مازالت العقلية الاستعمارية تحكم بعض المسؤولين السياسيين وغير السياسيين الفرنسيين في عالم أصبح يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا أهمل شخص حيوانا في أي بقعة من بقاع العالم ومطاردته بتهمة ارتكاب جريمة لا تغتفر. هذه حال بعض المسؤولين الفرنسيين وعلى رأسهم كريستيان إسترو النائب- رئيس بلدية نيس عن حزب نيكولا ساركوزي الحاكم الذي ثارت ثائرته بسبب تنظيم القنصل الجزائري بنيس ندوة صحفية بمقر القنصلية حول القمع الدموي الذي مورس على الجزائريين في 17 أكتوبر ,1961 واعتبر تنظيم هذه الندوة الصحفية استفزازا قد يحدث توترات في علاقات البلدين. والغريب أن ''المير- النائب'' لم يدل برأي شخصي وإنما تحدث باسم مسؤولي بلديته مما يعني أنه يعبر عن رأي رسمي محليا. وبصفته نائبا وعنصرا بارزا في حزبه الحاكم فهو بالتالي يعبر عن سياسة فرنسا الرسمية في عهد رئيسه ساركوزي. ولا شك أن هذه المواقف تتصادم مع مواقف فرنسيين آخرين في أحزاب أخرى شاركوا في إحياء هذه الذكرى الأليمة وطالبوا بلدهم بالاعتراف بهذه الجريمة البشعة وعلى رأسهم رئيس بلدية باريس بيرتران دولانوي الذي اعتبر الجريمة ''خطأ سياسيا وأخلاقيا يجب أن تعترف به العاصمة الفرنسية كأقل واجب''. ولا ننسى فرانسوا هولاند المرشح الاشتراكي للرئاسيات الفرنسي الذي عبر عن تضامنه مع عائلات الضحايا عند مشاركته في إحياء ذكرى هذه المجزرة بمدينة كليشي بالضواحي الباريسية، مؤكدا أن هذه الجريمة ''كثيرا ما أغفلها السرد التاريخي للأحداث'' وأن على فرنسا أن تواجه ماضيها''. ويحيلنا موقف ممثل الحزب الحاكم ''الاتحاد من أجل حركة شعبية'' إلى تاريخ فرنسا الاستعماري القريب عندما تأسست المنظمة المسلحة السرية (OAS) وهي منظمة إرهابية وقفت في وجه فكرة استقلال الجزائر التي اضطر السياسيون الفرنسيون للاعتراف بها كحقيقة على الميدان. وكما عاشت هذه المنظمة في السنتين اللتين سبقتا الاستقلال ها هم ورثة هذه المنظمة الإرهابية اليوم على أعلى المستويات يمارسون نفس السلوكات ووفق نفس المنطق لإجهاض أي فرصة لتصالح فرنسا مع تاريخها وإعطاء بعد أكثر تفتحا للعلاقات الجزائرية - الفرنسية.