حظي الرئيس الفلسطيني محمود عباس باستقبال الأبطال من طرف آلاف الفلسطينيين الذين انتظروا عودته إلى رام الله بالضفة الغربية بعد أن قدم طلبا تاريخيا إلى الأممالمتحدة لقبول عضوية دولة فلسطين كدولة مستقلة في الهيئة الأممية. وإذا كان الرئيس عباس قد ابتهج لذلك المشهد الذي استطاع من خلاله أن يتحسس درجة شعبيته وسط رأي عام فلسطيني فقد الأمل في استعادة أدنى حقوقه، كان حاضرا بجسده في رام الله ولكن كل تفكيره كان منصبا على مقر الأممالمتحدة في نيويورك، حيث ينتظر أن يشرع الأعضاء الخمسة عشر اليوم في أول جلسة لمناقشة طلب الانضمام إلى الأممالمتحدة وسط مخاوف من احتمالات متزايدة بإخراج الولاياتالمتحدة لورقة ''الفيتو'' لشل التحرك الفلسطيني في مهده ومنع مواصلة مسيرته. ومع أن الرئيس الفلسطيني أكد أن إخراج واشنطن لورقة حق النقض ليس أمرا مستبعدا، بل هو الأمر المحتمل فمعنى ذلك أن نشوة انتصاره لن تكتمل وأن الأجواء الاحتفالية التي استقبل في ظلها، أمس، في الضفة الغربية ستفتح المجال أمام معركة دبلوماسية شرسة كفة الميزان فيها مائلة لصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل التي ترفض أي اعتراف بدولة فلسطين ما لم يتم ذلك في إطار تفاوضي ثنائي بينها وبين السلطة الفلسطينية. ورغم المعرفة المسبقة بالموقف الأمريكي، فإن الإدارة الأمريكية إن هي أقدمت على إشهار ورقة الفيتو فإنها ستخسر ماء الوجه وتكشف عن حقيقة موقفها تجاه العرب والمسلمين الذين زعم الرئيس باراك أوباما في أول خطاب باتجاههم بالقاهرة المصرية في الرابع جوان قبل عامين من الآن أنه سيعمل على تفهم مشاكلهم والعمل على تلبية مطالبهم، خاصة وأن واشنطن لم تستطع استمالة الدول غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن من أجل ترجيح كفة عملية التصويت لصالح رفض قبول عضوية دولة فلسطين الدولة 194 في الهيئة الأممية دون الحاجة إلى إخراج هذه الورقة السحرية. ويبدو أن السلطة الفلسطينية لا تريد لواشنطن أن تمرر موقفها من خلال مواقف هذه الدول بقناعة أن ذلك سيعطي مصداقية أكبر للرفض الأمريكي-الإسرائيلي وهو ما جعل الرئيس عباس يسارع إلى إيفاد مبعوثين خاصين عنها إلى الغابون ونيجيريا والبوسنة الدول الأعضاء غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن والتي سيرجح تصويتها كفة ميزان القرار الذي ينتظر أن يتخذه مجلس الأمن الدولي بخصوص طلب الحصول على عضوية دولة فلسطين. وسبق لعدة مصادر دبلوماسية أن أكدت أن الإدارة الأمريكية ما انفكت تمارس ضغوطا متزايدة على الدول الثلاث من أجل إقناعها بضرورة رفض طلب عضوية فلسطين والتصويت ضده. وفي نفس الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الفلسطيني لخوض معركته الدبلوماسية على مستوى مجلس الأمن فقد وجد نفسه -أيضا- في مواجهة معركة موازية على مستوى اللجنة الرباعية التي تيقنت أخيرا بوجود قضية شائكة ومعقدة على مكتبها ويتعين تسويتها قبل انفلات الوضع بإعلانها عن مبادرة لإحياء مسار السلام ولكنها كانت مبادرة عرجاء بعد أن تجاهلت الإشارة إلى حتمية وقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية كشرط مسبق من أجل إقناع الفلسطينيين بالعودة إلى طاولة التفاوض. وإذا كان بنيامين نتانياهو قد تجاوب إيجابا مع هذه المبادرة لأنها جاءت في سياق الرغبة الإسرائيلية بعدم فرض حدود دولية للدولة الفلسطينية ودون إشارة للاستيطان، فإن عباس سارع إلى التأكيد أنه لن يجلس إلى طاولة مفاوضات مع إسرائيل إذا لم تلتزم هذه الأخيرة التزاما كاملا ونهائيا بالانسحاب إلى ما وراء حدود الرابع جوان 1967 ووقف كل عمليات الاستيطان التي شكلت إلى حد الآن عقبة رئيسية أمام أي تقدم في مفاوضات السلام. ويدرك الرئيس الفلسطيني جيدا أن عدم الحصول على ضمانات دولية صريحة سيؤدي في النهاية إلى العودة إلى نقطة الصفر وسيجد المفاوضون الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة شروط إسرائيلية تعجيزية أدت في النهاية إلى إهدار مزيد من الوقت والجهد في وقت كانت فيه الجرافات الإسرائيلية تدمر أحياء بكاملها في القدس الشريف وتقوم أخرى بتسوية الأرض لإقامة مشاريع استيطانية ضخمة ضمن استراتيجية محددة الأهداف بفرض أمر واقع على الأرض سيكون من الاستحالة على أي مفاوض مهما كانت حنكته الحصول على أي انسحاب منها. ويبدو أن الرئيس الفلسطيني وجد نفسه بين فكي كماشة حقيقية، خاصة إذا لم يحصل طلبه على الضوء الأخضر من مجلس الأمن وهو ما جعله يصر على الحصول على هذه الضمانات حتى لا يقع في نفس الأخطاء التي عرفتها جولات المفاوضات السابقة.