وجدت القضية الفلسطينية في انتفاضة الشباب الفلسطيني المطالب بإنهاء الانقسام متنفسا لها بعد أكثر من أربع سنوات من الجمود كادت تضيع خلالها هذه القضية بين مصالح ضيقة لحسابات أطراف داخلية وخارجية. ولاقت رسالة الشباب الفلسطيني الذي خرج في مظاهرات موحدة في كل من قطاع غزة والضفة الغربية للمطالبة بوضع حد لحالة الانقسام آذانا صاغية لدى القادة الفلسطينيين الذين سارعوا إلى التجاوب إيجابا مع هذه الحركة الاحتجاجية. فقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس استعداده لزيارة قطاع غزة ولقاء قادة حركة حماس من أجل التوصل إلى اتفاق لرأب حالة الصدع التي أنهكت كاهل البيت الفلسطيني منذ أكثر من أربع سنوات. وجاء إعلان الرئيس عباس في رد سريع على الدعوة التي كان تقدم بها إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في قطاع غزة بعقد اجتماع بين حماس والسلطة الفلسطينية في أي مكان تريده هذه الأخيرة لإنهاء الانقسام الداخلي.وقال عباس أمس، ''إنني مستعد للذهاب غدا إلى قطاع غزة من أجل إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة تضم شخصيات وطنية مستقلة تتولى مهمة التحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني خلال الستة أشهر القادمة أو في أسرع وقت ممكن''.وأعرب عباس عن استعداده أيضا لتأجيل تشكيل الحكومة في حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن المصالحة الوطنية وقال ''إنني أدعو أخي إسماعيل هنية لاتخاذ الإجراءات الضرورية لتنظيم هذه الزيارة''.ورحبت حركة حماس بإعلان الرئيس عباس زيارة قطاع غزة وقال سامي أبو زهري المتحدث باسمها ''إن حركة حماس ترحب بهذه الزيارة وندعو الحكومة المقالة برئاسة إسماعيل هنية في غزة إلى متابعة الترتيبات اللازمة لوصول الرئيس عباس إلى مدينة غزة''. وتأتي هذه المبادرات سواء تلك التي تقدم بها الرئيس الفلسطيني أو تلك التي كان أعلنها إسماعيل هنية بعدما خرج الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية في مظاهرات حملت شعارات موحدة تطالب بالوحدة وبجعل القضية الفلسطينية فوق كل الاعتبارات. وهو ما يطرح التساؤل إن كان الشارع الفلسطيني قد استطاع فرض منطقه على الطبقة السياسية الفلسطينية التي بقيت حبيسة مصالحها الخاصة على حساب القضية الرئيسية طيلة أربع سنوات كاملة؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد محاولة يسعى من خلالها كل طرف إلى الظهور بمظهر الباحث عن المصالحة مع الطرف الثاني. ويجد مثل هذا التساؤل مصداقيته خاصة وأن عديد المبادرات طرحت سابقا داخليا وعربيا لرأب حالة الصدع الفلسطيني غير أنها انتهت كلها إلى الفشل بسبب تضارب المواقف واختلاف وجهات النظر في عديد القضايا الجوهرية بين أهم فصيلين على الساحة الفلسطينية حماس وفتح. والمؤكد أن الفرقاء الفلسطينيين إذا أرادوا فعلا إنجاح هذه المبادرات تلبية لرغبة شعب يعاني الأمرين احتلال من جهة وانقسام من جهة بل ومن أجل إنصاف قضية تكاد تضيع، فيتوجب عليهم تقديم تنازلات دون وضع أية حسابات مصلحية. وقد يكون تأكيد الرئيس عباس مجددا عدم نيته الترشح لعهدة رئاسية جديدة خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل تقليص هوة الخلاف وفتح المجال أمام استعادة وحدة الصف الفلسطيني والتوجه نحو مواجهة المحتل الإسرائيلي.هذا الأخير الذي وجد في حالة الصدع التي يعاني منها البيت الفلسطيني ذريعة للتنصل من كل التزاماته الدولية إزاء الشعب الفلسطيني وقضيته وأكثر من ذلك فقد استغل هذا الانقسام لينفذ مخططاته التهويدية والاستيطانية في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة.