توقيع اتفاقيتي تعاون بين وزارتي الثقافة والمالية.. شراكة استراتيجية لحماية التراث وتثمين الإبداع    لبلورة الرأي السينمائي وإثراء النقاش..إطلاق جائزة نوادي السينما الجزائرية    ابراز ثراء الإبداع النسوي في الجزائر ..افتتاح المهرجان الثقافي الوطني لإبداعات المرأة    حركة عدم الانحياز تشيد بالرئيس تبّون    جمع 30 ألف قنطار من الحبوب    هذا جديد "المصالحة الجبائية" والامتثال يعفي من العقوبة    قصر المعارض الجديد ضروري للحركية الاقتصادية المتنامية    الجزائر تتطلّع إلى معاملات بنكية غير نقدية    الحكومة تستهدف الحفاظ على المسار التنموي    47 خرقا صهيونيا يخلف 38 شهيدا و143 مصاب    المخزن يخفي العدد الحقيقي للمعتقلين في صفوف المتظاهرين    فرنسا تخشى من اكتشاف الأجيال تاريخها الأسود    مدرب الاتحاد السعودي يستبعد عوّار    مستقبل غامض لغويري بسبب الإصابة    "العميد" للعودة بنتيجة مطمئنة وانتصار مهم ل"الكناري"    انتصاران هامّان لأولمبيك آقبو وأولمبي الشلف    احتفاء بيوم النظافة الاستشفائية    مناورة افتراضية للوقاية من الفيضانات    تورط 230 شخص في قضايا المخدرات    مقاربة استباقية لمواجهة تحوّلات سوق العمل    الجامعات الجزائرية الأولى مغاربيا وعربيا    تكثيف التواجد الأمني لضمان أمن المواطن    قتيل وجريحان في اصطدام دراجتين ناريتين    حين يتحوّل الجدار إلى ذاكرة ضوء    30 تشكيليا يلتقون بمعسكر    5 حالات إصابة مؤكدة بداء الدفتيريا    الجزائر نموذج يحتذى به في بلوغ الأمن الدوائي    منظمة الصحّة العالمية تُثمّن التزام الجزائر    سفراء يهنّئون بوغالي    جريمة ضد الإنسانية    سايحي يشدد على تحسين الخدمات المقدمة للمتقاعدين    ليبيا : انتخابات محلية في 16 بلدية    الجزائر تواصل صعودها في تصنيف الفيفا    منافسات الأندية للكاف (الدور التمهيدي الثاني ):الأندية الجزائرية على موعد مع لقاءات الذهاب    الكشف عن خطة "الكان" وموعد سفر "الخضر" إلى المغرب    مشاركون في يوم دراسي..دعوة إلى تعزيز التنسيق بين الجهازين القضائي والإداري    المنيعة.. توقع إنتاج أزيد من 185 ألف قنطار من التمور    ارتفاع حصيلة الضحايا في غزة إلى 68 ألفا و116 شهيدا..سفارة فلسطين بالقاهرة تعلن إعادة فتح معبر رفح غدا الاثنين    ورقلة..حركية تنموية دؤوبة ببلدية البرمة    تيارت.. مشاريع لإنجاز تسعة خزانات مائية    البرلمان الجزائري يشارك في أشغال الجمعية ال151 للاتحاد البرلماني الدولي بجنيف لبحث القضايا الإنسانية والتحديات العالمية    الفريق أول السعيد شنقريحة في زيارة رسمية إلى كوريا الجنوبية لتعزيز التعاون العسكري    البروفيسور مغدوري: الهجرة الجزائرية امتداد للمقاومة الوطنية و17 أكتوبر 1961 محطة مفصلية في الذاكرة النضالية    وزارة الصحة: تسجيل خمس إصابات مؤكدة بداء الدفتيريا بينها حالتا وفاة بولاية سكيكدة    جريمة نكراء في السجل المخزي لفرنسا    الرئيس يستقبل جميلة بوحيرد    الجيش الوطني يُفكّك خلية إرهابية    فيديو تعذيب شاب يثير استنكار الرأي العام    مولوجي تبشّر الريفيات    اتفاقية بين وزارة الثقافة والجمارك    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    الأكلات الجاهزة.. حرفة لربّات البيوت وحل للعاملات    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    تكريم رئاسي لأفضل الرياضيين    ضمان وفرة الأدوية والمستلزمات الطبية بصفة دائمة    المجتمع الرقمي له تأثيره وحضورُ الآباء ضروري    خديجة بنت خويلد رضي الله عنها    فتاوى : كيفية تقسيم الميراث المشتمل على عقار، وذهب، وغنم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكشف عن المرض في مخابر التحليل يهز مبدأ ''السرية الطبية''‏
صدمة التشخيص قد تؤدي إلى الانتحار
نشر في المساء يوم 25 - 01 - 2011

كل إنسان معرض للمرض، وهذا أمر يدركه الجميع لكن القليلين لهم القدرة على تقبله حين وقوع الفأس في الرأس، وإذا كان ذلك عاديا نظرا للطبيعة الإنسانية، فإن غير العادي هو أن يتحول الكشف عن المرض والإعلان عنه للشخص المعني بمثابة ''الفعل الروتيني'' الذي يؤديه أيا كان حتى عون الاستقبال بمخابر التحليل، في غياب دور الأخصائيين النفسانيين الذي قد يؤديه الطبيب أحيانا وقد لايؤديه أحيانا أخرى.
''صدمة تشخيص المرض''، عبارة يعرفها الأطباء والنفسانيون، لكن في زحمة المستشفيات ومخابر التحليل ومع الانتشار اللافت للانتباه للكثير من الأمراض الخطيرة لاسيما السرطان بكل أنواعه، أصبح إخبار أي شخص بدائه الخبيث أو بمرض أقل خطورة منه بمثابة ''إجراء عادي'' لدى بعض الأطباء.
قد يقول قائل إنه لايجب لوم هؤلاء، لأنهم يتعاملون مع المرض بصفة يومية، وهو ما قد يجعلهم يفقدون الإحساس أحيانا، لكن ذلك لايعد أبدا مبررا للإعلان بطريقة ''خشنة وفظة'' عن المرض لصاحبه، في وقت يعلم الجميع أن هذا المرض قد يقلب حياته رأسا على عقب، هذا إن لم ينه حياته تماما.
الطبيب أخبرني بمرضي بفظاظة وبدون مقدمات
تعترف سلاف وهي امرأة في الأربعين من العمر أنها عانت من صدمة تشخيص المرض حين أخبرها طبيبها بأنها أصيبت بالسكري، وتتذكر ذلك اليوم الذي تصفه ب''المشؤوم'' فتقول: ''قمت بتحاليل بعد إحساسي ببعض الأعراض المرضية الغريبة، ككثرة التبول ليلا، والإحساس بالعطش في كل حين. وفي الحقيقة لم يخطر ببالي أبدا أن يكون هناك أي شيء خطير في الأفق، لاسيما السكري الذي لم يعاني أي واحد في العائلة منه، الغريب ان الطبيب لما اطلع على التحاليل قال لي بكل فظاظة، إن نسبة السكر في دمك مرتفعة جدا ويجب ان تدخلي المستشفى حالا.. هكذا وبدون أي مقدمات فكان رد فعلي هو الانهيار تماما، حيث لم أتوقف عن البكاء، الحمد لله أن عائلتي كانت بجنبي، وفعلا وبعد سنوات وبعد ان تقبلت مرضي وصرت أتعايش معه حاليا بصفة عادية، أحتار لتصرف هذا المختص الذي لم أكمل العلاج عنده واستبدلته بآخر كان أكثر لطفا معي، مما ساهم في تقبلي للمرض''.
وقد أجمع الكثير من مرضى التهاب الفيروس الكبدي الذين التقيناهم مؤخرا على أهمية ''طريقة الإفصاح عن المرض'' التي من شأنها أن تغير من نظرة المريض إلى مرضه وإلى نفسه كذلك، فقال أغلبهم إنهم تلقوا العون النفسي أكثر من العائلة، لكنهم أشاروا إلى أن أفراد العائلة أيضا قد يصدمون بالمرض، لذا من الضروري الاستعانة بمختصين نفسانيين. وفي هذا السياق يجد الكثيرون ملجأهم لدى الجمعيات المختصة التي توفر لهم تكفلا نفسيا إضافة إلى الإعانات المالية أو المادية التي تقدمها لهم.
مخابر التحليل تتكفل بالتشخيص!
وبالفعل فإن الانضمام إلى الجمعيات المختصة أصبح من الاقتراحات التي يقدمها حتى الأطباء لمرضاهم بغرض مساعدتهم، وهو ما تؤكده بديعة التي عايشت إصابة شقيقتها بسرطان الثدي منذ فترة، فبمجرد سؤالنا عن ''صدمة التشخيص'' أبدت حماسا كبيرا في الحديث عن الموضوع معتبرة أنه هام جدا، والسبب الأساسي هو ما حدث لأختها التي تلقت خبر إصابتها بهذا المرض من طرف العامل بمخبر التحاليل!
تشير متعجبة: ''كيف يعقل أن يخبر عامل في مخبر تحاليل الشخص بمرضه؟ نعلم جميعا أنه من المفروض أن تسلم التحاليل في ظرف مغلق إلى صاحبه الذي لايطلع عليه ولكن يسلمه مباشرة الى طبيبه الذي يقوم بمهمة إطلاع المريض بالنتائج، بل إننا نلاحظ أنه في بعض المخابر يقوم عون الاستقبال الذي يسلم التحاليل للمريض بالكشف عن المستور!''.
وهو فعلا ما عايناه بأنفسنا في بعض المخابر التي يتكفل بها عون الاستقبال بتسليم النتائج في ظرف مفتوح، ويخبر المريض بالتشخيص بطريقة مباشرة، دون أدنى اعتبار لمشاعره.
بل إن بعض عمال المخابر لايتورعون أحيانا عن ''المزاح'' مع المرضى وهو ماحدث للسيدة باية التي أجرت تحليلات عن الدم، وعندما حضرت لاستلام النتائج مازحها أحد العمال بالقول لها ''إنك مصابة بالسيدا''! فانهارت السيدة وسقطت مغشيا عليها وهي تصرخ وتبكي، فلما شاهد هذا الموقف راح يطمئنها ويؤكد أنه كان يمازحها.. وهل يعقل أن يكون هذا مزاحا مقبولا؟ كما أن السؤال المطروح أين هو مبدأ ''سرية التشخيص''؟.
وعودة إلى بديعة التي تتذكر كيف أصيبت أختها بصدمة كبيرة عندما أخبرت بإصابتها بسرطان الثدي، ''لقد وقفت بدون حركة ولم تتفوه بأية كلمة ولم تبكي، عكسنا نحن الذين لم نتمالك أنفسنا وبدأنا بالبكاء''. لكن الجميل حسب محدثتنا أن طبيبتها كانت جد احترافية في عملها، لدرجة أنها دفعتها للبكاء من أجل إخراجها من الصدمة الأولى، وبعدها كانت الاستشارات النفسية لدى المختصين الذين توفرهم جمعيات مرضى السرطان.
لكن تشير بديعة إلى أمر هام وهو أن كثرة عدد المرضى الذي يتنامى بسرعة يجعل مهمة النفسانيين صعبة نظرا لقلة عددهم، وكذا لقلة خبرة المتخرجين الجدد للتكفل بمثل هذه الحالات. بالمقابل ترى أن بعض الأطباء طوروا فعلا من كفاءاتهم في المجال النفسي ويتمكنون بكلمات من تخفيف وطأة الصدمة على المريض.
التكفل النفسي مسألة تخص الجميع
وللعائلة - أكيد - دور هام في التكفل بالمريض نفسيا، وهو ما يؤكده الكثير من المرضى الذين يسردون رواياتهم عن بداية معرفتهم بالمرض ومدى أهمية التفاف العائلة حول المريض، لدرجة ان بعض الأطباء يتركون أمر إخبار المريض بدائه إلى أقاربه الذين يحسنون أكثر من غيرهم إقناعه بتقبل الأمر.
وعن الموضوع سألنا الأخصائية النفسانية ''منيرة قربوس'' التي أكدت ل''المساء'' أن الصدمة تبدأ منذ الشروع في إجراء التحاليل، وتظهر حينها في توتر المريض، وبعد أن يعلن عن التشخيص تبدأ المشاكل في عدة مظاهر أهمها ''السؤال الدائم عن المرض، الأرق، فقدان الشهية، قلة التركيز''.
وأهم الأسئلة التي يطرحها المريض حسب محدثتنا هي ''هل كانت الإصابة بالمرض ناتجة عن عدوى خارجة عن إرادته؟ - لاسيما بالنسبة للأمراض المعدية كالسيدا والتهاب الكبد الفيروسي - وفي هذه الحالة يشعر بأنه ضحية، أما إذا كان يعتقد أن المرض ناتج عن خطأ من طرفه - كالعلاقات الجنسية غير المشروعة - فإنه سيعيش إحساسا بالذنب، أما الحالة الثالثة فهي التي لايعرف فيها مصدر مرضه ويبقى تساؤله مطروحا''.
وفضلا عن الأسئلة المتعلقة بالمرض، فإن المريض يعيش هواجس أخرى لاتقل أهمية، وهي تتعلق برد فعل العائلة والمجتمع عموما. اذ يتساءل ''هل اخبر العائلة والمحيطين؟ هل سيتشفى فيّ الآخرون؟ هل سيكون الطلاق مصيري؟ - بالنسبة للنساء المتزوجات - ماذا سيكون مصير أطفالي؟''.
''هنا تبدأ مهمتنا'' - تقول السيدة منيرة قربوس - ولذا تؤكد على ضرورة استعانة الأطباء بالأخصائيين النفسانيين الذين يقومون بدور ''مرافقة المريض''، وتشير محدثتنا الى الأهمية القصوى لهذه المرافقة بالإشارة الى ان بعض المرضى قد يلجأون الى الانتحار بسبب عدم تقبلهم للمرض.
وعن طريقة المرافقة تجيب ''الكلام مع المريض هام جدا، حيث تعمل على إقناعه بعدم خطورة مرضه وإمكانية العلاج أو التكيف معه، مع اللجوء الى أمثلة، كما أن العلاج العائلي هام جدا، ويتم عن طريق شرح وضعية المريض للعائلة وتوضيح كيفية التعامل معه وكيفية مساعدته بالبيت، إضافة إلى زملائه في العمل، وأهم ما يمكن فعله هو دعم المريض وإعادة الأمل في الحياة لديه''.
وعن اللجوء إلى العلاج عبر ''تقنية المجموعات'' المطبقة كثيرا في البلدان الغربية تقول منيرة ''بالفعل نلجأ أحيانا إلى هذه التقنية التي نجمع فيها الأشخاص الذين يعانون من نفس المرض للحديث عن تجربتهم. لكن يمكنني القول إن هذه الطريقة سلاح ذو حدين، فأحيانا تأتي بثمارها وأحيانا أخرى لا، بل إنها في بعض الحالات تؤدي دورا عكسيا خاصة لدى المرضى الجدد الذين قد يفقدون الأمل تماما وهم يرون حالة من سبقوهم''.
في كل الأحوال تشير محدثتنا الى ان التكفل بصدمة التشخيص هو مهمة جماعية يؤديها الطبيب المعالج والأخصائي النفساني والعائلة وحتى المحيط المباشر للمريض، ويبقى الأهم هو عدم استخدام أسلوب ''الفظاظة'' و''المفاجأة'' في الإعلان عن المرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.