يتفق الكثيرون على أن سر ''البنة'' أو النجاح في إعداد طبق ما، هو ''التوابل'' بما تضفيه من ذوق وعطر على الأكلات، ولكن قد تجهل الأغلبية أن الذوق المراد الوصول إليه يرتبط ارتباطا وثيقا بنوع التوابل، وكذا بكميتها، والكمية بالذات، يعتبرها البعض لب الطبق الناجح... لأن رمضان شهر الأكلات والأطباق، فإن النساء يتسابقن لإبراز مهاراتهن في المطبخ منذ الأيام الأوائل، والكثير منهن يبحثن لذلك عن أفضل الطرق والوسائل التي تحقق لهن معادلة ''الذوق الجميل''، لأنه الوحيد الذي يضمن لهن الإطراء والمدح. ويكثر الإقبال على التوابل بكافة أنواعها في الشهر الكريم، وهو ما يلاحظ في الأسواق التي تعرض بدورها تشكيلة كبيرة من التوابل والبهارات، امتدت في السنوات الأخيرة الى أصناف جديدة لم تكن معروفة ولا مستعملة في الطبخ الجزائري مثل الكاري الهندي أو الأعشاب الخاصة بإعداد العجائن أو البيتزا، لكن الخصائص التقليدية الطاغية على الأكل في رمضان، تجعل الإقبال اكبر على التوابل المستخدمة في الأطباق التقليدية وفي مقدمتها ''رأس الحانوت''، إضافة الى ''الكمون'' و''الفلفل الأحمر'' و''القرفة''. سألنا بعض السيدات عن استخدامهن للتوابل في طبخهن، فكانت الأجوبة متفاوتة، لكنها تلاقت في كون هذه المواد ضرورية وعنوان الطبخ الناجح، وكانت هندة ''الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ''كما يقال، إذ لم تتردد في الإشارة الى عدم رغبتها في الاستخدام الكثير للتوابل لعاملين أولهما صحي، باعتبار ان بعض التوابل مضر بالصحة كالفلفل الأسود والفلفل الأحمر والبهارات الحارة، والثاني أنها تغير ذوق المواد الأخرى المستخدمة سواء كانت لحوما أو خضرا، وهي تفضل الإبقاء على الذوق الأصلي لهذه المكونات ونكهتها. عكسها أجمعت الآراء الأخرى التي استقيناها على تحبيذ التنويع في التوابل لإعداد مختلف الأطباق سواء تقليدية أو عصرية، تقول أمينة ''أنا من الشغوفات بالتوابل واستخدم كل الأنواع المتاحة في السوق، بل واعمد الى اكتشاف كل جديد من خلال سؤالي عن التوابل غير المعروفة لدينا والتي أصبح بعض التجار يجلبونها. ولا اكتفي بما تحدده الوصفات، إذ ألجأ في الكثير من الأحيان الى إحداث تغييرات من خلال إضافة توابل أخرى أو زيادة الكمية حتى أصل الى الذوق الذي أريده انا، فمثلا حضرت مؤخرا طبق طاجين الزيتون الذي تعودنا على إعداده بالفلفل الأسود والقرفة، لكن انا أضفت إليه قليلا من راس الحانوت الذي جلبته من مدينة بسكرة، وكانت النتيجة مميزة، وهو ما بدا على وجه جارتي عندما تذوقت الطبق وسألتني مباشرة عما أضفته''. وتؤكد محدثتنا ان الطبخ فن ولهذا السبب فهي لا تتردد في تجريب الجديد ولا تكتفي بتطبيق الوصفات كما هي، لأنها في رحلة بحث دائمة عن التميز، وهو ما يجرها الى القراءة عن عالم التوابل في الانترنت من اجل تعميق معرفتها بهذا المجال، لتبتعد عما تصفه ب''الطبخ النمطي''... مثلها تحب السيدة زبيدة استعمال التوابل في أكلاتها، بالرغم من أنها تعترف بعدم تحكمها في الكميات، والاختلاط الذي يحدث لديها أحيانا عند عدم معرفتها للتوابل الواجب استخدامها في طبق ما، ونفس الشيء بالنسبة للكميات، حيث تفضل ان تضع كميات قليلة حتى لا يفسد الذوق، وأحيانا تكتفي بالفلفل الأسود. سألنا زكرياء وهو من بائعي التوابل والأعشاب في السوق القديمة بتلمسان عن هذا العالم، فأقر بأن سر الذوق هو ''معرفة الكمية المناسبة الواجب وضعها في الطبق'' أو ما يسمى في هذه المدينة ''الإقامة'' أو ''العبار''، فضلا عن معرفة نوعية التوابل الملائمة لكل طبق. ويضرب مثالا براس الحانوت الذي يحضره في محله الموجود منذ 1928 في سوق القيصرية، إذ يشير الى انه بحكم التقاليد يستخدم كثيرا في هذه المدينة لإعداد طبق ''الحريرة''، لكن البعض يستخدمونه حتى في إعداد الدجاج المحمر. ولهذا يصر زكرياء على القول بأن مسالة نجاح أي طبق لا ترتبط بنوعية التوابل بقدر ما ترتبط بمعرفة الكميات المستخدمة لكل طبق، ويقول ''صحيح أن هناك غش في التوابل لدى البعض وان ذلك يؤثر على الأكل، لكن المسألة الأهم هي أن الكثيرين يجهلون كيفية استخدامها وهو ما يؤثر على جودة الطبق ونكهته... فهذه التوابل وظيفتها الأساسية تعطير الطبق، لذا فإن المعرفة بالكميات التي نضعها أساسي''. وحسب محدثنا فإن اغلب التوابل التي تباع في الجزائر تجلب من آسيا، لا سيما اندونيسيا وماليزيا والهند، لكن بعضها منتج محليا ونوعيتها جيدة، لاسيما ''الكروية'' و''الحلبة'' و''السانوج''. ويشير الى ان الطلب على هذه المواد يكثر في رمضان، خاصة في الأيام الأولى، فيما تعرف الأيام الوسطى من الشهر طلبا على الأعشاب الطبية التي هي الأخرى يؤكد على ضرورة معرفة طرق استخدامها حتى تؤتي أكلها، اما في آخر شهر الصيام فيكون الطلب خصيصا على توابل الحلويات مثل ''حبة لحلاوة''. وبالنسبة لزكرياء الذي ورث إعداد التوابل عن عائلته وتخصص فيها بعد ان فشل مشروعه الحرفي، فإن الأطباق الجزائرية معروفة بكثرة استخدامها للتوابل، وتعد تلمسان عينة، معتبرا انه من الخطأ القول بان الأكل التلمساني يشبه الأكل المغربي ''لأن العكس هو الصحيح''، كما أشار مذكرا بأن تلمسان كانت عاصمة المغرب العربي، ولكن انتعاش السياحة في المملكة المغربية هو الذي قلب الأمور وأصبح كل شيء ينسب إليها.