هي أسطر معدودات من حياة قائد ومجاهد إبان ثورة التحرير المجيدة، أحد رموز ولاية سكيكدة المجاهدة، رجل لا يخشى في الله لومة لائم، عرف بكلمة الحق وبالطريق المستقيم ولقب برجل المواقف وبالنبيل وبالمثالي وغير ذلك من الصفات الفضلى، وهو الذي إذا سألت عنه أي شخص ممن يعرفونه قال من أين أبدأ. والمؤسف أنه في الوقت الراهن لم يأخذ نصيبه من الاهتمام، ولهذا الغرض أردنا أن نحيي تلك الذكريات التي كادت أن تكون في طي النسيان لمعرفة من هو القائد والمجاهد عبد الحميد سمومة. بعد تفكير طويل ولضمان نزاهة التاريخ ولكسب أكبر قدر من المعلومات أردنا التقرب من المجاهد عبد الحميد سمومة أطلعناه عن نيتنا بإجراء موضوع عنه فتقبل الأمر دونما تفكير قائلا ببشاشة ورحابة صدر أبوية لست أول من يقصدني لاسترجاع ذكريات الثورة المظفرة ونحن كنا ولانزال في خدمة الوطن ودورنا اليوم هو نقل ماعشناه لجيل اليوم لحفظ تاريخنا من التحريف والاندثار. هو عبد الحميد سمومة من مواليد 06 نوفمبر 1933 بضواحي القل بولاية سكيكدة، تلقى تعليمه بالكتاب ثم اشتغل في الفلاحة وفي مجالات عدة بين ولاتي سكيكدة وعنابة على صغر سنه، ليسافر بعدها إلى فرنسا للعمل، قبل أن يستدعيه الواجب الوطني على غرار أخيه الأكبر عيسى الذي سبقه في الالتحاق بصفوف الثوار على اعتبار أن الأخير كان في أرض الوطن، وباشتعال لهيب الثورة وامتدادها إلى الأراضي الفرنسية التحق عمي سمومة بصفوف الثورة أو بالنظام كما يحب تسميته كفدائي ثم كمسؤول عن الفدائيين فرئيس قسمة وعضو بفدرالية جبهة التحرير الوطني، عمل محدثنا على جمع التبرعات وإمداد الثورة بأموال اشتراكات العمال، وكذا كشف وقتل الخونة، كما كان يعمل بالتنسيق أسماء ثورية معروفة على غرار القائد عبد الحميد بوالصوف الذي يروي محدثنا أنه التقى به في إحدى المرات في ألمانيا لتسليمه أمانة ومبلغ 70 مليون سنتيم جمعها آنذاك، وهو مبلغ ضخم وقتها، ويستذكر عمي حميد أنه اشتكى للقائد بوالصوف ورضا مالك أنه يريد الالتحاق بالثوار بالجبال فأجابه بوالصوف قائلا ''إن ما تقوم به في أوروبا عمل عظيم ولا يقل شأنا عما يقوم به بقية الثوار في الجزائر، أنت هنا تمون الثورة وتدعمها وتقوم بالتوعية والعمل السياسي وتحارب العدو في عقر داره وهذا أصعب بكثير''، ليعطيه بعدها رسالة بغية تسليمها للنظام، وضعها محدثنا بحنكة في ربطة عنقه قبل أن يودعه، ولم يعرف حتى اليوم فحوى تلك الرسالة. وفي السابع من جانفي 1959 وعقب ثلاثة أعوام من العمل والاستماتة في الجهاد من أجل الوطن ألقت السلطات الفرنسية القبض على عمي سمومة لتتم محاكمته في محكمة عسكرية بعد أن ذاق شتى أنواع التعذيب واحترق جلده وارتسمت علامات التعذيب على جسده شاهدة حتى اليوم على تلك الحقبة، رافضا إفشاء أسرار الثورة. وفي العاشر من أكتوبر من السنة ذاتها حكم على مجاهدنا بالسجن ثمانية أعوام في جزيرة سان مارثن دوغي ولكم أن تتخيلوا ما عاشه بطلنا. وفي 19 مارس 1962 نقل عمي عبد الحميد رفقة 450 آخرين إلى سجن ''سركاجي'' بالحراش بالعاصمة قبل يتم إطلاق سراحه في الفاتح من ماي ليكتب له أن يعيش أجواء الاستقلال، وهنا يصمت محدثنا هنيهة متأثرا لينعش ذاكرته، وعن تلك الأجواء يقول يعجز اللسان عن وصف ما عشناه فرحة منقطعة النظير هتافات رقص في الشوارع أعلام الوطن الحبيب ترفرف شامخة وهلمّ جر، الجميع دون استثناء خرجوا تساء، رجال، شيوخ، أطفال، ومن حضر وعاش تلك الأجواء ليس كمن سمع. وعن الرسالة التي يبعثها عبر صفحات ''المساء'' أفضى المجاهد سمومة قائلا: إن عظمة الثورة الجزائرية صنعها الأبطال ودفعوا الثمن غليا ليعيش جيل اليوم في كنف الحرية وعلى شبابنا مواصلة ما بدأه سلفهم في بناء جزائر الاستقلال وحفظ تاريخ الثورة وحمل المشعل وتسليمه لجيل الغد.