تحاول مسرحية ''الحومة المسكونة''، أن تعيد إلى المشهد الثقافي عندنا اللغة الدارجة الأصيلة لمجتمعنا، المعبرة عن قيمه وخصوصياته الحضارية التي طالما صمدت أمام العواصف.''الحومة المسكونة'' عودة للنص المسرحي القوي، المعتمد على أركان الكتابة الأدبية. عقد طاقم المسرحية أمس بالمسرح الوطني، ندوة صحفية للحديث عن هذا العمل الجديد الذي سيعرض غدا الخميس ابتداء من السابعة مساء. ''الحومة المسكونة'' من انتاج المسرح الجهوي لمعسكر، وتعتبر السابعة في رصيد هذا المسرح منذ تصنيفه كمسرح جهوي قبل عامين. في كلمته الترحيبية، أكد السيد فتح النور المكلف بالاعلام على مستوى المسرح الوطني، أن هذه المبادرة في عرض أعمال المسارح الجهوية تعززت منذ سنتين، وذلك قصد توفير فرصة انتشار هذه الأعمال خارج حدودها المحلية، وقصد تقريبها لأكبر شريحة من الجمهور، إضافة إلى عمليات التواصل والتقارب بين مختلف المسارح. أشار السيد سيد احمد سهلة، كاتب نص المسرحية، أن انطلاقته في كتابة النصوص كانت بالصدفة، حيث كانت انشغالاته عادية بعد تخرجه من الجامعة منذ عقود من الزمن والتحاقه للعمل في الإدارة والصحافة، نقطة البداية عنده كانت عندما أقام في سنوات الارهاب بمنطقة اسمها الزهانة (تقع بين وهران وبلعباس)، وهذه المنطقة عرفت في عهد الاستعمار ب ''سان لوسيان''، حيث أقيمت مدينتها الصغيرة عام ,1848 والعجيب أنها تضم خليطا من سكان الجزائر عربا وبربرا وأهل الصحراء، علما أن هذه المنطقة كان ينفى فيها المقاومون من ثورات المقراني وبوعمامة سيدي الشيخ وغيرها، كما أن المنطقة ولد فيها سيد شهداء المقصلة أحمد زبانا، (والذي كان اسمه الحقيقي زهانة)، في هذه المدينة تجتمع الثقافة الجزائرية الأصيلة وعلى رأسها اللغة والاعتزاز بالانتماء لهذا الوطن، من خلال المحافظة على قيم الأجداد ومن ثم اقتبس المؤلف هذا التراث الجميل مستعينا أيضا بأشعار رواد الملحون كمصطفى بن براهيم، والخالدي وبن سهلة التي بقيت اشعارهم راسخة في الخطاب اليومي. المؤلف تعاطى المسرح والفن (خاصة السينما) منذ بداية السبعينيات، من خلال اللجان الثقافية بالجامعة الجزائرية والتي كانت رائدة وقتها. تعالج المسرحية جانبا من الواقع اليومي للمجتمع بأسلوب ساخر، لكنه راقي تعرض فيه حالة بحوص بعلة (الفنان عبد العزيز عبد المجيب)، وهو موال غني لكنه أمي جاهل، إذ يقرر ذات يوم خوض غمار الانتخابات على الرغم من جهله للسياسة ولأحوال الناس، ومن أجل تحقيق هذا المشروع يستعين بالهايل بوسماحة، وهو طبيب بيطري يعمل عنده كي يتكفل بالدعاية والحملة الانتخابية له، هذا الطبيب غير مقتنع بالمترشح، لكن الحاجة تدفعه لذلك فيتصل بها خلدوني صحفية لاستغلالها في الحملة تتفرع من المسرحية حسب المؤلف مواضيع أخرى ثانوية تعالج قضايا مختلفة يقول المؤلف في رده على سؤال ''المساء''، متعلق بلغة حوار المسرحية ''الجمهور سيصدم بمفردات مبهمة، لكنه أكيد سيفهمها في سياق العرض، علما أنني لم استعمل أية كلمة دخيلة أو هجينة، باعتبار أن لهجتنا الجزائرية الأقرب للفصحى هي الأقرب على طرح المصطلحات الثقيلة، كما أنني حاولت إعطاء بعد جمالي للنص من خلال اعتمادي على تراث الأمير عبد القادر''. يحاول النص للوصول إلى قناعة، وهي أن شعبنا يملك عبقرية وخصوصية قهرت المحتلين عبر العصور، ومعنى ''الحومة المسكونة'' دليل على وجود السكان ودليل أن الجزائر لم تخل من شعبها وأبنائها. من جهته، أشار مخرج العمل محمد فريمهدي، عن سعادته بالعمل في هذه المسرحية، متوقفا عند الظروف التي أدت به إلى قبول إخراجها، علما أنه كان من الرافضين لإخراج مسرحيات لنصوص غير عالمية، إلا أن قوة النص اقنعته كما اقنعت مدير المسرح الجهوي لمعسكر رشيد زرورو، كما أكد أن نص المسرحية صعب إلى حد ما كان يتوجب الوقوف معه لايصاله بالشكل المفهوم للجمهور. على العموم، لم يكن حسب المخرج من الهين التمرد على أفكار المسرحية أو اللعب في مضمونها، لأن النص يحمل بعدا تراثيا معبأ بأفكار عصرية تحاكي الواقع السياسي والاجتماعي، وتطرح قضايا نبعت من قلب الواقع، وهو ما يجعل هذه التجربة الاخراجية موسومة بشعور خاص واحساس مزدوج بالهيبة والاستمتاع. نفس الرؤية أكدها الممثلان محمد المداح وعبد العزيز عبد المجيب، اللذان لم يستطيعا الارتجال في المسرحية، إذ أن لكل كلمة موقعها وهي تجربة لم يمرا بها أبدا، ساعدتهما على اكتشاف المسرح ذي النصوص الجادة.