يشارك متعاملون جزائريون في الصالون الدولي للعالم الاسلامي بباريس بفرنسا ايام 23 ،24 و25 ديسمبر القادم، حيث سيتم خلاله عرض التراث الثقافي في ابعاده التاريخية والتقليدية، مما سيسمح للجمهور الفرنسي بالاطلاع على القيم التي يحملها الحوار بين الحضارات، مع تقديم الدعم لكل المؤسسات الحرفية للدول المشاركة في هذا الصالون. ويأتي تنظيم هذا الصالون في الوقت الذي تحتضن فيه الجزائر فعاليات ''تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية'' التي انطلقت شهر افريل الماضي لتدوم سنة كاملة بحضور دولي كبير ومتميز، لم يقتصر على الدول الاسلامية فحسب بل شمل حتى دول غربية. وبلا شك فإن صالون باريس يتزامن ايضا مع الحديث المثار في اوروبا عموما وفرنسا خصوصا حول الحوار بين الاديان والحضارات والنقاش الذي كثيرا مايثير حفيظة مسلمي فرنسا عندما يتعلق الامر بالتهجم على الاسلام تحت شعارات سياسية مفخخة. وهو ما يرفضه مسلمو فرنسا في الوقت الذي لجأ فيه الاتحاد من اجل الحركة الشعبية الى اجراء نقاش بزعامة الرئيس نيكولا ساركوزي حول العلمانية شهر افريل الماضي، حيث اوضح عميد مسجد باريس السيد دليل بوبكر أن ذلك محاولة لاقحامه في اللعبة السياسية والجدل الدائر حول الهوية استعدادا للانتخابات الرئاسية المقررة العام القادم، من منطلق أن السجالات السياسية لا يمكن سوى أن تساهم في زرع الفتنة بين الفرنسيين من مختلف الديانات وتأجيج الحساسية بينهم وهو ما سيساهم في تشويه صورة الاسلام. ومن جانبهم كان رؤساء الديانات في فرنسا الذين اجتمعوا في إطار ندوة مسؤولي الديانات في فرنسا، أكدوا معارضتهم الشديدة لهذا النقاش، كما لم يخفوا في تصريح مشترك خشيتهم من أن يكون هذا النقاش ''نقاشا هداما جديدا يستهدف الإسلام ويفتح الأبواب على مصراعيها على العنصرية ومعاداة الأجانب ضد فئة كبيرة من المجتمع الفرنسي''. وليست مصادفة أن تأتي الدعوة لهذا النقاش في وقت تقدم فيه حزب الرئيس ساركوزي بعد ذلك باقتراحات للحكومة هدفها التضييق على المسلمين تتعلق خصوصا بأداء المسلمين ''الصلاة في الشوارع'' ، بينما اكد عميد مسجد باريس أنه يرفض أي إجراء يتعارض مع مصلحة الجالية المسلمة في فرنسا، قائلا بشأن المواقف الفرنسية ''نرفض أن يهان المسلمون''. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل ان الحكومة الفرنسية تعمل للذهاب الى تشديد قوانين الذبح التي لا تتلاءم مع التعاليم الاسلامية فيما يتعلق بعيد الاضحى. ويأتي تشديد السلطات الفرنسية ازاء الشعائر الاسلامية وسط المخاوف التي عبر عنها المسؤولون الفرنسيون من توسع انتشار الاسلام بفرنسا وهو ما عبر عنه صراحة وزير الداخلية كلود غيان، حيث قال إن ''تزايد عدد المسلمين في فرنسا أصبح مشكلة'' مقدرا عددهم بحوالي خمسة أو ستة ملايين مسلم. وبذكر عدد مسلمي فرنسا، فإن الجالية الجزائرية تشكل الاغلبية الساحقة في هذا البلد بما يفوق ال4 ملايين، تتوزع في جمعيات دينية في هذا البلد وكثيرا ما تتبرع لبناء اجزاء كبيرة من المساجد في مختلف المقاطعات الفرنسية، على غرار تمسكها بمسجد باريس الكبير واستعدادها لتعزيزه، قصد التصدي إلى كل محاولة تهدف إلى تقسيمه وإضعافه. ويسجل تناقض فرنسا في احتضانها هذا الصالون في الوقت الذي تعمل فيه بقراراتها على التضييق على المسلمين بما يضعف محاولات التقارب لانجاح الحوار بين الاديان، ورأينا في كل مرة اثارتها لقضايا كالخمار والزي الاسلامي بشكل عام، بل اكثر من ذلك تصاعد هذا التضييق إلى التدخل في نصوص العقيدة الاسلامية كمنع تعدد الزوجات مثلما حدث مع المغترب الجزائري الياس حباج الذي استدعته المحكمة التي وجهت له هذه ''التهمة''. واللافت أن العنصرية تجاه الدين الاسلامي تنامت مؤخرا ببروز مؤشرات تصدر حزب اليمين المتطرف الفرنسي الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2012 والذي لم يخف عداءه للمسلمين والمهاجرين الذين ينحدرون من أصول مغاربية والذين يتشكل أغلبيتهم من الجزائريين. وبالعودة الى الحديث عن هذا الصالون فإننا نتساءل امام هذه المعطيات عن استعداد ونية الاطراف الفرنسية في دعم الحوار بين الاديان والحضارات، الا انه لابد من القول بأن الجمهور الفرنسي ستكون له فرصة الاطلاع بنفسه وعن قرب على البعد الانساني للدين الاسلامي المشوه لديهم.