هل نقتطف لحظات من الزمن لنضع يومياتنا الرمضانية في الميزان؟..هل نمسك عن المنكرات والعادات السيئة أم نمسك عن الأكل والشرب ليس إلا؟..هل نستجيب لنداء الرب في الثلث الأخير من الليل أم نرفضه ونحن في غفلتنا منغمسون؟هي أسئلة وجيهة طرحها الدكتور محمد عبد النبي، حائز على دكتوراه في العلوم الشرعية، في محاضرة بعنوان ''رمضان فرصة للمغفرة وأخرى للمراجعة'' ألقاها مؤخرا بالمركز الثقافي الإسلامي، وهي تساؤلات تثيرها مشاهد الركض وراء الماديات والمشتهيات وغزو المتسولين المحتالين وما إلى ذلك من المنكرات الرمضانية. وجاءت تفاصيل المحاضرة على لسان الدكتور محمد عبد النبي كما يلي: ''رمضان موسم يتكرر كل سنة ليعطي العبد فرصة تجديد الإيمان وتوثيق الصلة بالرب، وهو موسم نفحات التسامح والألفة والفرحة في كافة البلدان الإسلامية''، إلا أن هذه النفحات غدت في مهب التراجع منذ السنوات الأخيرة، بعد أن أصبح لسان حالنا يقول: ''إن رمضان إمساك عن الشراب والطعام فحسب." مازالت بعض العادات السيئة كالتدخين تحكم قبضتها على العديد من الناس، فيحل عليهم الشهر الكريم وكأنه عدو! فهو بذلك أسير سيجارة يعشقها، يقضي نهاره نائما وليله لاهيا وآخرون لا يمسكون عن منكرات يقترفونها في غير رمضان، يحدث كل هذا بعيدا عن حقيقة أن الصوم حجاب بين العبد والمعصية. ويواصل الدكتور تشريحه لواقع رمضان ''روح الصيام غير موجودة بعدما حولته بعض المنكرات إلى مجرد عادة، وقد أخطأ من ظن أن المعصية تنحصر في شرب الخمر أو ارتكاب بعض الفواحش الظاهرة، بل ثمة آثام باطنة يتلبس بها الصائمون بدءا بالحقد وقسوة القلب وانتهاء بالغيبة والنميمة، لكنهم عنها غافلون!". مؤشرات كثيرة تستوقفنا عندما نشاهد مستوى أخلاق العديد من شباب اليوم في رمضان وغير رمضان، ونتيجة ذلك قلوب لاهية لا تعرف لدعوة المولى: ''ادعوني استجب لكم''، استجابة؛ فلا تذلل ولا خشوع، وفي المقابل تستفحل ظاهرة سرقة الوقت في مقرات العمل، سرقة الماء والكهرباء وغيرها من المنكرات، وأوجه الغش التي لا يقترفها حتى الكفار، لكنها تجد عند كل من يقترفها مبررات فهذه السرقة التي تحولت إلى مرض اجتماعي وصلت بالمصلين إلى حد وضع أحذيتهم في موضع السجود خوفا من سرقتها، ويا له من مشهد مؤسف لما يكشفه بخصوص الثقة التي وصلت إلى درجة الصفر بين أفراد المجتمع. عدة مناظر مؤلمة تشدنا في هذا الموسم الديني وتبعثنا على التساؤل: هل نخضع لتعاليم السماء أو لتعاليم الأرض؟ وتتسلل في هذا الصدد أخبار حجز 6 أطنان من لحم الحمير خلال هذا الشهر، ومشاهد التشاجر بالأسلحة البيضاء لتعطي الجواب بأننا لا نخضع لا لتعاليم السماء ولا لتعاليم الأرض، بعد أن غاب قول الرسول -صلى الله عليه و سلم- ''...قل آمنت بالله ثم استقم'' عن ساحة حياتنا اليومية. ويضيف الدكتور ''حياتنا بعيدة عن جوهر الدين الإسلامي أو دين المعاملة، وما يجري من سلوكات غير لائقة يترجم حالة العقوبة التي نعيشها دون أن نشعر وكذا السعادة المفتقدة لدى عدة شرائح رغم حسن أوضاعهم المادية، ذلك أن سكينة القلوب التي لا تتأتى إلا بالإخلاص في العمل وفي التعامل مع الناس وتنظيم الحياة وفق ما يمنحها قيمتها الفعلية... لا يمكن أن نعيش السعادة في أرض الواقع قبل أن نعيشها في قلوبنا، ويبقى فهم الدين بمقاصده الكبرى فهما حقيقيا هو وحده الوصفة السحرية للتخلص من فوضى الحياة التي طغت على رمضاناتنا ويومياتنا ومن انتشار التدين المظهري على حساب جوهر الأخلاق والقاعدة تقول ''لا يغير اللّه ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم''، إذ تسكن بين طياتها راحة البال المفتقدة، فهلا راجعنا أنفسنا لاسترجاعها؟