أصدرت يومية ''اوريزون'' طبعة خاصة عن ''مناضلات الظل''، وذلك احياء لليوم العالمي للمرأة وتوقفت عند الكثير من السيدات اللواتي حملن السلاح في وجه المستعمر وقدمت شهاداتهن الخاصة بهذا الكفاح، في حين قدمت مآثر أخريات ممن استشهدن في ساحة الشرف وهن لا يزلن في عمر الزهور. في قلب رحى الثورة، تألقت فتيات في سن الزهور، عويشة، العارم، ربيعة، غنوجة، كلها أسماء ثورية انخرطن بها في صفوف الثورة وكلهن نزعن ثياب المراهقة والأنوثة، ووضعن احلامهن الوردية جانبا، ليتسلحن بفكرة واحدة مشتركة هي جعل الجزائر تعيش الحرية والاستقلال، كن يرددن كلمات محددة كالثورة، الجبل، السلاح، الاستعلامات، فلم يكن لغير هذه العبارات معنى في جزائر الاستعمار. نساء استطعن في وقت وجيز وبفضل تضحيتهن وشجاعتهن أن يكسرن ''طابوهات'' المجتمع نحو المرأة ليتحقق العدل والمساواة أمام خط النار. حضور المرأة كان ملفتا في تنظيم ''المالغ''، (وزارة التسليح والاتصالات العامة) مما استوجب تسجيل تضحياتها بحروف من ذهب في سجل التاريخ الوطني، وهكذا فإن العدد توقف عند هذا الجانب الذي لايزال مجهولا لدى أجيال اليوم. أغلب تلك الفتيات تخلين عن دراستهن في المدارس والثانويات، كما تخلين عن أسرهن ليلتحقن بالجبل عبر مختلف الولايات وكلفن بهمام حساسة وسرية، وأحيانا خاصة فيما يتعلق بجمع المعلومات وتنفيذ عمليات خاصة داخل المدن. للإشارة، كانت النساء يمثلن نسبة 16 بالمائة ممن التحقوا بجيش التحرير الوطني آنذاك. وقدم العدد رحلة نضال 8 نساء منهن المجاهدة مليكة حجاج، التي تفتخر بأنها تكونت وتخرجت من مدرسة الراحل عبد الحفيظ بوالصوف، مليكة التي التحقت بالثورة في جانفي 1957 وهي لا تزال طالبة ثانوية، حيث قررت هذه التلمسانية المقيمة بوجدة التخلي عن كل أحلامها الأنثوية لتلتحق بالثورة، فعملت تحت اسم مسعودة الذي حملته إلى أن اشرقت شمس الاستقلال. مليكة لم تعان الفقر كيغرها وعاشت رغد الحياة لكن ما عاشه اخوتها الجزائريون في الداخل ألمها ورائحة تراب الجزائر لم تنقطع عن أنفها، انضمت الى الثورة بقوة من خلال مكتب ''المالغ'' بوجدة وكانت نائبة مدير المكتب وتحضر كل الاجتماعات. العمل السياسي لم يرقها كثيرا، حلمها الأول كان رفع السلاح، فراسلت رفقة بعض زميلاتها قيادة الثورة ليلتحقن بالجيش وخضعت مليكة لاختبارات عديدة. تروى مليكة عملها الاستخباراتي والعسكري مفصلا مرفوقا بالصور الفوتوغرافية، منها صورة وهي ترسل معلومات مشفرة على آلة بث، وصور أخرى وهي باللباس العسكري وصورة متخفية فيها بلباسها البدوي، وصورة أخرى لها مع مجموعة من المناضلين منهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وتتوالى شهادات المجاهدات، منهن رشيدة ميري التي حملت اسمها الثوري ''العارم'' والتي تعاملت مع الرئيس الراحل بومدين. التحقت بالثورة في سن ال 17 سنة، لترتدي اللباس العسكري وتباشر العمل المسلح، وجدت نفسها ذات يوم وجها لوجه مع بوالصوف الذي كان قائدها ومثلها الأعلى، وهكذا باشرت تكوينها بالاستخبارات انطلاقا من وجدة بمقر ''المالغ'' وتحت قيادة بوالصوف. تقول أن الفرح والخوف كان عندها سيان، فظروف الحرب قاسية تتطلب احساسا خاصا وتسلحا بالخبرة والشجاعة والتدريب المستمر على السلاح، وهكذا تكون ''العارم'' حاضرة عند كل أمر أو مهمة لا تفكر إلا في اتمامها، متأكدة في كل مرة أنها ذاهبة إلى الموت بقدميها. وبالمقابل، فإن الظروف الطارئة لأية عملية تجعل الجندي أو الفدائي قادرا على تدبر أمره كي لا يقع بين أيدي العدو وتفشل مهمته. يمينة شلالي التي احترفت النضال في الاستخبارات، ترى في هذه الاخيرة سلاحا استراتيجيا، وكانت تؤكد في شهادتها أن بو الصوف كان ''المعلم'' والذي جعل من بنات جيلها جنديات في أرقى مستويات التكوين العسكري. العدد خصص مجالا للشهيدات، منهن فضيلة عطية التي برعت في العمل الاستخباراتي وفي عمليات وضع القنابل. وتضمن العدد أيضا ملفا خاصا عن ''المالغ'' الرائدة في مجال التسليح والاستخبارات، وكذا شهادات عن هذا الجانب كالتي قدمها محمد دباح. للتذكير، فإن الزميلة ''أورزون'' خصصت مناسبة 8 مارس في السنة الماضية للمجاهدات والشهيدات الفنانات، وتعتبر هذه الأعداد وثائق مهمة لكشف تاريخ الثورة المجيدة.