بعد مرور 46 سنة منذ تحقيق الجزائر استقلالها، مازال بعض الجزائريين يبحثون لأنفسهم عن وثيقة الاعتراف بالمشاركة في الثورة، إما كمجاهدين أو مسبّلين أو فدائيين، ويصرون على حق الاعتراف لهم بهذه الصفة ويقدمون طلباتهم إلى الوزارة الوصية ومنظمة المجاهدين للحصول على بطاقة مجاهد. هذه المرة ومخالفة لكل السنوات التي خلت ارتأينا البحث عن المجاهدين الذين يعيشون في الظل، الذين أفنوا شبابهم في محاربة المستعمر دون مقابل. لكن العثور على واحد من هؤلاء كالبحث عن الإبرة في القش من منطلق تكتمهم على الأمر، واعتبار أنفسهم '' مجاهدين في سبيل الله لا في سبيل المنحة '' التي بسببها لا زالت تعاني وزارة المجاهدين من بعض الضغوطات للحصول عليها، وبعيدا عن اسم المجاهدين أردنا التقرب ممن لا يزالون على قيد الحياة ولم تكن مهمتنا سهلة خاصة وأنهم لايريدون التحدث عن أنفسهم من منطلق احتساب عملهم لله تعالى، ورغم ذلك وبفضول الصحفي استطعنا افتكاك بعض شهادات هؤلاء '' المنسيين '' من تاريخ الثورة الجزائرية، فكانت شهادة هؤلاء بمثابة ذكرى تاريخ تكتب حروفه من ذهب وتضاف إلى عظمة المجاهدين الذين فضلوا العمل في صمت إبان الاستعمار، وفضلوا العيش في صمت ..والموت في صمت و... رغم الحاجة. ------------------------------------------------------------------------ عمي معمر: '' ليس كل من قدّم (قصعة كسكسي) إلى الثوار مجاهدا'' ------------------------------------------------------------------------ يقول المجاهد عمي معمر ( ب م ) المولود في 28 فيفري 1938 من الشلف في عقده السابع والذي رغم تعاقب السنين عليه إلا أن وجهه يتميز بقلة التجاعيد والصفاء الواضح .. عمي معمر لم يتحصل على منحة المجاهد لأنه لم يطلبها أصلا، من باب أنه يرفض أن ينتمي إلى ما أسماها بطبقة '' المجاهدين المزيفين '' ، موضحا '' أرفض أن أكون واحدا من هؤلاء بالرغم من أنني مررت بأوقات عصيبة من الناحية المادية واضطررت وأنا كبير العمل ليلا كبحار لتوفير لقمة العيش لأولادي ز . وعندما سألنا عمي معمر عن ما إذا كان بحوزته وثائق تثبت أنه مجاهد قال '' نعم بحوزتي عدة أوراق تثبت ذلك خاصة أوراق المنفى أين سجنت في سجن فرنسا في سنوات الثورة التحريرية المسلحة '' . واستطرد عمي معمر بعد أن تنهد تنهيدة طويلة وقال '' لقد وصلت في مرحلة من مراحل حياتي إلى أن أثقلت بالديون، إلا أنني لم أتنازل عن مبدئي المتمثل في الجملة التي أتمسك بها '' الذي قدم خدمة للوطن لا ينتظر المقابل عنها '' فالمقابل عند الله وليس عند العبد'' . وأردف ذات المجاهد أنه يعرف الكثير من المجاهدين المزيفين، ويقول في هذا الموضوع '' بعض المجاهدين الذين تحصلوا على المنحة لا يستحقونها، فليس كل من حمل كأس ماء أو قدم قصعة كسكسى إلى الثوار يعتبر نفسه مجاهدا، وإلا فإن كل الشعب الجزائري بدون استثناء سيكون مجاهدا حتى الطفل الصغير الذي حمل في محفظته بعض الوثائق''. ------------------------------------------------------------------------ ''فضلت مناداتي بالطبيب على المجاهد بسبب المنحة'' ------------------------------------------------------------------------ بحثنا كثيرا عن هذا الصنف من المجاهدين وكانت رحلة البحث شاقة نوعا ما نظرا لتكتم البعض إن لم نقل جلهم وعدم رغبتهم في الحديث إلينا بمجرد معرفتهم أننا من الصحافة، وكان من أمثال هؤلاء الدكتور المختص في أمراض القلب (ت.م) الذي رفض رفضا قاطعا التحدث عن نفسه إلا أننا سرقنا بعض المعلومات من ابنته ولم نخطف منه سوى أن المجاهد الحقيقي '' لا يلهث وراء مال يفنى بعدما أن تخلينا عن روحنا في سبيل الوطن '' . مفضلا بذلك لقب الطبيب على المجاهد. ------------------------------------------------------------------------ ''بيطاط طلب مني المساعدة ولم أوافق'' ------------------------------------------------------------------------ لم يكن رأي المجاهد (س م) وهو في عقده الثامن ابن البويرة يختلف كثيرا عن رأي سابقيه، حيث رفض أخذ منحة المجاهدين أو الحصول على بطاقة المجاهد بالرغم من تلقيه يد المساعدة '' الثقيلة '' للحصول عليها دون متاعب، من قبل المجاهد الكبير رابح بيطاط رحمه الله، إلا أنه رفض ذلك رفضا قاطعا، معتبرا أن ما قدمه لا يحتاج إلى مقابل مادي وأن أجره سيلقاه عند الله. كانت هذه بعض شهادات المجاهدين '' الذين اختاروا الظل '' ، الذين فضلوا الوقوف بعيدا عن أضواء الماديات، في حين لا نزال نسمع اليوم عن مئات المجاهدين الذين لا يزالون يطالبون بالمنحة، ولا نزال نسمع كذلك عن المجاهدين المزيفين الذين قيل في شأنهم الكثير، حتى أصبح الأمر شعارا وقضية يعودان كل عام في الجزائر بحلول المناسبات التاريخية، فبالأمس القريب فقط، راسل مجموعة من المجاهدين عبر البرلمان في سبيل إعادة فتح استقبال ملفات المجاهدين المطالبين بشهادات الاعتراف بالعضوية في صفوف المنظمة المدنية وجيش التحرير الوطني، بعد أن طوته الوزارة في سنة 1996 من باب إغلاق الباب أمام أي مجال لتشويه صورة من صنعوا الثورة الجزائرية بعد أن نزع شرعية الانتماء إلى شريحة المجاهدين لأكثر من عشرة آلاف شخص السنة الماضية.