أعطى تقرير جديد أعدته الاستخبارات الأمريكية حول العراق صورة ايجابية عن الأوضاع الأمنية في هذا البلد المحتل منذ خمس سنوات رغم استمرار سقوط المدنيين وحتى الجنود الأمريكيين يوميا، جراء تصاعد موجة العنف في مختلف أنحاء العراق · وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن التقييم الجديد للوضعية الأمنية في العراق والذي لم ينشر بعد سلم لعدد محدود من اعضاء الكونغرس وجاء قبل أسبوع من تقديم قائد القوات الأمريكية في العراق ديفيد بيتريوس والسفير ريان كروكر لتقريريهما المرحلي حول الوضعية العسكرية في العراق أمام اعضاء الكونغرس· ولكن التقرير الذي لم يكشف عن كامل مضمونه اثار حفيظة الديمقراطيين الذين اعتبروا انه جاء بهدف دعم إستراتجية الرئيس جورج بوش المنتهجة في العراق منذ بداية العام الماضي والتي تم على أساسها إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية الى العراق رغم المعارضة الديمقراطية في الكونغرس التي ما انفكت تصر على سحب القوات الأمريكية من المستنقع العراقي· ويبدو أن الديمقراطيين لم يخطئوا التقدير عندما انتقدوا مضمون هذا التقرير كون واقع الحال في الأرض العراقية مناقض تماما للصورة الوردية التي تضمنها التقرير· فبالعودة الى ما يجري يوميا في العراق يتاكد ان الاوضاع ان هي عرفت هدوءا نسبيا فانها لم تتحسن بالصورة التي اراد التقرير تسويقها، فلا التفجيرات اليومية توقفت ولا صور الدم والدمار غابت عن المشهد العراقي اليومي· ولم تكن الاحداث الدامية التي شهدتها مدينة البصرة ومعظم محافظات جنوب البلاد الا حلقة ودليلا على استمرار تدهور الأوضاع الأمنية في العراق بعد ان راح ضحيتها ما يفوق 500 قتيل وأزيد من ألفي جريح خلال اسبوع واحد· وهي الأحداث التي وضعت الحكومة العراقية أمام امتحان صعب بعد أن عجزت قواتها النظامية على احتواء الوضع لولا دعوة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أنصاره من الميليشيات المسلحة الى وقف القتال والانسحاب من الشوارع· ولكن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي يسعى للظهور بمظهر المسؤول المتحكم في زمام الأمور اضطر أمس الى اعطاء أوامره بوقف المداهمات وإعطاء الأمان لكل من يلقي السلاح من المشاركين في أحداث البصرة·كما أمر المالكي بإرجاع كافة العائلات التي اضطرت الى الفرار من مناطقها السكنية في كافة أنحاء العراق بسبب العنف ومنح مبالغ مالية لأسر ضحايا العمليات العسكرية قصد تعويض الأضرار التي لحقتها· ولكن المقاومة العراقية التي أخذت على عاتقها مسؤولية تحرير العراق مصممة على مواصلة عملياتها بدليل تطويرها في كل مرة لأساليبها الهجومية في مسعى لتأكيد وجودها وفرض منطقها على المحتل·وقد غيرت في الفترة الأخيرة من تقنياتها الهجومية باستعمال السيارات المفخخة الى استخدام تقنية الأحزمة الناسفة، في مؤشر واضح الى أن العنف في هذا البلد لن ينتهي في ظل استمرار الاحتلال الأمريكي· فقد لقي أمس ما لا يقل عن 20 شخصا مصرعهم وأصيب 60 آخرون في تفجير انتحاري بحزام ناسف استهدف موكبا جنائزيا بمدينة بعقوبة عاصمة محافظة ديالى شمال شرق العاصمة بغداد· وإذا سلمنا بأن الوضعية الأمنية في العراق قد تحسنت كما جاء في تقرير الاستخبارات الأمريكية فما جدوى الإبقاء على القوات الأمريكية في العراق التي تبرر تواجدها في هذا البلد بعدم استعادة الأمن والاستقرار اللازمين؟ ثم لماذا لا تقوم الإدارة الأمريكية بتقليص حجم قواتها وترك العراقيين يسيرون شؤونهم بأنفسهم، إذا كانت الوضعية الأمنية قد تحسنت فعلا كما جاء في التقرير؟ ولكن متاعب الأمريكيين ليست مع العراقيين فقط فالولاياتالمتحدةالأمريكية وبمغامرتها في العراق وجدت نفسها في مواجهة غير معلنة مع إيران بحكم العلاقة الوطيدة التي تربطها بالعراق· ويرى محللون أن الولاياتالمتحدة ستكون مضطرة الى التعامل مع إيران بالرغم من الخلافات الحادة بينهما وفتح باب الحوار معها من منطلق أن إيران تشكل جزءا هام من المعضلة العراقية لاسيما ما تعلق بدورها في دعم المقاومة العراقية· وحتى وان سلمنا أن الولاياتالمتحدة بدأت تتحكم شيئا فشيئا في الأوضاع في العراق رغم أن واقع الحال يثبت عكس ذلك الا انها ستجد نفسها في مأزق حقيقي مع الإيرانيين وستكون مضطرة الى تقديم تنازلات إذا ضمنت أن طهران ستساير الطموحات الأمريكية في العراق باتجاه إيقاف دعمها للمقاومة العراقية ومن ورائها وقف دعم المليشيات الشيعية المسلحة· وإذا وصل الأمر الى هذه النقطة من الانفراج فإن واشنطن ستكون مضطرة إلى تقديم تنازلات لايران بنفس درجة التنازلات التي تقدمها طهران والمؤكد أن الملف النووي الإيراني سيكون محوريا في أية صفقة محتملة بين البلدين·