تحضير جهاز العرس تقليد متوارث في المجتمع الجزائري، حيث كانت العديد من الأمهات يدخلن في سباق مع الزمن لجمع أكبر قدر ممكن من الأغطية والأفرشة والملابس وحتى الأواني المنزلية لتكون بداية الحياة الزوجية لبناتهن ميسرة، لكن الجو الاجتماعي السائد حاليا يوحي بعدم التزام العديد من الأسر بمجاراة هذا التقليد، مما يدعو للاستفسار عن الأسباب. وبما أن التقاليد الجزائرية تتطلب حصول الفتاة على جهاز عرس متنوع المحتويات، فإن الاستعدادات تبدأ في وقت مبكر.. والبداية تكون بادخار المال لشراء الملابس والأحذية والزرابي وإيداع طلبيات لدى النساء الحرفيات لطرز مفارش الموائد وأغطية السرير وأغراض منزلية أخرى، وثوب الحمام عندما تكون عروس المستقبل فتاة صغيرة. ومن أسباب إصرار العائلات الجزائرية على التحضير لزفاف الفتاة قبل سنوات، التقاليد التي تفرض عرض كافة مقتنيات العروس أمام أهل زوجها الذين يتفحصونها بدقة متناهية، لذا يحرص أهل الفتاة على أن يكون في المستوى المطلوب من حيث الكم والنوع حتى لا يتشكل انطباع سيئ عنهم. تقول ''ريم'' وهي فتاة عشرينية موظفة، ''أعيش في وسط عائلي متشبث بهذا التقليد، حيث أن كل قريباتي يشرعن في تحضير جهاز بناتهن بمجرد أن يبلغن سن ال,17 والذي يحتوي غالبا على أغطية وأفرشة تقليدية، ولباس ''التصديرة'' (عرض أزياء العروس)، والمجوهرات الذهبية والمناديل المطرزة''. وتستطرد: ''غلاء المعيشة لم يختزل هذه العادة المتوارثة في محيطها الاجتماعي، إذ نعتمد على الادخار للتمسك بها، لاسيما وأن تقاليد الأعراس تتطلب أن نعرض محتوياته أمام أهل العريس، لهذا نحرص على أن يكون في المستوى المطلوب تفاديا للتعاليق''، وتردف أن الجهاز المناسب في نظرها يجب أن يتضمن حتما الأثواب والمفارش التقليدية، مضيفة أنها لا تعترض على الأشياء العصرية، وبما أنها موظفة تحرص أحيانا على شراء بعض المستلزمات، لكنها ترتبط كثيرا بتقاليدنا التي تمنح للجهاز قيمته. وتوضح أيضا: ''أجد أنها عادة إيجابية، وهذا ما ترآى لي بعدما جاء نصيب الزواج فجأة إلى شقيقتي الصغرى التي حضرت جهاز عرسها مسبقا لحسن الحظ.. وأنا الآن أسير على دربها، هكذا يمكنني التفرغ لمتطلبات الزفاف الأخرى عندما يحين موعد زفافي''. مثيلات ''ريم'' بحسب ما أظهره الاستطلاع لسن كثيرات، حيث أن السواد الأعظم ممن استطلعت ''المساء'' آراءهن لسن متحمسات كثيرا لفكرة تحضير جهاز العرس مسبقا، فضلا عن كونهن يفضلن اقتناء محتوياته بأنفسهن. الفئة الأولى منهن ترفض ذهنية تخزين مستلزمات جهاز العرس مع استثناء الأغطية والأفرشة كونها قابلة للاستعمال مهما طال الزمن.. ومن ضمن اللواتي يعتنقن هذه الفكرة الآنسة ''نعيمة''، تقول: ''شقيقاتي كلهن حريصات على تحضير جهاز العرس تحسبا لليوم الذي يزفن فيه إلى بيت الزوجية، وهن في ذلك مدفوعات بالخوف من أن يحول الغلاء المتصاعد دون تمكنهن من شراء متطلبات الزفاف.. إلا أنني على خلافهن أرفض مجاراة هذه العادة، لأن العديد من الألبسة تصبح غير مواكبة لخطوط الموضة مع مرور الزمن، لكن أصارحكم بأن والدتي خبأت لي بعض الأغطية''. وتذكر ل''المساء'': ''محتويات الجهاز تتطلب عناية خاصة من خلال تعريضها للشمس بين فترة وأخرى حتى لا يتغير لونها، ثم إن الكم الهائل من المستلزمات المدخرة على مدار سنوات كثيرا ما يجلب الحسد لصاحبته، إضافة إلى مشكل الضيق الذي تخلّفه في البيت''. أما الفئة الثانية من المشاركات في الموضوع فترفض ادخار كل ما يتعلق بجهاز العرس دون استثناء أي شيء. ''فضيلة'' و''صليحة'' طالبتان جامعيتان تدرسان علم النفس، لم تحضر والدتاهما جهاز العرس، فيما لا ترى كلتاهما جدوى من تحضيره مسبقا.. وعن السبب تجيبان: ''بنات اليوم في معظمهن متعلمات ويطمحن للالتحاق بسوق العمل بعد التخرج من الجامعات، وهو ما يشكل بالنسبة لهن أملا في الحصول على مورد مالي يغطي احتياجات موعد الزواج''. ''جازية''، موظفة شابة، تقول ل''المساء'' كل محتويات الجهاز ذات طابع تقليدي لا تستهويني فكرة استخدامها، الكل ينصحني بها، لكني على يقين أنني لن أستعملها أبدا، أفضل المفارش والأثواب العصرية، غير أني لم أخبئ ولو قطعة واحدة منها لحد الساعة، برأيي الزواج قضاء قد يأتي وقد لا يأتي.س الشابة ''سهام'' التي كانت بصدد القيام بجولات شرائية بساحة الشهداء تكشف في هذا الصدد: ''باشرت عملية تحضير مستلزمات جهاز العروس مباشرة بعد أن تمت خطبتي.. أما من قبل فلم أكن أفكر في ذلك إطلاقا، حيث كنت أرتدي وأستعمل كل ما أقتنيه كوني لا أستطيع مقاومة إغراءات المشتريات''. في حين ترى الآنسة ''ليلى'' التي كانت برفقتها أن تحضير جهاز العرس خطوة سابقة لأوانها في غياب زوج المستقبل. على مقربة من سوق ''زوج عيون'' التقت ''المساء'' بالشابتين ''وفاء'' و''نسيمة'' (موظفتان)، حيث جاء على لسانهما أنه لا يروق لهما إطلاقا اتباع هذه العادة التي تزيد من ضيق المسكن وتسبق قدر الزواج الذي قد لا يأتي كما قد يسبقه موعد الموت. صاحب متجر للأزياء التقليدية في ساحة الشهداء يشير إلى أن شراء الأزياء التقليدية للفتيات قبل بلوغ سن الزواج كما كان الحال عليه في عشريات خلت لم يعد ظاهرة سائدة، ففي الماضي مثلا كان هناك نموذجان فقط من لباس ''الكراكو'' التقليدي، الذي يعد أساسيا في ''التصديرة''، حيث كان بالإمكان تخزينه لعدة سنوات، أما الآن فلم يعد ذلك ممكنا نظرا للتغييرات والتعديلات التي تطرأ عليه بسرعة قياسية، إذ تندثر موضة التصاميم المبتكرة في فترة وجيزة لتحل محلها أخرى، ولهذا السبب فإن إقبال الزبونات على الأزياء التقليدية يكون عادة في الأشهر القليلة التي تسبق موعد الزفاف.