صوت أكثر من 98 بالمائة من الناخبين المغاربة المقدر عددهم بحوالي 13 مليون ناخب على مشروع الدستور الجديد الذي تضمن إصلاحات دستورية ظاهرها الحد من صلاحيات الملك وفصل السلطات وباطنها يمكّن الملك محمد السادس من الاحتفاظ بكل سلطاته دون تغيير إلا في المظهر. وقال وزير الداخلية المغربي الطيب الشرقاوي في ندوة صحفية أن نسبة المشاركة في هذا الاستفتاء بلغت رقما قياسيا أيضا بعد أن تجاوزت عتبة 72 بالمئة. ولم تكن مثل هذه النتائج مفاجئة لكثير من المتتبعين بعد أن انساقت أحزاب المعارضة التقليدية المتحلقة من حول العرش مهللة بإصلاحات زعمت بأنها جذرية داخل نظام ملكي وبقناعة أن ذلك أفضل من لاشيء واضعة بذلك مصيرها بين أيدي ملك عرف كيف يمرر ما تروج له الدعاية المغربية على أنه إصلاحات سياسية حقيقية وغير مسبوقة في الوطن العربي. وهو زعم يذهب إلى نقيض مطالب غالبية الشعب المغربي الذي يعيش أزمة متعددة الأوجه من ضيق في العيش وشح في مناصب العمل ووصولا إلى الحريات الديمقراطية المنعدمة بسبب نظام عرف كيف يحتفظ لنفسه بكامل سلطاته بأساليب قمعية لإسكات كل صوت احتجاجي يزعج جلالته. وهي الحقيقة التي ما انفكت تؤكد عليها حركة شباب 20 فيفري وجعلها تصر على موقفها الرافض لإصلاحات وصفتها بالصورية ومجرد مراوغة ملكية لمطالب شعبية من أجل إقامة مملكة برلمانية ينتقل فيها الملك من آمر ناه إلى مجرد رمز يحتكم إليه إلا في الحالات الاستثنائية. ويعيب المنتقدون للإصلاحات التي انتهت إليها لجنة رجل القانون المغربي عبد اللطيف منوني الذي عينه الملك محمد السادس للقيام بمهمة تلميع صورة عرشه بهذه الإصلاحات أنها مجرد واجهة مزينة وما تخفيه اكبر من أن يكشف للعلن وهو ما جعل نص الدستور وكأنه مفروض من فوق ولم يكن نتاج نقاشات على أوسع نطاق وعلى كل المستويات الشعبية لينتهي إلى أعلى هرم السلطة في الرباط لصياغته وفق نتائج تلك النقاشات. وهو ما تصر عليه حركة 20 فيفري التي تؤكد أن الزعم بأن الوزير الأول الذي سيتم تعيينه من الآن فصاعدا من الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان ما هو في الواقع إلا مجرد ذر للرماد مادام أنه سيبقى مسوؤلا أمام الملك ومادام البرلمان تحت رحمة هذا الأخير أيضا بعد أن احتفظ لنفسه بحق حله متى شاء ولأي الأسباب شاء. كما أن احتفاظ الملك بصفة ''أمير المؤمنين'' تجعل منه صاحب سلطات مطلقة لتعيين الولاة والمحافظين وبقائه قائدا أعلى للقوات المسلحة ومختلف الأجهزة الأمنية وصاحب صلاحية تعيين السفراء والقادة العسكريين كلها أمور صبت في إحكام الملك لصلاحياته السابقة حتى وإن كان الظاهر في الدستور الجديد ديمقراطيا. وهو ما جعل نجيب شوكي أحد أعضاء حركة 20 فيفري يؤكد أن الاستفتاء يفتقد لأية شرعية لأنه تميز بخروقات لأدنى مبادئ الديمقراطية وقد استغلت السلطات الظروف الاجتماعية الهشة للناخبين لإرغامهم على التوجه إلى مراكز التصويت. وقال إن الحركة ستنظم أكبر المسيرات اليوم من أجل التأكيد على أنها لن تتوقف عن مسيراتها المطلبية ورفضها المطلق لدستور على المقاس. والخرق واضح حتى قبل أن تعترف به حركة 20 فيفري بعد أن أدرج الملك محمد السادس الأراضي الصحراوية في عملية سياسية لا تعنيه في شيء سوى تكريس واقع احتلالي لشعب يرفض البقاء تحت التاج الملكي رغم الإغراءات والأساليب القمعية التي لا تتوانى أجهزة الأمن المغربية في استخدامها لإسكات الصوت الصحراوي. ورغم ذلك يحاول الملك تسويق صورة المبادر بالإصلاحات على خلاف الأنظمة العربية الأخرى ولكن الحقيقة التي تريد الدعاية المغربية القفز عليها هو أن تحرك المغرب جاء بعد أن أحس بقرب هزة أعنف من تلك التي ضربت عرشي نظامي الرئيسين بن علي وحسني مبارك في تونس ومصر. وحتى وإن اجتاز العاهل المغربي بسلام هذه المرحلة فإنه في واقع الحال لم يقم سوى بتأجيل انفجار شعبي قادم بعد أن يتأكد غالبية الشعب المغربي أن تلك الإصلاحات لم تكن في الواقع سوى طريقة لتمتين سلطاته بصبغة ديمقراطية وهي ليست كذلك ويستفيق أن ممارسات الأمس هي ممارسات اليوم وغدا مادام جوهر الداء باقيا هو ذاته.