بدأت الاعراس في الجزائر تخرج عن طابعها المألوف والمحافظ على الأعراف والتقاليد الضاربة في أعماق التاريخ باعتبارها مواعيد سارة يتلاقى فيها الأحباب والأصدقاء والأهل والأحبة لإعلان ميلاد أسرة جديدة وارتباط بين عائلتين على سنة الله ورسوله في أجواء مملوءة بالفرح والسرور ومفعمة بالبراءة والرومانسية والغبطة تستمد جدورها من الحياة البسيطة البعيدة عن التكلف و التصنع والارهاق المادي والنفسي الدي أصبح يميز أعراس هذا الزمان فالسواد الأعظم انساق وراء مظاهر الموضة والتركيز على المظاهر المادية التي عصفت بجوهر الأعراس ومعانيها الحقيقية المتمثلة في التضامن وتمتين العلاقات بين العوائل والأسر. ونظرة متفحصة للطقوس التي تمبيز أعراس اليوم تبين أن لا شبه بين مراسيم هده الأعراس ومراسيم أعراس الأمس سواء أكان ذلك في الريف أو في المدينة. بلقاسمي ف/الزهراء " صاحب العرس... الفارس ... والسيارة.. من تقاليد الأعراس أن صاحب العرس – وخاصة في الأرياف- وعادة ما يكون أبو العريس أو أخوه الأكبر هو الذي يضطلع بدور دعوة الاقارب والاصدقاء والأحباب لحضور الحفل وتكون الدعوة بالاتصال المباشر بالمعنيين لحثهم على ضرورة حضور المناسبة ومشاركة الأهل الفرحة الكبرى وفي حالة ما يوجد هناك خلاف أو عداوة قديمة مع أحد المدعوين أو عائلته فان صاحب العرس يبدل قصارى جهده لإذابة الجليد والقفز على سنوات الجفاء لاقناع المترددين بالحضور حتى تكتمل الفرحة وتزول كل الاحقاد والضغائن وتمتد هده الفترةغالبا نحو ثلاث اسابيع وادا لم يستطع الوصول الى كل المدعوين يغتنم فرصة السوق الاسبوعي ويكلف رجلا يعرف ب "البراح" أي الذي ينادي في الناس لدعوة الموجودين في السوق وابلاغهم وغالبا ما يكون يعرفهم او يعرفونه بينما يتولى احد الفرسان الشباب الاقوياء من اصحاب العرس دعوة القاطنين بعيدا حيث يمضي ما يقارب الاسبوع على صهوة جواده يتنقل من منطقة الى اخرى يحمل بشرى العرس الى كل مكان . ونظرا للتطور الدي حصل في مجال الاتصال من جهة والشرخ الكبير الدي حدث في المجتمع فان الدعوة لحضور الحفل اتخدت اشكالا اخرى اكثر سرعة وتتميز بالبرود في العلاقات الاجتماعية وتباعد الهوة بين الأفراد الأسرة الواحدة من سنة لأخرى وأصبح أهل العرس يوجهون الدعوات عن طريق البطاقات البريدية أو عن طريق الهاتف الثابت منه والنقال ( الجوال) وقد يصل الأمر بالبعض إلى توجيه الدعوة الى أخيه عن طريق الهاتف بدون أن يكلف نفسه عناء التنقل الى مسكنه الواقع في نفس الحي متحججا بانعدام الوقت وكثرة الاشغال وكثيرا ما شكلت عمليةالاتصال غير المباشر متاعب لأهل العرس فهناك من الأقارب من يرفض الدعوة ويعتبرها اهانة وانقاص من مكانته وهمته فتعلن المقاطعة بنفس الطريقة وعن بُعد، ومع ذلك يقام الحفل ولو لم يحضر نصف المدعوين. في غياب الحرائر والأنامل الذهبية...الرجال يطعمون النساء بعد أن كانت الحرائر من النسوة يحضرن مختلف الأكلات التقليدية الطيبة من "كسكسي قبايلي" و"شخشوخة بسكرية" و"متوَم عاصمي"، وسط جو عائلي مليء بالضحكات والدعوات الطيبة، و وسط فتيات يطمحن بالتعلم ليصرن ربات بيوت من الدرجة الأولى، فقد كانت العادة أن تحضر الفتيات الخضروات قبل ليلة العرس " ليلة العشاء " تحت إشراف وتدبير الكبيرات والمسنات الأكثر خبرة، وفي الصباح الباكر تقوم النسوة بالبدء في تحضير أكلات العرس، ولكن ما طرأ ويحدث دائما هو أن التحضيرات الجديدة من حلويات متنوعة وماكياج جديد وتسريحات مميزة جعلت من هؤلاء النسوة ينشغلن عن إعداد الأطباق وترتيبات الأعراس ليعطى الدور الذي عرف منذ القدم ب "المحض للنسوة فقط " إلى الرجال الذين نافسوا النسوة في أعمال البيت وحتى في ترتيبات الأعراس، فهناك صالات تشترط أن يكون معدوا العشاء والغذاء من الرجال، هذا ما يصرحه لنا الشاب" كُسَيلة 34 سنة" نادل بأحد أرقى الصالات بالبليدة : " أنا أعمل هنا منذ خمس سنوات والجو أشبه في بعض الأحيان بال " الكباريه " منه بالعرس ، فالعائلات الغنية هي الزبون الأول والوحيد لهذه الصالة، و أعمل كنادل للجناح الرجالي ولكن فقط عندما "نعشيوا ولا نغذيوا " والرجال هم الذين يطبخون هنا ؟؟ " حدثنا عن عجائب و غرائب يندى لها الجبين، واسترجع شريط الذكريات و حكى عن الأعراس التي كانت تقام في الماضي حيث كان الرجال رجالا وأسيادا والأعراس كلها عفة وحشمة تمتزج فيها فحولة الرجال بتنافس الحرائر من النساء ذوات الأنامل الذهبية لإخراج الطعام اللذيذ الذي يليق ويشرف صاحب العرس بدون تهاون ولا تقصير أو خطأ قد يكلف غاليا وأردت جره إلى استطراد في مواضيع أخرى لها علاقة بالأعراس وما يدار فيها وخاصة الدوافع التي تجعل الرجل ينافس المرأة في عمل من اختصاص حواء منذ وجدت على هذه الأرض غادرنا الرجل لتنظيف الأواني وما تجود به يد صاحب العرس وانصرف وكله حسرة وألم على المهازل التي أصبحت تحدث في أعراسنا. من الساحات الرحبة والهواء الطلق... الى صخب الصالات المغلقة : واحياء حفلات الاعراس لم يعد في الهواء الطلق أمام منزل أهل العرس بل تحول بشكل مبالغ فيه حيث يطلق العنان"للديسك جوكي" والفرق الموسيقية الشبانية التي تقدم أغاني حسب الطلب منها ما يخدش الحياء ومنها ما يثير السخرية والشفقة على الكتل البشرية المتمايلة بدون معنى المهم أن يرقص الجميع بحرية وبدون عقدة حتى طلوع الشمس فالقصبة والترحاب والمالوف...و كلها طبوع لم يعد لها مكان وسط الكثير من الأسر التي على ما يبدو تمردت على كل ما هو أصيل وتراث وتقاليد. وأمام تصاعد موجة التقليد التافه والماجن وتجاوز الأخلاق والحشمة لجأت الكثير من الأسر إلى القيام بحفلات متواضعة بسيطة لا تتعدى بضع ساعات من الوقت محاولة منها للحفاظ على السمعة وتفاديا للتكاليف المادية المرهقة التي تسببت في ارهاق أسر بكاملها وحدوث تصدعات وانشقاقات بداخلها. الاختصار في عرس أيام زمان... سيمة أعراسنا اليوم اختلفت مدة الاحتفال وطريقته واختلفت أنماط الحياة فلباس العروسين لحق بركب الموضة المعاصرة، وانعدمت الزفة التقليدية بسبب ظهور وسائل النقل وتم استبدال المطربين المحليين بآخرين أكثر شدة، فلكل زمان نمط حياة معين قد لا يتوافق مع زمان آخر. فأمام عجلة الزمان المتسارعة حالياً لم يعد بمقدور الجميع التفرغ سبعة أيام من أجل المشاركة في العرس بعد أن التزم الكثيرون بمهن ووظائف فاختصرت أيام العرس من سبعة أيام إلى ثلاثة وأصبحت مراسم العرس تجري من الصالات الحديثة التي عمت قرانا ومدننا بالإضافة إلى أن وقت السهرة أصبح ساعة أو اثنتين لئلا تقلق راحة الآخرين، فاختفت تلك العادات الطيبة تدريجياً والمستمدة من تقاليدنا الأصلية لتصبح الآن عادة غير محمودة تحدث الإزعاج بسبب الأبواق المنطلقة من السيارات كما أنها تعوق الحركة وتسبب الحوادث. وفيما يتعلق بعادات العرس قديماً كان يتم تجهيز العريس بشكل كامل مرتدياً الجلابية الفضفاضة مع العقال والعباية، ويمتطي ظهر الفرس ويذهب مع أهالي القرية في موكب مهيب إلى منطقة ما تكون معروفة في البلدة. حيث تكتمل هناك الأفراح التي تتضمن الرقصات والدبكات والأغاني الشعبية والزغاريد المنبعثة من النساء، وبعدها يتحضر مجموعة من الفرسان لخوض غمار السباق على الخيول العربية الأصيلة لمسافة تمتد 1كم ذهاباًَ وإياباً. وبعد الرجوع إلى صاحب الفرح يستعد الرجال والنساء لأخذ العروس من بيتها باستثناء العريس الذي يظل في البيت واقفاً على حنت من الحجارة فوق بوابة البيت وعندما تأتي العروس المزينة بالطرحة المحاطة بالعرجة والتراكي الذهب والأخيرة عبارة عن قطعتين مشلَشلَة بأنصاف الليرات الذهبية على كامل إطار التراكي حيث يوضع نصفها داخل الطرحة والنصف الآخر يغطي جزءاً من خد العروس موصلاً بسنسال من الفضة يشبك في أعلى الرأس وتكون هي أيضاً ممتطية فرساً آخر ثم يقوم العريس المنتظر برشق نوع من السكاكر وقبل الدخول تضع العروس الحناء على بوابة البيت لتكتمل الأفراح لسبعة أيام متوالية. كما جرت في بعض المناطق زفة العريس على الفرس، وقد استبدل به الآن السيارات الفارهة التي تسابق الريح وقد تأتي بالأجل !، ناهيك عن حلويات الأعراس التي كانت تحظرها الحرائر من نسائنا والآن أصبحت الطلبية جاهزة من محلات الحلويات حتى أننا لا نراها حتى حلول ليلة العرس ليبقى فقط على الفتيات تعليبها، والحديث يشدنا إلى أغاني زمان، أين كانت الطبلة وحناجر النسوة الممزوجة بالطلقات النارية للبارود تصنع مشهد الفرح وجو العرس والآن استبدل ذلك كله واستحوذ ال " د.جي" على القعدة البريئة. الاختصار كان في كل شيء ذا فائدة إلا في حالة واحدة " التصديرة"، ففي أعراس أيام زمان الجميلة، المرأة تلبس اللباس التقليدي الذي يعود على المنطقة التي تعيش فيها والآن "التصديرة " أضحت عرضا للأزياء، حيث تأتي العروس إلى الصالة برفقة والدتها وأخواتها دون العريس، وتبدأ بعرض مجموعة فساتينها أو ما يدعى بالجهاز، مرتدية فستانًا تلو الآخر، تعرضه لأهل العريس ولصديقاتها وأقربائها، ويتبادر إلى الحاضر أنه في عرض للأزياء، تُظهر فيه العروس مفاتنها وذوقها في اختيار ملابسها، وإلى حد ما سخاءها. العروس قد تلبس في يوم عرسها ما يزيد عن عشرة ملابس بين تقليدي من مختلف مناطق البلاد وبين عصري بعيد عن عاداتنا، و الأدهى والأمر هي الفاتورة التي لو كان صاحب العرس يملك كنز علي بابا لنفذ .!! قيل: "الزواج ليلة تدبيرتو كاش عام" يحار كثير من الجزائريين في مسألة تدبر تكاليف زواجاتهم التي تلامس في بعض الأحيان ال 60 مليون دج، وينشغلون أيما انشغال في غلاء المهور يبقى الشاب أسير دوامة الديون إذا ما قرر دخول امتحان الزواج، إذ يرغب الغالبية في تحقيق عرس مثالي على رغم إمكانياتهم المادية المحدودة، وقد ارجع البعض غلاء المهور إلى النظرة القبلية والعادات الاجتماعية لبعض المناطق من البلاد الذي عادة ما يفوق العشرين مليون دينار مضيفا التكاليف الجانبية التي يتكبدها الشاب أثناء فترة الخطوبة بما يسمى بال " هبة". وآخرون يعزونها إلى ارتفاع أسعار الذهب التي تستوجب غلاء المهور، ويرون أن ذلك سبب رئيس لعزوف الشباب عن الزواج وازدياد حالات العنوسة، وتفشي العلاقات غير شرعية بين الشباب وقضايا الابتزاز. زواج ملغم بالديون يعتبر محمد ايت قاسي، أن الزواج بات مصدراً أساسياً لتكبد كثير من الشباب وذويهم للديون، أما بالنسبة للشاب المقبل على الزواج عبد الرحمن عمران، الذي كان في محل الذهب، فيقول: "تكاليف الزواج باهظة جداً، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الذهب إلى 250 للغرام، ما يعني أنني سأدفع مبلغ 70 ألف دينار فقط للذهب، والمهر المتفق عليه نحو 50 ألفاً دينار، إضافة إلى تكاليف الوليمة وصالة الفرح والأقمشة والعطور وغيرها"، مشيراً إلى أنها تصل إلى 200 ألف دينار وأكثر. ويضيف: "نحن نعاني من العادات الاجتماعية التي أصبحت مفروضة علينا على رغم معرفة الجميع بأنها خاطئة، فحتى أسرتي ترى ألا يقل زواج ابنها عن بقية الأفراح في المدينة أو القرية مهما وصلت التكاليف، لافتاً إلى أن ذلك نتيجة الجهل ومجاراة العادات الاجتماعية الخاطئة. ويوجّه رشيد التهم في ذلك إلى النساء، إذ أن كثيراً من الأموال تهدر على الجنس الناعم وحاجاتهن غير الأساسية، وينتشر هذا في المدن الكبرى خصوصاً في العاصمة، وهران، تلمسان و قسنطينة، مشيراً إلى أن الحياة المدنية تتحكم في أمور الزواج والغلاء الفاحش. غلاء المهور بعيون النساء ذكرت إحدى المعلمات (فضلت عدم ذكر اسمها) أن غلاء المهور يقف عائقاً أمام الشباب للإقدام على الزواج، خصوصاً في هذه الفترة التي يزيد فيها غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الذهب، وعدم وجود وظائف للشباب تتناسب مع مبالغ المهور الكبيرة: "أنا أدخل الآن عامي السابع والعشرين، ولا أعتقد أن المال سيكون حائلاً بيني وبين الزواج، لأن والدي متفهمان لمشكلات غلاء المهور. وتحدثت طالبة في كلية التربية عن مشكلتها مع المهور، مشيرة إلى أنها تنتظر فارس أحلامها منذ ثلاث سنوات لأن دخله محدود. وبالنسبة لويزة، تفضل عدم المغالاة في المهور مع إعطاء العروس حقها في أن تكون ليلتها مميزة، مشيرة إلى أن كل شيء تغير عن السابق. هل الحل في "الزواج الجماعي"؟ بعد الارتفاع الكبير في المهور، وارتفاع تكاليف الزواج بشكل كبير، وجد العديد من الشبان والفتيات في الجزائر، في حفلات الزواج الجماعي، التي تنظمها الجمعيات الخيرية، حلاً مناسباً يجعلهم يبدءون حياتهم دون ديون تثقل كاهلهم، وبالمقابل يرى فيها البعض الآخر أنها لا تتناسب مع طموحاتهم، بل ذهب آخرون إلى الخجل من الاشتراك فيها. بداية بلا ديون في البداية يقول وليد: شاركت منذ عام في زواج جماعي، نظمته الجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج "إحسان"، لأن ليس فيه أي تكلفة، خاصة أن الشاب المقبل على الزواج يواجه أولاً مشكلة المهر، ثم تأثيث المنزل، وتكاليف حفل الزواج، وهذه الأشياء تكلفتها باهظة جداً، ومن لم يكن مقتدراً أو يمتلك راتباً كبيراً لا يمكنه الزواج، لذا سهلت الجمعية هذا الأمر، بحيث يبدأ الشاب المقبل على الزواج حياته بطريقة صحيحة بعيدة تماماً عن الديون. كريمة هي الأخرى يقول: غلاء المهور وتكاليف حفل الزفاف الخيالية دفعتني إلى الزواج الجماعي، وبالتأكيد الإيجابيات التي تقدمها الجمعيات الخيرية كثيرة، حيث تتحمل الكثير من التكاليف وتخفف على العريس والعروس الكثير من الضغوطات المادية، وهذا شيء جميل وأضحت هذه الحفلات جيدة لمن يرغب في الزواج، وخاصة أصحاب الظروف المادية المتدنية.