ردت السلطات التركية بكثير من الحدة على تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عندما أعاد أمس الإشارة إلى إبادة الأرمن على أيدي جيوش الإمبراطورية العثمانية في آخر أيامها وطالبته بعدم إقحام نفسه في قضايا لا تعنيه وان يكف على الظهور بمظهر الباحث-المؤرخ. وطالبت أنقرة على لسان اجمان باغيس وزيرها المكلف بالشؤون الأوروبية الرئيس الفرنسي الاهتمام بمشاكل الفرنسيين وعدم التحول إلى مؤرخ يفتي في قضايا لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد. وقال المسؤول التركي أنه ''من الأفضل له ولاستقرار فرنسا وأوروبا وكل العالم أن يتخلى عن لعب هذا الدور وان يكتفي فقط بالعمل على إخراج بلاده من المأزق الاقتصادي الذي يوجد فيه وان يخطط للمشاريع التي تخدم مصلحة الاتحاد الأوروبي''. وقال الوزير التركي خلال زيارته الى جمهورية البوسنة أن ''مهمتنا كسياسيين لا علاقة لها بالعودة إلى الماضي أو أحداثه ولكن العمل من اجل تحديد المستقبل'' قبل أن يتهم الرئيس الفرنسي باستغلال قضية ماضي الأرمن لأغراض انتخابية خدمة لصورته قبل موعد شهر ماي القادم. وقال إن الرئيس ساركوزي يكون قد تبنى المقاربة الأرمينية بعد أن صدم بنتائج عمليات سبر الآراء الأخيرة في فرنسا. ولم ينج الرئيس الفرنسي أيضا من انتقادات لاذعة كالها له وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو الذي انتقد ما اسماها بالانتهازية السياسية للرئيس ساركوزي وقال إن تصريحاته تدخل في إطار السياق الانتخابي الذي تعيشه فرنسا هذه الأيام في تلميح إلى توالي اتهامات الطبقة السياسية الفرنسية لبعضها البعض بتعاطي الرشوة ضمن فضائح لم يسبق أن شهدتها فرنسا قبل مواعيدها الانتخابية النيابية أو الرئاسية على حد سواء. وقال اوغلو إن فرنسا التي تطالب تركيا أن تتصالح مع ماضيها يتعين عليها أن تنظر في مرآتها هي أيضا في اشارة واضحة إلى الماضي الاستعماري المقيت لفرنسا في مختلف مستعمراتها. وجاءت ثورة المسؤولين الأتراك على الرئيس الفرنسي بعد تصريحات أدلى بها في العاصمة الأرمينية اريفان وطالب خلالها أنقرة بالإسراع بالاعتراف بما اسماه بالإبادة الجماعية للأرمن ومنحها مهلة إلى قبل نهاية عهدته الرئاسية في ماي .2012 وتثير باريس في كل مرة ما تعرض له الأرمن تحت حكم الإمبراطورية العثمانية بين عامي 1915 و1916 والتي خلفت هلاك آلاف السكان الأرمينيين حيث تعترف السلطات التركية بمقتل أكثر من 300 ألف ارميني بسبب عمليات قتل غير مقصودة وربطت ذلك بالأحداث التي سبقت انهيار الإمبراطورية العثمانية. وكان وزير الداخلية الفرنسي كلود غيون تفادى لدى توقيعه على اتفاق تعاون امني في تركيا تضخيم تصريحات رئيسه وطالب الصحفيين بعدم تأويلها ربما تفاديا لأية أزمة دبلوماسية مع أنقرة واكد أن ساركوزي لم يمنح مهلة لتركيا لتقديم اعتذارها. وعندما سئل الوزير كلود غيون عن رد فرنسا في حال قررت تركيا الاعتراف بإبادة فرنسا للجزائريين لم يشأ المسؤول الفرنسي الرد مباشرة وزعم أن ''الرئيس ساركوزي زار الجزائر وتناول المسألة وتمكن من طي الصفحة''. وهي تصريحات تفتقد للصدقية إذا علمنا أن شرائح واسعة من الشعب الجزائر وعدة أحزاب مازالت تصر على اعتراف باريس بجرائم فرنسا الاستعمارية وتلح على اعتذار رسمي وتعويض الجزائريين وخاصة أولئك الذين راحوا ضحية مجازر الثامن ماي سنة .1945 وجاءت قوة الرد التركي بعد أن أعاد الرئيس الفرنسي القول في العاصمة الأذربيجانية باكو أن تركيا مطالبة بالاعتراف بإبادة الأرمن في اقرب وقت وإلا فإنه سيضطر إلى إصدار قانون خاص بتجريم كل عمل إبادة إنسانية وهو التحذير الذي اعتبرته السلطات التركية إهانة لها وتدخل فرنسي في شانها الداخلي.