تقاطعت عدة تقارير أمريكية صدرت مؤخرا وتناولت جميعها الاوضاع العسكرية في العراق حول تأكيد هشاشة الوضع العام في هذا البلد الذي لم يعرف معنى للاستقرار والأمن لاكثر من خمس سنوات منذ احتلاله في مارس سنة 2003. وتعد خلاصة هذه التقارير بمثابة اقرار ضمني من قبل العسكريين الأمريكيين على عدم فعالية الإستراتيجية الأمريكية في مواجهة المقاومة العراقية التي أثبتت قدرتها على ضرب أهداف المحتل في أي وقت ومتى أرادت. فقد انتقد آخر تقرير اصدره خبراء عسكريون امريكيون وتم تسريب بعض محتوياته امس، الإستراتيجية التي نفذتها القوات الأمريكية في العراق منذ عام 2003 والتي ثبت بعد كل هذه المدة فشلها في احتواء وضع امني ماانفك يزداد هشاشة رغم الترسانة الحربية والأموال الطائلة التي تم تخصيصها لتدمير النظام العراقي السابق ثم فصائل المقاومة الناشئة بعد سقوط العاصمة بغداد. واكد التقرير الذي صدر تحت عنوان "بالنسبة للنقطة الثانية: انتقال نحو مرحلة جديدة" أن العمليات العسكرية التي قادتها القوات الأمريكية في العراق بعد الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين سنة 2003 كانت تعاني من نقص في التحضير والنظرة الإستراتيجية الشاملة. وبالرغم من أن التقرير الذي أنجزه دونالد رايت والعقيد تيموثي ريسي المختصان في التاريخ العسكري اعتبر أن الوسائل التي استخدمتها القوات الأمريكية لتدمير نظام الرئيس المعدوم صدام حسين كانت فعالة بدليل الإطاحة بهذا الاخير في اقل من شهر بعد بدء الحرب إلا أنه أكد من ناحية ثانية أن تلك الوسائل لم تكن قابلة للاستمرار في إطار النظام الذي أرادت الولاياتالمتحدة إقامته في العراق. وهو ما يؤكد أن إدارة الرئيس بوش أخطأت التقدير عندما قررت شن الحرب على العراق وأقحمت بذلك قواتها في مغامرة غير محسوبة العواقب لم تتمكن من الخروج منها حتى بعد مرور أزيد من خمس سنوات من الاحتلال. ويعد هذا التقرير الذي لخص الوضعية العامة ل 18 شهرا التي أعقبت الإعلان عن نهاية العمليات العسكرية الكبرى على العراق الثاني من نوعه منذ صدور أول تقرير في هذا السياق حمل عنوان " المرحلة الممتدة منذ بدء المعارك وحتى رحيل صدام حسين في أفريل 2003 " . كما يأتي بعد أيام قليلة من إصدار البنتاغون الأمريكي لتقرير آخر اقر فيه بهشاشة الوضع الأمني في العراق وبعدم فعالية الاستراتيجية الأمريكية الأمنية المنتهجة في هذا البلد لإعادة استقراره وأمنه مما دحض كل تصريحات المسؤولين الأمريكيين والعراقيين التي ادعت تحسن الوضعية الأمنية بفضل عمليات فرض القانون الذي دأبت الحكومة العراقية على شنها في مختلف المناطق العراقية لفرض سيطرتها الأمنية. والمؤكد أن اعتراف البنتاغون الأمريكي بهشاشة الوضع الأمني دليل واضح على أن المقاومة العراقية نجحت في فرض منطقها سواء على قوات الاحتلال أو الحكومة العراقية بعدما فشلت كل الخطط الأمنية في إخماد صوتها. وهو الأمر الذي تدركه جيدا القيادة الأمريكية في العراق مما دفعها إلى إلغاء كل عمليات تسليم المهام الأمنية في عدد من المحافظات العراقية إلى القوات العراقية التي كانت مقررة. وأعلن مسؤولون عراقيون في مدينة الديوانية بمحافظة القادسية أمس أنه تم إرجاء تسليم المهام الأمنية من الجيش الأمريكي للقوات العراقية إلى أجل غير مسمى. وقال الشيخ غانم عبيد دهاش المتحدث باسم مجلس المحافظة إن التسليم أجل إلى موعد غير محدد بسبب إشكال في التنسيق بين الحكومة المركزية والقوات الأمريكية دون أن يعطي أية تفاصيل أخرى غير أن الجيش الأمريكي أكد أن التسليم قد ألغي. ويأتي ذلك بعد تأجيل القوات الأمريكية تسليم الملف الأمني في محافظة الأنبار إلى إشعار آخر الأسبوع الماضي وبررت ذلك بأسباب تتعلق بالأحوال الجوية. غير أن الحقيقة التي لم تشأ القوات الأمريكية ومعها الحكومة العراقية الاعتراف بها هي عدم قدرة القوات العراقية من استلام المهام الأمنية في هذه المحافظات بعد استئناف المقاومة العراقية لعملياتها الهجومية بعد فترة هدوء تكتيكي وهو ما تسبب في عودة الأمور إلى نقطة الصفر. ثم أن الحكومة العراقية لم تتمكن بالرغم من دعم الجيش الأمريكي من احتواء الوضع الأمني المستمر في التدهور حيث لا يمر يوم على العراقيين إلا وكانت صور الدم والدمار من ابرز سماته. وفي هذا السياق أعلنت مصادر من وزارة الداخلية العراقية أمس أن ثلاثة قضاة عراقيين نجوا من محاولات اغتيال استهدفت منازلهم في العاصمة بغداد. وقال المصدر أن القاضيين علاء حسين صلاح وعلي الاعلف لم يصابا بأي أذى خلال الهجمات التي استهدفت منزليهما أمس في جنوب شرق بغداد في حين أصيب القاضي غنيم عبد الله الشماري وزوجته وابنته خلال الهجوم الذي استهدف منزله في مدينة الصدر معقل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. ويأتي هذا الهجوم يومين بعد مقتل احد قضاة المحكمة العليا العراقية من قبل مسلحين مجهولين في طريق عودته إلى منزله بنفس المدينة.