تقرأ الدكتوره ياحي نعيمة غدا بالمركز الثقافي الفرنسي بالعاصمة صفحات من تاريخ ''أغنية المنفى'' والتي تعكس تراثا ثقافيا وسياسيا واجتماعيا ثقيلا يحكي غربة ملايين المهاجرين المغاربيين - على رأسهم الجزائريون- الذين سجلت معاناتهم وتضحياتهم في أجمل الكلمات والألحان التي جالت أصقاع العالم. ارتبطت أغنية المنفى بالتراث الفني المغاربي وذلك منذ عشرات السنين أي منذ اِلتحاق اليد العاملة المغاربية بأراضي الوطن الفرنسي مع بداية القرن ال .20 تناقش المحاضرة ظهور هذه الاغنية بفرنسا ومراحل شهرتها والعوامل المساعدة في تطورها وخصوصيتها الثقافية والاجتماعية والفنية. أغنية المنفى لم تعد تجربة فردية، حيث تمثل شريحة مهمة من المجتمع الفرنسي خاصة بعد الجيل الثالث من المهاجرين الذين استطون آباؤهم هذه الارض ومعهم عائلاتهم التي التحقت بهم من الوطن الأم. تتميز أغنية الغربة بتنوعها وحيويتها كما أنها تعكس آلاما ومكبوتات صادقة وتتغنى بالأحلام والآمال التي هي آمال ملايين المغتربين الذين شهد تاريخهم بفرنسا واقعا اجتماعيا صعبا وفترات أخرى ميزتها الانتصارات السياسية والرياضية. اغنية المنفى التي تؤدى بالعربية الدارجة وبالامازيغية والفرنسية تحمل قيمة فنية وانسانية راقية الاحساس والابداع. للإشارة تبقى الاغنية الجزائرية المتصدرة والتي ابدعها عمالقة كانوا جزءا من شريحة العمال المهاجرين بفرنسا كدحمان الحراشي وسليمان عازم واللذين أصبح فنهما من أكثر الأعمال الغنائية رواجا في فرنسا وأوربا بعدما أعاد احياءه ابناء الجيل الثالث والرابع من المهاجرين كرشيد طه وفوضيل وغيرهما. تستعرض المحاضرة أيضا نماذج من بعض التسجيلات التي بلغ عددها 3 آلاف تسجيل (قبل وبعد استقلال الجزائر) مع التركيز على 38 أغنية أغلبها من الجزائر تحكي حنينا أبديا لأرض الاجداد وتقف عند مآس اجتماعية لا تنتهي كالبطالة والتمييز العنصري والفقر، اضافة الى وصف خصوصيات حياة الجزائريينبفرنسا خاصة بالمقاهي والاحياء الشعبية. من الروائع التي سجلت هناك أغنية ''البطالة'' التي أدّاها الراحل رشيد القسنطيني سنة 1937 ''وباريس في جيبي '' التي أدتها السيدة نورة عام 1966 بالفرنسية منتقدة فيها المجتمع الاستهلاكي، من الفنانين الآخرين الذين تذكرهم ديار الغربة زروقي علاوة ومحمد العماري، محمد مازوني، والبارة اعمر والشيخ زعيمي وحسيبة رشدي وسلوى وغيرهم كثير كثير. للتذكير فإن نعيمة ياحي متحصلة على دكتوراه في التاريخ الثقافي وقدمت ابحاثا عن تراث الفنانين الجزائريين في فرنسا بين سنوات 1962 و1987 كما أن لها عدة إصدارات منها ''أجيال، قرن، من التاريخ الثقافي للمغاربيين بفرنسا''.