تنطلق اليوم، المشاورات الوطنية حول الإصلاحات السياسية التي أقرها رئيس الجمهورية في خطابه للأمة في أفريل الماضي، في أجواء كلها استعداد ومسؤولية من قبل الطبقة السياسية والمجتمع المدني، لإنجاح هذه المشاورات من أجل أن تبلغ الإصلاحات المعلنة، مبتغاها المنشود في تعميق المسار الديمقراطي باتجاه دولة عصرية ديمقراطية، قوامها سلطة الشعب وسيادة القانون. ويرتكز انطلاق المشاورات السياسية على أساس متين، بارز للعيان، بحيث لم يقص منها أي حزب من الأحزاب داخل أو خارج البرلمان، مثلما حرصت على إشراك الشخصيات الوطنية ومكونات المجتمع المدني، وقد عمد في هذا الإطار، المكلف من قبل رئيس الجمهورية للإشراف على المشاورات السيد عبد القادر بن صالح، إلى توجيه الدعوة إلى جميع هاته الأحزاب بما فيها حزبان أعلنا مقاطعتهما المسبقة، هما ''الأفافاس'' و''الأرسيدي''، مما يبقي الباب مفتوحا أمامهما للمشاركة في صياغة مضمون الإصلاحات السياسية المرجوة وتجسيدها في الميدان. وتنم هذه المقاربة في إجراء المشاورات السياسية حول الإصلاحات عن تجسيد الحرص الشخصي لرئيس الجمهورية في إنجاح ما يحصل التوافق بشأنه خلال المشاورات، حيث ترفع إليه خلاصة الأفكار والمقترحات المقدمة حول سبل إصلاح نظام الحكم وطبيعة النظام الدستوري المرجو اعتماده، إضافة إلى آليات توازن السلطات في هذا النظام. ومثلما أوضحت مراسلة السيد بن صالح إلى الأحزاب، فإن المشاورات تنصب على المراجعة الدستورية والنصوص التشريعية المتعلقة بالنظام الانتخابي والأحزاب السياسية وتمثيل المرأة في المجالس المنتخبة والحركة الجمعوية وقانون الولاية وقانون الإعلام. وتعتبر هذه المواضيع بمثابة ورشات للمشاورات السياسية، وخارطة طريق لضمان ترقية الإصلاحات المبرمجة، بعدما أبدت جل الأحزاب السياسية مباركتها لمنهجية تجسيد الإصلاح عبر المشاورات الصريحة والشفافة بين السلطة والطبقة السياسية وبرقابة مكونات المجتمع المدني وسلطة الشعب الجزائري، وهناك من أبدى آراءه قبل انطلاق المشاورات، عبر الحوارات والنقاشات التي أطلقتها وسائل الإعلام الثقيل، وطالما احتضنتها وسائل الإعلام المكتوب في القطاعين الخاص والعام. وبالنظر إلى مواضيع الإصلاح والمنهجية التي اعتمدها رئيس الجمهورية في تجسيدها وحرصه الشخصي على إنجاحها، فإن هذه الإصلاحات السياسية تعتبر الأولى من حيث النوع والطبيعة، في حياة الجزائر المستقلة، ذلك أنها مثلما تبدو للعيان، عميقة وشاملة، بحيث لأول مرة تطرح المراجعة الدستورية، أي نظام دستوري يريده الشعب، ولأول مرة سيتم ضبط آليات التمثيل وحماية الإرادة الشعبية في اختيار ممثليها في مؤسسات الدولة المنتخبة. وربما تكون المرة الأولى التي سيتم فيها التوصل إلى توافق سياسي حول تحديد آليات إحداث التوازن بين السلطات في النظام الدستوري المختار سواء كان رئاسيا أو برلمانيا أو شبه رئاسي، لأن الاختيار الناجح لنوعية النظام المعتمد يتوقف إلى حد بعيد على إحداث التوازن وضبطه بين هذه السلط، ضمن مسار انتخابي حر ونزيه، ترعاه السلطة القضائية المستقلة، وأمام أعين سلطة الإعلام الحر.