من 4 ملايير دولار في 1999 إلى اكثر من 110 ملايير دولار في نهاية جانفي 2008 انتقل الحجم الكلي لاحتياطات الصرف، في الوقت الذي تمكنت فيه الجزائر من خفض ديونها الخارجية إلى 4.8 مليار دولار في نهاية 2007 بعدما كان حجمها الاجمالي يفوق ال30 مليار دولار في 1999 · هي أرقام تشير الى التقدم الهام الذي احرزته الجزائر على المستوى المالي مما اهلها وبشهادة الخبراء الدوليين لان تصبح من الدول الاكثر امانا من الناحية المالية، وتتجاوز بذلك الصورة التي رسمت لها مدة سنوات والتي كانت بالفعل تعكس واقعا صعبا عاشته الجزائر في التسعينيات بالخصوص· واذا كان ارتفاع اسعار المحروقات التي تعد المورد الوحيد للجزائر من العملة الصعبة وراء هذه النتائج الايجابية، فان التسيير الحذر الذي انتهجه بنك الجزائر مكن من الحفاظ على الاستقرار المالي للبلاد منذ 1999 · فخلال كل هذه المدة والى غاية 2007 اظهرت الاحصائيات المعدة على المستوى الوطني أو تلك التي قامت هيئات جهوية ودولية باعدادها، هذا الاستقرار الذي ميز بالخصوص نسبة النمو التي وان عرفت انخفاضا في العام الماضي، الا انها بقيت تدور في معدل متوسط قدره 5 بالمائة· كما ان نسبة التضخم بدورها استقرت في حدود 2.5 بالمائة في السنوات الاخيرة ولم ترتفع الا العام الماضي، حيث تم تسجيل نسبة 3.5 بالمائة بسبب الارتفاع في اسعار المواد الغذائية المستوردة· مع العلم ان ارتفاع التضخم يعد امرا منطقيا بالنظر الى الوضع الاقتصادي العالمي الذي بات يتميز بازمة حقيقية انعكست سلبا على اسعار المواد الاساسية مما رفع من نسبة التضخم حتى في الدول المتقدمة· وقد ساهم تراكم السيولة المالية على خلفية ارتفاع اسعار المحروقات التي مكنت الجزائر في 2007 من حصد عائدات تقارب ال60 مليار دولار في التمكين من انتهاج سياسة التسديد المسبق للديون لاسيما وان قوانين المالية مازالت تعد على اساس سعر مرجعي للبرميل قدره 19 دولارا بينما سعره في السوق العالمية تجاوز المائة دولار· وانتقل الفائض من السيولة من 100 مليار دج في 2002 الى 1100 مليار دج في 2007، حسب اخر حصيلة قدمها بنك الجزائر· وهكذا فإن الديون الخارجية للجزائر انخفضت من 30 مليار دولار في 1999 إلى 15.5 مليار دولار في 2004 ثم إلى اقل من 5 ملايير دولار في نهاية 2006 والى اقل من 4 ملايير دولار في نهاية 2004 وهو مايمثل 3 بالمائة من المنتوج الداخلي الخام للجزائر· كما ان تسديد الفوائد الخاصة بالديون الخارجية للجزائر شهد انخفاضا كبيرا سنة 2007، حيث لم يتجاوز 230 مليون دولار مقابل 760 مليون دولار سنة 2006 ومليار دولار سنة 2005. وكانت الجزائر قد سددت بين 1986 و2006 117.9 مليار دولار كديون خارجية منها 84 مليار دولار لتسديد الديون المستحقة و34 مليار دولار لتسديد فوائد الديون· من جانبها عرفت الديون العمومية انخفاضا ملحوظا بعد ان انتقلت من 1780 مليار دينار في نهاية 2006 الى 1050 مليار دج في نهاية 2007 وهو مايمثل 15 بالمائة من الناتج الداخلي الخام فيما كانت النسبة ضعف ذلك أي 32.6 بالمائة في 1999 · وترافق هذا الانخفاض الهام في الديون بارتفاع قياسي في احتياطات الصرف التي عرفت قفزات هائلة من سنة الى اخرى· فمن 4 ملايير دولار في 1999 الى 56.18 مليار دولار في 2005 ثم 77.78 مليار دولار في نهاية 2006 لتصل الى اكثر من 110 ملايير دولار في نهاية 2007 وهو ما يمثل 40 شهرا من الواردات الجزائرية من السلع والخدمات· ويعترف محافظ بنك الجزائر محمد لكصاصي ان هذا "التقدم الازدواجي" الذي عرفته الديون من جهة والاحتياطات الصرف من جهة أخرى هو الذي يقف وراء التحسن المعتبر الذي شهدته الوضعية المالية الخارجية للجزائر· وهو ما لاحظته بعثة صندوق النقد الدولي التي أجرت تقييما للوضع المالي في الجزائر بطلب من السلطات الجزائرية شهر نوفمبر الماضي، حيث قالت ان هذه الوضعية تدعمت أكثر فأكثر بفضل ارتفاع احتياطي الصرف، رغم تسجيلها لزيادة في العجز الميزاني خارج قطاع المحروقات تحت تأثير برنامج دعم النمو· وأكدت بأن وضعية الميزانية تبقى صلبة نظرا للمستوى المرتفع الذي بلغته واردات المحروقات التي مكنت من رفع حجم الأموال المودعة في صندوق ضبط الإيرادات· وتوقعت البعثة استمرار هذه الاتجاهات الايجابية في 2008 لاعتبارات عدة منها عودة النمو في قطاع المحروقات، وتسريع وتيرة النمو خارج المحروقات بفضل "تطور قوي في قطاعات الخدمات والبناء والأشغال العمومية واستعادة النشاط الصناعي" مع العلم ان نسبة النمو خارج المحروقات سجلت ارتفاعا ملحوظا في 2007 مسجلة نسبة 6 بالمائة· على صعيد متصل تشير البيانات الاحصائية إلى أنه منذ سنة 2000 تم تسجيل ارتفاع في قيمة الادخار الذي تفوق على الاستثمار وهو ماوصفه لكصاصي ب"الميزة الهيكلية للاقتصاد الوطني" التي تأتي في اطار وضع ماكرواقتصادي "صلب" راجع الى تسيير ماكرواقتصادي "سليم" · وكل هذه الأرقام جعلت المسؤول الأول عن الوضع المالي للجزائر يقول ان الوضعية المالية العمومية للبلاد تبقى"جيدة" وتتناسب مع الالتزامات الميزانية على المدى المتوسط وهو مايسمح بانجاز برنامج الاستثمار العمومي الهام، وهو الوضع الذي مكن الجزائر كذلك من الصمود امام الهزة المالية العالمية التي جرتها أزمة القروض الرهنية في الولاياتالمتحدة، مع ضرورة الاعتراف بأن عدم اندماج القطاع المالي للجزائر في الاقتصاد العالمي كان كذلك الميزة التي حدت من أثار الأزمة رغم أنها كانت السبب المباشر في تجيد عملية خوصصة القرض الشعبي الجزائري· وتشير الأرقام المسجلة حول الوضعية الاقتصادية لسنة 2007 إلى ان الجزائر تمكنت من التحكم في وضعها المالي في وقت تأثرت فيه الأسواق المالية العالمية بأزمة ذات طبيعة جديدة لاسيما بالنسبة إلى الدول الصاعدة· تبقى بعض الورشات محتاجة الى بذل جهود اكبر للحفاظ على هذه المكتسبات وهو مايعترف به مسؤولو المالية ببلادنا لاسيما فيما يتعلق بالاصلاحات البنكية التي تبقى تحد كبير مثلها مثل التخفيف من حدة البطالة التي وان عرفت نسبتها انخفاضا الى نحو 12 بالمائة فانها مازالت تشكل انشغالا خاصا للسلطات العمومية التي تعلم اهمية خفض النسبة، وهو مالن يحدث الا بنجاح سياسة الاستثمار الوطني والاجنبي لاسيما في القطاعات ذات القدرة على توظيف عدد كبير من اليد العاملة· كما أن التخفيف من حدة التبعية للمحروقات من خلال تنويع الاقتصاد الجزائري يعد تحد اخر تعمل الحكومة على العمل من اجل رفعه باعتبار انه الطريق نحو تحسين مستوى معيشة السكان عن طريق تحويل الاقتصاد الجزائري الى اقتصاد صاعد ديناميكي· وهي التحديات التي تفكر الدولة في رفعها عن طريق تطبيق استراتيجية صناعية تعتمد على تشجيع الاستثمار الوطني لاسيما الخاص وكذا جلب الاستثمارات الاجنبية المباشرة في قطاعات محددة من بينها الصناعات الغذائية والبيتروكيمياء·