الذين اتهموا حماني بمداهنة الحكومة يتهاتفون اليوم على كتبه جمع الإمام أحمد حماني بين الفقه في الدين، والجهاد ضد المستعمرين، ثم سعى بعد الاستقلال إلى المساهمة في بناء جزائر حرة تستند على قيمها الإسلامية الأصيلة.. درّس وأفتى وناظر وألّف ونافح عن الإسلام في الجزائر وخارجها، لكنه لم يلق بعد عقود في خدمة الإسلام سوى الصدود والهجران، ليرحل في صمت، شأنه شأن العلماء الجزائريين الذين عصفت بذكراهم أعاصير النسيان، حيث تخلى عنهم الشباب وبحثوا عن مرجعيات ذات اليمين وذات الشمال. ووفاءً لذكراه حاولت "الشروق" لفت الأنظار إليه، فقامت بتكريم عائلته وجمعت بعض محبيه من الأوفياء الذين عاشوا معه، رووا أجمل ما علق بالذاكرة من سيرة هذا الإمام العطرة. * وفت "الشروق" بوعدها الذي قطعته رمضان الماضي في ندوة تكريم المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم، حيث نظمت يوم أمس الأول بقاعة المحاضرات للمركز الدولي للصحافة ندوة رفعت إلى روح الشيخ العلامة المجاهد أحمد حماني بحضور نجليه وثلة من العلماء والمثقفين والرفقاء، الذين عاشوا أجواء فكرية وروحانية وهم يستعيدون مآثر هذا الرجل الذي رضع من لبن الوطنية والإسلام حتى أصبح مضربا للمثل في علمه وورعه * افتتحت الندوة التي نشطها الوجه التلفزيوني سليمان بخليلي بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم قدمها الشيخ رياض الجزائري، تلتها كلمة افتتاحية للأستاذ علي فضيل أكد فيها على أن التقليد الذي دأبت "الشروق" عليه خلال شهر رمضان من كل سنة، هو بمثابة اعتراف لهذا الجيل المكافح الذي منح زهرة شبابه لوطنه وشعبه وكذلك تذكير وتسجيل لمواقفه وتمريرها للأجيال حتى تستفيد منها على اعتبار أنها مشحونة بالروح الجزائرية، ومبنية على فكرة الوسطية والاعتدال وهي المطلوبة كونها تتناسب مع تركيبة المجتمع الجزائري أما نجله الذي لم تبارح عيناه الدموع طيلة فترة الندوة التكريمية، فقد سرد بعض المواقف التي يحملها في ذاكرته عن والده، كما عرج على ما تعلمه على يديه، مؤكدا أن الشيخ أحمد حماني رحمه الله كان لا يخشى في الله لومة لائم، وكان إنسانا بسيطا وأبا جزائريا بكل ما تحمله الكلمة من تفاصيل. * * وأجمع كل المتدخلين على أن الشيخ أحمد حماني، رحمه الله، كان وطنيا إلى درجة كبيرة، ويترجم ذلك ثباته على مواقفه رغم ما تعرض له من تعذيب خلال الثورة التحريرية، وثباته أيضا على مواقفه عندما تعرض لأكثر من مرة لضغوط تتعارض مع المصلحة الوطنية، ومن جانب آخر تطرقوا لعلمه الراسخ النابع من معين المذهب المالكي، حيث يعتبر الشيخ حماني أفقه علماء عصره في هذا المذهب وأكثرهم إلماما بأحكامه وأبرعهم في تكييفها مع معطيات الواقع، وتخللت الندوة التي استمرت لأكثر من أربع ساعات وصلتين إنشاديتين قدمهما شيخ المنشدين السوري أبو محمود الترمذي، الأولى عن رمضان والثانية تغنى فيها بالجزائر وشعبها. * * "الشروق" تلتزم بإصدار مقالاته التي لم تنشر * درع "العرفان" و برنوس "العزة" لروح الإمام حماني * * بحضور شقيقه وبعيون مليئة بالدموع ارتدى الأستاذ عمر حماني نجل الشيخ أحمد حماني، رحمه الله، من أيادي الأستاذ علي فضيل مدير عام "الشروق" ورئيس الحكومة الأسبق، بلعيد عبد السلام، والمنشد السوري الترمذي، كما تسلم درع "الشروق" اعترافا بالدور الكبير الذي لعبه الشيخ أحمد حماني للحفاظ على مقومات الجزائر وعلى مساهماته الكبيرة التي قدمها حفظا للإسلام وبناء للوطن. * والتزم مدير "الشروق" بطبع المقالات التي لم تنشر للشيخ، حتى لا تضيع وتصل بأمانة للأجيال الجديدة، مؤكدا أن مؤسسته ستظل ملتزمة بمثل هذه الأعمال التي تهدف من ورائها إلى المساهمة في الحفاظ على الموروث الثقافي والديني الجزائري الذي يهدده الزوال. ومن جهة أخرى أثنى نجل الشيخ حماني على هذه المبادرة التي دأبت "الشروق" على تنظيمها كل سنة، متمنيا أن يصل علم والده لشباب الجزائر لأنه قادر على تأمينه من الوقوع في فخ التطرف. * * محمد الصغير بلعلام تلميذ الإمام: * "حماني لم يداهن الحكومة بدليل فتواه حول صندوق التوفير" * * "كان الشيخ حماني لا يخاف في الله لومة لائم حينما يتعلق الأمر بقول كلمة الحق، لقد كان عالما فقيها ومالكيا متفتحا"، بهذه العبارات استهل أحد تلامذة الشيخ حماني، رحمه الله، محمد الصغير بلعلام حديثه عن مسيرة شيخه. * يقول محمد صغير بلعلام بأن الشيخ حماني قضى حياته وشبابه في الدفاع عن الوطن: "كان من أعمدة السجناء الجزائريين، وكان لا يؤمن إلا بشيئين فقط هما الإسلام والجزائر، وقضى حياته في الدفاع عنهما"، ومن لا يعرف جيدا الشيخ حماني حسبما كشفه أحد رفقاء دربه، فقد كان يتميز بشخصية قوية، بدليل أنه كان من أقوى المتدخلين في المؤتمر الإسلامي، ولم يتوان أبدا عن فتح النار ضد كل من يتطاول على الإسلام وعلى الجزائر. * ومن ميزات الشيخ حماني أنه كان يناقش أمهات القضايا الفقهية "فقد ناقش الدكتور عبد الله شريط، وكان يقول عنه بأنه يتحلى بالرزانة حينما يكون هادئا، لكنه حينما يغضب يخرج عن الطريق"، كما دخل مرارا في جدل مع الدكتور مولود قاسم نايت بلقاسم في قضايا لا تقل أهمية، ولم تقتصر معارف الشيح حماني على الأمور الدينية فقط، "بل كان كثير الاهتمام بكل ما يتعلق بالتاريخ، بدليل أنه انتقد كثيرا "مولود بن موهوب"، وكان يقول عنه بأنه مدسوس وعين فرنسا في الحركة الإصلاحية"، كما كان يلقي الدروس في مجال التاريخ على المحبوسين حينما كان مسجونا في عهد الاستعمار. * وعن المواقف الشجاعة التي اتخذها الشيخ حماني يقول بلعلام: "طلب منا عند تأسيس الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط إصدار فتوى لتشجيع الناس على وضع أموالهم في الصندوق، غير أن حماني رفض ولم يصدرها، وعقدنا اجتماعا ودرسنا الموضوع وقال بأن وضع الأموال في الصندوق يدخل ضمن الربا". * ويروي تلميذ الشيخ حماني مواقف أخرى تنفي عن رئيس المجلس الإسلامي الأسبق صفة التبعية للسلطة وبإصدار فتاوى على المقاس قائلا: "لقد رفض حماني بشدة إصدار فتوى لصالح إنتاج بيرا دون خمور سنة 73تحت اسم مالطا، رغم الضغوط التي خضع لها، وأصر على تطبيق القاعدة الفقهية القائلة كلما أسكر كثيره فقليله حرام". * ويضيف المتحدث: "لم يكن حماني مواليا للحكومة، بل كان جزائريا مواليا للدين، وفي فتواه لم يكن يتبع أحدا، بدليل أنه أفتى بعدم جواز الزواج من فرنسيات، وفقا لما كان يقوله العلامة عبد الحميد ابن باديس، وقد كانت هذه القضية محل نقاش حاد بينه وبين الشيخ محمد الغزالي". * ويروي محمد الصغير بلعلام بعض المواقف التي تثبت بأن الشيخ حماني كان يتحلى بعزة النفس، "فقد حدث وأن وقع خلاف بينه وبين الدكتور نايت بلقاسم الذي طرد حماني من مكتبه، فقال له حماني: هذا ليس بمكتبك بل هو مكتب الدولة". * * البروفيسور سعيد شيبان: * "حماني أخذ العالِمية من الزيتونة وليس الأهلية كما أوردته موسوعة الأعلام" * * * أراد الدكتور سعيد شيبان الذي اعتلى هو الآخر منصب وزير الشؤون الدينية والأوقاف، أن يوضح حقيقة للتاريخ في حق الشيخ أحمد حماني وهي أنه وصل إلى درجة العالِمية في علمه من جامع الزيتونة بتونس. * الدكتور سعيد شيبان قال: "عرفت الشيخ حماني في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، ولا بد أن نشير إلى ما كتبه بين السنة والبدعة"، ليضيف: "أوذي من قبل الاستعمار الفرنسي في أوائل الأربعينيات وعذب وأمضى شبابه في جامع الزيتونة طلبا للعلم". * وفي موضوع المؤهلات العلمية للشيخ حماني ألح سعيد شيبان على ضرورة "تصحيح الخطأ الوارد في موسوعة الأعلام الذي طبع بمناسبة سنة الجزائربفرنسا والتي ورد فيها أن الشيخ حماني وصل في دراسته للأهلية، بينما الحقيقة أنه ظل في تونس لطلب العلم حتى رجع منها للجزائر بشهادة العالِمية" وهذه شهادة للتاريخ وخطأ لا بد أن يصحح في حق عالم من أعلام الجزائر. * علي فضيل.. مدير عام "الشروق" * "تكريم الشيخ حماني فخر برموز الجزائر العلمية والفكرية" * * وصف المدير العام لجريدة "الشروق اليومي" الشيخ أحمد حماني بالعلامة والمجاهد قائلا: "إنه ينتمي إلى ثلة العلماء المجاهدين الذين سخروا زهرة شبابهم لتحصيل العلم". * وانتقد علي فضيل تعلّق الشباب برموز أجنبية في وجود أمثال أحمد حماني من الرموز الجزائرية، "فالرجل قضى شبابه منذ قبل الاستقلال وبعده مجاهدا بفكره وقلمه، والجزائر كلّها تتذكر مواقفه الجريئة وفتاواه في مختلف الميادين". * وتفصّل مدير الجريدة في ذكر مناقب الرجل ومواقفه قائلا: "أحمد حماني لم يكن يخاف في الله لومة لائم، صادع بكلمة الحق"، مضيفا: "نحن نريد من خلال هذا التكريم لنجل الشيخ أن نذكّر شبابنا أن بلادنا تزخر بثلّة من الرموز والثروات الفكرية والعلمية والتعريف بعلماء الجزائر الذين يجب أن يكونوا مفخرة لكل أبنائها". * كما اعتبر مدير عام "الشروق" بأن تكريمه يدخل في باب الوفاء بعهد تكريم الرموز الفكرية في الجزائر ومواصلة لسلسلة التكريمات التي شرعت فيها الجريدة منذ سنتين * * عبد القادر نور: * "دعا حماني لتشكيل جيش لتحرير الجزائر في 1944" * * أكد المدير العام السابق لمؤسسة الإذاعة الوطنية و أحد تلاميذ الشيخ، على أن أحمد حماني كان ثائرا و أراد تحرير الجزائر بالقوة بالتحالف مع مجموعة شباب يريدون تكوين جيش لتحرير الجزائر بالتحالف مع القوات الألمانية. وذكر: "لقد سجلت له بصوته سنة 1944 في تونس وهو يدعو لتكوين شبه جيش للتحالف مع الألمان وتحرير الجزائر". ووعد تلميذ بعرض هذه الشهادة التاريخية. * * الكاتب والمؤرخ محمد عباس: * "حماني أباح إعادة دفن رفاة الشهداء لكن بشروط" * * ركّز الأستاذ محمد عباس في شهادته التي قدّمها بخصوص الشيخ أحمد حماني على نقطتين، أولاهما فتواه المتعلقة بإعادة دفن رفاة الشهداء، والثانية تتعلّق بشهادته حول الشهيد أحمد بوشمال، وهو الساعد الأيمن للشيخ عبد الحميد بن باديس، وضمّنها الشيخ أحمد حماني ظروف اعتقاله وتعذيبه. * أكّد محمد عباس أنّ الشيخ أحمد حماني أصدر فتوى في هذا الموضوع عندما شرعت السلطات الجزائرية في جمع رفاة الشهداء في مقابر خاصة، وقد اعترض بعض الأئمة على هذه الخطوة، ورفعا للبس بادرت المنظمة الوطنية للمجاهدين في حملة شرح لمقاصد هذه العملية. وجاء في فحوى الفتوى التي أصدرها الشيخ حمّاني رحمه الله، أنّ نقل الرفاة يختلف باختلاف المقاصد وجوبا أو منعا، وفي تفاصيل الفتوى أباح حماني نقل الرفاة إذا كان في ذلك مصلحة مؤكدة، ويكون الأمر واجبا في حال ما إذا كانت رفاة الشهداء متناثرة في أماكن عديدة في أماكن معزولة لحمايتها من عبث العابثين، ويكون الأمر ممنوعا إذا الشهيد مدفونا بمقبرة آمنة. في النقطة الثانية التي عرّج عليها محمد عباس، ذكّر بظروف اعتقال الشيخ حماني من قبل الاستعمار من خلال الشهادة التي قدّمها الشيخ حماني في حياته بخصوص هذه المسألة، وأكّد عباس أنّ حماني اعتقل بتهمة جمع الأموال للثورة واستُنطق وعُذّب بسبب ذلك، حيث مكث في زنزانة بالكدية مدة 15 يوما، غير أنّ اعتقاله ظلّ سرا ولم يُعلن عنه إلا في سبتمبر 1957. * الدكتور محمد مشنان: * قال لي حماني: "كنا نهدم دولة واليوم نحن نبني دولة" * * حينما سئل الشيح أحمد حماني عن سبب تغير طبعه الثائر عكس ما كان عليه أثناء الاستعمار، قال المرحوم وبعبارة تحمل دلالة عميقة: "كنا نهدم دولة واليوم نبني دولة الاستقلال"، وتبرر هذه المقولة في تقدير الدكتور مشنان بعض المواقف الرزينة والهادئة التي اتخذها حماني فيما يتعلق بالعديد من القضايا، موضحا بأن حماني كان يحسن إيجاد الحلول للمشاكل، ويتقن الفقه المدون وصاحب ملكة الكتابة، ويتفاعل مع القضايا الاجتماعية: "فلقد كان السباق في إثارة قضية زرع الأعضاء إلى جانب قضية التأمينات، وكان من السباقين أيضا في الإفتاء بجواز الإحرام من جدة، وكانت لديه قدرة فائقة على المناقشات الفكرية". * وصحح المرحوم حماني للشيخ القرضاوي في القضية المتعلقة بزكاة الخضر والفواكه، حينما أكد بأن الأموال التي يتم ربحها عن طريق بيع هذه المحاصيل تدخل أيضا في خانة الأموال التي تشملها الزكاة، "كما كان متواضعا ولا يتردد في استشارة الآخرين بخصوص مواضيع عدة، بدليل اتصاله بمحمد شارف وسأله في إحدى القضايا رغم علمه الواسع". * ويلخص الدكتور مشنان مسيرة الرئيس الأسبق للمجلس الإسلامي الأعلى في أنه كان فقيها في المذهب المالكي مطلعا على مذاهب الآخرين، كما كان كذلك موسوعة في اللغة العربية، إلى درجة أن الآخرين كانوا يستعينون به في تصحيح لغتهم. * * الهادي الحسني: * "كان معارضا شرسا للحكومة عندما يتعلق الأمر بالمسائل الشرعية" * * روى الأستاذ الهادي الحسني جوانب من شخصية العالم الجليل، فذكر بما كتبه عنه الشيخ رضا حوحو في السلسلة الثانية من "البصائر": "أحمد حماني يحب النظام الذي تسوده الفوضى والفوضى التي يحيطها النظام، يميل للحرية في كل شيء ويعشق العيش الطليق، إنه فنان بطبعه". * كان الشيخ أحمد حماني، حسب رواية تلميذه الأستاذ الهادي الحسني، "ينال تقدير شيخه عبد الحميد بن باديس وقد وضع اسمه سنة 1936 ضمن قائمة تلامذته التي بعث بها للورتيلاني تحسبا للدراسة في الأزهر الشريف، لكن الرحلة ألغيت بسبب قيام الحرب العالمية الثانية". * الشيخ أحمد حماني، الذي طالما اتهم بمداهنة الحكومة، كان معارضا شرسا لها عندما كان يتعلق الأمر بالمسائل الشرعية التي لا تحتمل النقاش، ومثلها ما ذكره الأستاذ الهادي الحسني في قضية كباش العيد التي استوردت من استراليا وقتها وطلب من الشيخ أن يفتي فيها »الكباش التي استوردت من استراليا كانت مقطوعة الذنب وجمع وزير الشؤون الدينية وقتها العلماء للإفتاء بجواز ذبحها لعيد الأضحى، وقال الشيخ بأنها لا تجوز وعندها اشتد الضغط عليه، من كل الجوانب لاستصدار فتوى، لكنه لم يؤخذ عنه النص بالجواز، بل حتى لما استقبل المستورد نفسه الذي كان سيخرب بيته قال الشيخ لا تتخذوننا جسرا، إذا كنتم تقدرون العلماء استفتوهم قبل القيام بالعمل وليس بعد انجازه". * كما ذكر الأستاذ الحسني بأن »الإمام كان من أذكى الناس، ورغم ذلك كان زاهدا فلم يحصل حتى على مكتب يشتغل فيه، وكثيرا ما شوهد يكتب على ركبته، وبلغ ذكاؤه إلى حد التنبؤ لباكستان بصناعة القنبلة الذرية، ففي 1980 استقبل الشيخ حماني طبيبا باكستانيا كان يعد لكتابة سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن أجلها قام بجولات في جميع الأقطار الإسلامية وقال له الشيخ عند نهاية المقابلة: بلّغ سلامي لشعب باكستان وقل له إن الأمة الإسلامية تنتظر منه القنبلة الذرية الإسلامية في أقرب وقت«. * وتحدث الحسني بكثير من الطرفة عن جوانب خفية في شخصية العالم لم يكن يعرفها سوى المقربون منه، مثل النرفزة وحدة الطبع في بعض الأحيان والبديهة الحاضرة حد »اللدغ« لمن يمس شخصه بملاحظات غير مقبولة »مثل ما حصل في ملتقى الفكر الإسلامي الثاني بتلمسان، حيث كان أحد الدكاترة يصر على أن يقدم بلقب خادم القرآن والسنة، وكان يحتج في حال نسيان ذكر هذه الصفة، وهو ما حصل فعلا، ليرد عليه الشيخ حماني: ونحن ماذا نخدم؟ * * عمر حماني نجل الإمام "أحمد حماني": * فضيلة الشيخ الطاهر آيت علجت: * "الذين اتّهموا حماني بخدمة الحكومة يتهافتون اليوم على كتبه" * * * انطلق الشيخ الطاهر آيت علجت في شهادته حول المرحوم أحمد حماني بقوله إنّه جمع كلّ الصفات التي تفرّقت في أهل الفضل. ووصفه بالعلاّمة الكبير، لأنّه من القليلين الذين استطاعوا الحصول على شهادة العالمية من جامع الزيتونة، حيث بقي يدرس حتى حصل عليها، ودافع الشيخ آيت علجت عن حماني في هذه النقطة بقوله إنّ حماني "خدم الحكومة لا أشخاصا وإنّما جزائرا"، لأنّه عاش كما عاش كثير من الجزائريين تحت الاستعمار البغيض، وهذا ما أثّر فيه لأنّه تجرّع الكثير من أنواع الظلم، وعندما منّ الله على الجزائريين بحكومة منهم خدمها. وردّ آيت علجت ذلك إلى وطنية حماني وإسلامه وتقواه وزهده وعلمه الغزير وأخلاقه الفاضلة. وكشف أنّ الشيخ عبد الرحمان شيبان كان يدعوه لإلقاء دروس بمسجد القدس في حيدرة، فيسيء إليه بعض الشباب وكثيرا ما يتدخل شيبان لتهدئة الشيخ حماني رحمه الله. * * وأضاف الشيخ آيت علجت أنّ الشباب الذين ينقمون على الشيخ أحمد حماني ولاءه للسلطة، أصبحوا بعد موته يقرؤون كتبه التي يجدون فيها كنوزا عظيمة يجادلون بها ويُقدّسونها لأنّهم أدركوا أنّه كان علاّمة، وأنّه كان وطنيا وطنية صحيحة. * "كان الشيخ معتدلا ينبذ التطرف ولا يحب الخروج عن الحاكم" * * ومن الحوادث التي ذكرها الابن عمر عن والده واحدة تعود للستينيات "حين كانت العائلة تسافر إلى مدينة قسنطينة عبر القطار، ولما كانت الشركة تمنح تخفيضات على التذاكر للعائلات، كان لا بد من تقديم ملفا يتضمن طلبا خطيا، والشيخ كتبه بالعربية وقتها، ورفضت الإدارة ذلك، لكنه أصر إلى أن رضخت الشركة وقبلت طلبه بالعربية". * ويضيف الأستاذ عمر حماني: "كان والدي مشاركا في جامعة قسنطينة حين افتتحت بداية الثمانينات فكان يسافر الإثنين ويدرس فيها الثلاثاء ليعود الأربعاء إلى العاصمة في القطار وكان لا يكل ولا يمل". * * كما ذكر عمر، وهو أستاذ في الترجمة، أن والده كان له الفضل الكبير في عودة الأمة للعربية حيث قال: "هنيئا للأمة باسترجاع عربيتها بفضل المجاهدين والعلماء رغم ما نلاحظ الآن من نقائص، ورغم تفاني والدي في خدمة اللغة العربية، إلا أنه كان متفتحا على اللغات الأخرى، ويحث أبناءه على تعلمها فعندما أخفقت في مادة الفرنسية طلب مني أن أستعين بكتاب ألكسندر دوما لتعلمها، وكنا نملك له سلسلة في المكتبة، وتعلمت ونجحت في هذه اللغة"، كما يذكر عنه أنه كان "معتدلا ينبذ التطرف ولا يحب الخروج عن الحاكم". * * * رشيد وزارني "منشط البرنامج التلفزيوني أنت تسأل والمفتي يجيب": * "حماني اشتغل في التلفزيون دون مقابل" * * * كشف الأستاذ رشيد وزاني لأول مرة عن خصائص أخرى كان يتحلى بها الشيخ حماني، من ضمنها إصراره على تنشيط البرنامج التلفزيوني "أنت تسأل والمفتي يجيب" في بداية التسعينات دون مقابل، رغم الحالة الأمنية غير المستقرة التي كانت تمر بها البلاد، ويقول المتحدث: »كان الشيخ يجيب عن كافة الأسئلة، ولم يكن يحذف ولا سؤالا واحدا، وكان يجيب عنها جميعا دون تحضير مسبق"، مضيفا:"كان من أفقه أهل زمانه وفي العالم الإسلامي والمذهب المالكي، وكان متواضعا بشوشا لطيفا وهادئا، لا يجد القلق إليه منفذا، صامتا ولا يتوقف عن الكتابة". * * ويقول رشيد وزاني بأنه عرف المرحوم الشيخ حماني حينما كان يتردد كثيرا على وزارة الشؤون الدينية في عهد الوزير الأسبق عبد الرحمان شيبان، ويروي عنه بأنه كان فائق الذكاء ونبيها، ويستشهد بحادثة حينما كان ينشط برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب، حيث كان المخرج في كل مرة ينبه الشيخ بانطلاق التصوير قائلا وبصوت مرتفع وباللغة الفرنسية "انتبهوا"، فقال له حماني ذات مرة: "لماذا تنبهنا في كل مرة بانطلاق التصوير، طالما أن اشتعال الأضواء الحمراء للكاميرا يؤكد لنا ذلك". * * وزير الشؤون الدينية أبو عبد الله غلام الله: * "كان حماني يكره الاستعمار الفرنسي قبل الشيطان" * * * قال وزير الشؤون الدينية والأوقاف، بوعبد الله غلام الله، بخصوص أستاذه الشيخ أحمد حماني، رحمه الله: "نسيت كل ما علمّني الشيخ في التاريخ والجغرافيا، لكنني لا أتخذ موقفا وطنيا، إلا وكان الشيخ حاضرا في ذهني، لقد أرضعنا الوطنية، وكان أكره شيء لديه قبل الشيطان هو الاستعمار الفرنسي". * هكذا تذكر الوزير شيخه العالم المجاهد، العامل، الفاضل وأستاذه الذي تتلمذ على يده بمعهد الإمام ابن باديس، يتذكر الشيخ الذي "كان يعود محملا بالأفكار التحررية من مشاركته في المؤتمرات في أوربا الشرقية إبان الاستعمار"، ليقول: "لا مصالحة مع الاستعمار أبدا"، كان يحب وطنه الجزائر مثل حب النبي، صلى الله عليه وسلم، لمكة المكرمة "عذبه الاستعمار إبان الثورة، واقتلع أظافره، وهو صامد ينفخ روح المقاومة في نفوس المجاهدين". * والشيخ أحمد حماني، رحمه الله، حسب شهادة تلميذه غلام الله "كان عالما مالكيا متمسكا بالمذهب يعود إلى ابن باديس في عقيدة راسخة، لكنه متفتحا يقدر علماء المشرق الإسلامي"، وقد "انكب على تحصيل العلم أكثر فأكثر بعد الاستقلال، لكن عقيدته وحبه للوطن كان مترسخا فيه". * ويقول عنه الوزير: "ملأ مكانه في المجلس الإسلامي الأعلى، وكان لا يريد للمسلم أن يكون أمميا بل وطنيا يخدم وطنه الذي ينتمي إليه". * * نور الدين بن براهم "القائد العام للكشافة الإسلامية": * "حماني مرجعية دينية يجب الترويج لها" * * * انتقد القائد العام للكشافة الإسلامية عدم الترويج للعلماء الجزائريين ليكونوا قدوة للشباب بدلا من اقتدائهم بنماذج أخرى لا تصقل شخصياتهم. وقال:"روّجنا كثيرا للرياضيين، والآن يجب أن نعرف كيف نروّج لأولئك الرجال في ظل الثورة الإعلامية الحالية". ودعا إلى تثمين منتجاتهم من خلال التذكير بأعمال الشيخ حماني، "علينا أن نثمّن تلك الشخصيات جميعها، لأنها تشكل المرجعية الدينية لهذا الجيل وغيره، وكذا لنكون في منأى عن الانزلاقات". * * عائشة بلحجار "رئيسة المنتدى العالمي للمرأة المسلمة": * "علماؤنا لا يقلّون شأنا عن غيرهم لولا التعتيم الإعلامي" * * رأت الأستاذة عائشة بلحجار أن الجزائر تمتلك الكثير من العلماء، إلا أنهم يحتاجون إلى إبراز إعلامي، وهذا ما خوّل لنظرائهم بالعالم العربي أن يحتلوا مكانة غطّت على علمائنا. وطالبت رئيسة المنتدى العالمي للمرأة المسلمة بالتركيز الإعلامي على علماء الجزائر "إن ما نملكه من علماء لا يقلون شأنا عن أقرانهم في المشرق العربي، إلا أنهم لم يرتقوا إلى تلك الشهرة، لأن إعلامنا المحلي لا يظهرهم للمجتمع كما يجب". * * الأستاذ الطاهر بن عيشة: * "كان الشيخ عالي الأخلاق وطني جدا وشديد الكرم" * * * أشاد الأستاذ عمر بن عيشة بالشيخ أحمد حماني مصنّفا إياه ضمن الشخصيات الجزائرية الفاعلة في الثقافة الإسلامية، مستذكرا أهم ما جمعه به من مواقف طريفة وجادة. وذكر الأستاذ بن عيشة: "الشيخ كان عالي الأخلاق وطني جدا وشديد الكرم". وإن كان بن عيشة آسفا على فقد شيخ من طينة الكبار كأحمد حماني، فإنه لم ينس له الطريقة التي كان يناديه بها، بمناسبة مناظرة استمرت ثلاثة أيام كاملة، قائلا »لقد كان دائما يركز في ندائه لي على لقبي بن عيشة، فلا يظهر من مناداته لي غير هذا الاسم، فلم أتمالك نفسي بعد تكرّر الموقف معي، فقلت له مرّة: اسمع يا شيخ إنه لا يوجد في التاريخ والدنيا كلّها من ينتسب إلى أمه إلا رجلين الطاهر بن عيشة وعيسى بن مريم فضحك الشيخ وما أعادها معي". * * صالح عوض "رئيس مكتب الشروق في غزة«: * "أحمد حماني فرع مثمر من شجرة جمعية العلماء المسلمين" * * * * اعتبر صالح عوض مدير مكتب "الشروق" في غزة أنّ الشيخ أحمد حماني هو فرع مثمر من شجرة باسقة تسمى جمعية العلماء المسلمين. وركّز عوض في شهادته حول الشيخ حماني رحمه الله، على شخصية الإمام عبد الحميد بن باديس الذي اعتبره مجدّدا للإسلام في الجزائر، وجاءت صرخته في وقت اعتقد الجميع أنّ الشعب الجزائري قد مات. * * وتأسّف عوض لعدم نقل الجزائريين لهذه الرحمة للعالمين، وإيصالها خاصة إلى المشرق العربي، والرحمة التي قصدها عوض هي كلّ ما تعلّق بالأفكار التي عبّر عنها أمثال عبد الحميد بن باديس ومالك بن نبي والبشير الإبراهيمي وغيرهم كثير من شيوخ جمعية العلماء الجزائريين. * * نداء إلى رئيس بلدية حيدة * استبدلوا أبي نواس بأحمد حماني! * * * هذا النداء سبق للأستاذ الهادي حسني أن أطلقه، لكنه تكرر في بيت »الشروق« بمناسبة تكريم الشيخ حماني، رحمه الله، وهو استبدال تسمية شارع أبي نواس بحيدرة باسم الشيخ الجليل أحمد حماني، خاصة وأن الشارع يحوي مسجد القدس. * الموضوع فيه مفارقة عجيبة هي رمز الشاعر أبي نواس إلى المجون والخمر فالقول بأن مسجد القدس بحيدرة يقع في شارع أبي نواس يكاد يكون أمرا عجيبا حسب الأستاذ الحسني، بينما كان الأجدر أن يحمل اسم عالما من علماء الجزائر مثل الشيخ أحمد حماني، الذي أعطى كثيرا للوطن. * ورغم استحسان الفكرة، إلا أن نجله عمر لم يحبذ أن يقترن اسم والده العالم باسم شاعر الخمر أبي نواس لأنه في ذاكرة العامة سوف يذكر دوما الاسم الجديد والاسم القديم، أي شارع أحمد حماني أبي نواس سابقا، وشتان بين هذا وذاك. *