسباب حصرها المختصون في الامتناع عن الرضاعة الطبيعية واستعمال موانع الحمل والبدانة والنمط المعيشي العام. وتتحدث الأرقام أيضا عن وفاة حوالي 2700 جزائرية سنويا بسبب هذا السرطان، ما دفع المختصين إلى مطالبة وزارة الصحة بضرورة التحرك لدراسة ظروف اتساع المرض بين النساء وتحديد المسببات، مع التعجيل بفتح مراكز علاج السرطان عبر الوطن بالنظر إلى التوافد الكبير على مركز بيار وماري كوري بمستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة.. هذا المركز الذي يستقبل يوميا آلاف حالات الإصابة بسرطان الثدي ما بين استشارة، علاج كيميائي وحالات جراحية لبتر الثدي بالنسبة لحالات إصابة متقدمة أو معقدة. وبقاعة الانتظار بقسم المعالجة الكيميائية بمركز مكافحة السرطان، التي زرناها مؤخرا، لاحظنا وجود ما يناهز عشرين امرأة تراوحت أعمارهن بين العشرين والخمسين.. اقتربنا من إحداهن وقد انزوت بنفسها تنتظر دورها، فحدثتنا على مضض عن حالتها أنها مصابة بالمرض الخبيث الذي اكتشفته صدفة بعد زيارة طبيبة نساء وتوليد، وقالت أنها لم تتوقع يوما الإصابة بسرطان الثدي، خاصة وأنها أرضعت طفلين ولكن ازدياد الألم في ثديها الأيسر جعلها تشك في الأمر وترددت بداية العام الجاري على طبيبتها النسائية التي طلبت منها إجراء أشعة موضعية فتم اكتشاف "حبة "تحت إبطها الأيسر، ما استوجب إجراء استشارة بقسم أمراض الثدي، ثم تقرر إجراء حصص العلاج الكيميائي مرتين شهريا حتى لا تتطور الإصابة. وتقول المتحدثة أن أمر إصابتها قلب حياتها رأسا على عقب، خاصة فكرة بتر الثدي رغم استبعاد طبيبها للأمر، وتقول "الحالات التي سمعت عنها مسبقا كلها تم فيها استئصال الثدي المصاب وأخرى استفحل السرطان في الجسم وكلها إصابات قضت صاحباتها نحبهن".. ورغم طمأنتنا لها باحتمال الشفاء كما قال طبيبها المعالج، إلا أن المرأة بدت يائسة تماما، وهي السمة التي طغت على أوجه النسوة بقسم المعالجة الكيميائية. وتشير ممرضة بذات القسم إلى أن هناك نسوة يغمى عليهن حين سماعهن خبر إصابتهن بسرطان الثدي وأخريات تنتابهن نوبات بكاء هستيري وكأن حياتهن انتهت، بل أن من النساء من تخاف اطلاع أزواجهن بالخبر مخافة الانفصال. وللأسف مثل هذه الحالات موجودة بمجتمعنا مثلما تؤكده لنا إحدى المتطوعات بجمعية نور الضحى لمرضى السرطان، الجمعية التي قامت مؤخرا بحملة تشخيص الداء عبر الوطن ووقفت على حالات طلاق زوجات بسبب إصابتهن بسرطان الثدي وحالات انفصال عن الخطيبة مثلما حدث مع فتاة في العشرينات بولاية داخلية تم اكتشاف إصابتها بسرطان الثدي والذي بسببه ضعف جسمها وفقدت حيويتها وأملها في الحياة، خاصة وأنها كانت مخطوبة لقريب لها هجرها بعد سماعه الخبر، ما جعلها ترفض حتى الخضوع لجلسات العلاج الإشعاعي والكيميائي بعده وتفضل الموت، لولا تدخل النفسانية المتطوعة بالجمعية وإقناعها بضرورة النظر إلى الحياة من زاوية أكثر إيجابية.. ولكن لحسن الحظ، هذه ليست قاعدة، فالطبائع تختلف،إذ تذكر لنا الدكتورة "لويزة جلوط" أخصائية أمراض الثدي وأستاذة مساعدة سابقا بمركز بيار وماري كوري في لقاء مع "المساء"، أن 3 حالات بتر الثدي بسبب السرطان لثلاث نساء عالجن عندها، نجح زواجهن وارضعن أطفالهن بعد الولادة وحياتهن مستقرة، في إشارة منها إلى أن العامل النفسي وتقبل المرض وكذا تفهم الأسرة مهم جدا. وتقول الأخصائية من القطاع الخاص، أنها أصبحت حاليا مع تراكم تجربتها الطبية لما يزيد عن ثلاثين سنة، تتعامل مع المريضات من الجانب النفسي أكثر من الجانب الطبي، فبمجرد دخول المريضة تقرأ - حسب تعبيرها - على وجهها الخوف والهلع، وحين سؤالها عما بها تجيب المريضة "عندي هذاك المرض" من دون حتى تسميته، وكأن السرطان يأتي هكذا، تقول الأخصائية. ومن بين الأسباب الواردة على ألسن المريضات، كون واحدة من نساء العائلة أصيبت بمرض الثدي أو أنها أحست بنفس أعراض إصابة إحداهن "لذلك فإن نسبة كبيرة من المترددات على قسم أمراض الثدي أو العيادات المتخصصة تقودهن الهواجس، إلا أن هذا عامل يمكن اعتباره جيد، لماذا؟ لان الكشف المبكر يسمح بالتشخيص المبكر وبالتالي التكفل المبكر وتفادي الإصابة بالسرطان. وما يجب أن تعرفه المرأة أن سرطان الثدي هو تطور أخير للعقد الليمفاوية (ولسيس) التي توجد غالبا تحت الإبط أو الأكياس المائية بالثدي، وهي غالبا لا تؤلم ولا تحس بها المرأة إلا في حالات نادرة، لذلك فإن الكشف المبكر هو الطريقة الوحيدة لتفادي السرطان". وتذكر الأخصائية أيضا أن هناك حالات لتشوه الثدي وإفرازات دموية من الحلمة وهي آخر تعقيدات السرطان التي تؤدي إلى بتر الثدي المصاب. من جهة أخرى، تنبه الأخصائية الحوامل والمرضعات، إلى ضرورة إجراء فحص الثدي، والقول أن الحامل أو المرضعة بمنأى عن الإصابة بسرطان الثدي خاطئ تماما.. فبالنسبة للحامل عليها أن تجري فحصا خلال الثلاثة أشهر الأولى للحمل وان تبينت الإصابة يتم التضحية بالجنين وإخضاع المرأة للعلاج، أما بعد 6 أشهر من الحمل فالخطر يكون مضاعفا على الحامل والجنين، وهنا يؤجل العلاج الكيميائي إلى حين الولادة، ولكن خطر استفحال المرض لدى الأم يكون مضاعفا وبالتالي اللجوء إلى استئصال الثدي المصاب. كما أن المعروف لدى المرضعة "تحجّر" الحليب في الثدي وهذا عامل خطر أيضا والنسوة بمجتمعنا يقللن من الخطر دائما لذلك - تقول الدكتورة - فإن تحجّر الحليب في الثدي خطير، خاصة مع تراجع الرضاعة الطبيعية وكثرة تناول حبوب منع الحمل. ولاحظت الأخصائية في السنوات الأخيرة ورغم التطور في النمط المعيشي، أن عامل الإصابة بسرطان الثدي لم يعد يقتصر على نساء العقدين الرابع والخامس، بل أصبح يمس أيضا الشابات في العشرينات من العمر، إذ تشير أرقام الأخصائية منذ جانفي 2008 إلى غاية 4 نوفمبر الجاري، إلى تسجيل 65 حالة إصابة بسرطان الثدي بعيادتها الخاصة، يتراوح معدل عمر المصابات بين 25 و88 سنة. وتؤكد الأخصائية أن هناك نسبة من الإصابات وراثية، لذلك لا بد لكل من تسجل إصابة سرطان ثدي أو سرطان آخر في عائلتها، القيام بمراقبة طبية عند أخصائي أمراض الثدي لتفادي أي إصابة، كما انه من الضروري عدم الاستهانة بأي عارض كوجود حبة تحت الإبط أو في الثدي أو افراز الحلمات أو الشعور بالألم، واستبعاد فكرة الإصابة بالسرطان من الأذهان، لان الأخصائية أكدت من جانب آخر أن حالات هاجس نفسي من الإصابة بسرطان الثدي لنساء كنّ سليمات جعلهن يصبن حقا بالداء. من جهة أخرى، تنفي الأخصائية "لويزة جلوط" كل الأقاويل بأن بعض الملابس الداخلية وبعض مزيلات الروائح الجسدية، قد تكون عامل إصابة بسرطان الثدي، لأنه لا توجد دراسات علمية تؤكد الخبر، وتوصي النساء بزيارة الأخصائي قي أمراض الثدي على الأقل مرتين سنويا لإجراء فحص روتيني تفاديا لأي طارئ. جدير بالإشارة، أن الأرقام التي كشفت عنها مؤخرا وزارة الصحة حول الإصابة بداء سرطان الثدي والمتراوحة بين 5 و7 آلاف حالة إصابة جديدة سنويا، 50 بالمائة منها تصل إلى مركز بيار وماري موري في حالة متقدمة من المرض وتصنف في خانة الحالات الميئوس منها.