وجد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة نفسه في موقع المدافع عن حزبه مطمئنا تارة المجتمع المدني التونسي وموجها تارة أخرى رسائل باتجاه المتعاملين الأجانب ان تونس ما بعد بن علي ستبقى متفتحة على العالم وتوفر كل الظروف الملائمة لإقامة شراكة دولية واعدة. وجاءت رسائل الطمأنة التي ما انفكت توجهها حركة النهضة احد اكبر الأحزاب الإسلامية في تونس بعد أن حصدت قرابة نصف مقاعد المجلس التأسيسي المقدر عددها ب217 مقعدا وبعد أن تعالت أصوات في تونس وخارجها محذرة من ضياع مبادئ الديمقراطية ومكاسب ثورة الياسمين في سياق المواقف الإسلامية لهذه الحركة التي حصلت على اعتمادها ضمن الحراك الشعبي في تونس. وبمجرد أن أكدت أولى النتائج عن فوزها الكاسح في هذه الانتخابات سارعت حركة النهضة الى تكثيف تصريحات مسؤوليها للتخفيف من درجة التخوف التي بدأت تجد طريقها الى أوساط الرأي العام التونسي وخاصة التيارات الليبرالية والعلمانية في ان فوز النهضة يشكل استحواذا على تضحيات الشباب التونسي الذي أطاح بأعتى نظام بوليسي في الوطن العربي. وكان راشد الغنوشي العائد من منفاه الاضطراري في العاصمة البريطانية إلى أعلى هرم السلطة في تونس توقع ردود الفعل هذه وهو ما جعله يقبل حتى بفوز بسيط ضمن منطق المرحلية الذي أصبح الإسلاميون في الوطن العربي يفضلون انتهاجه لتفادي المواجهة المفتوحة مع التيارات الأخرى والقوى التي تموقعت في مختلف دواليب اتخاذ القرار في ظل الأنظمة السابقة. وهو ما جعلها أمس لا تستبعد الدخول في تحالفات سياسية مع قوى تقاسمها أو تتقارب معها في مواقف استراتيجية بخصوص إعادة بناء تونسالجديدة ضمن رسالة لتهدئة الخواطر ورغبة منها في عدم المواجهة المفتوحة رغم أغلبية المقاعد التي تمكنت من حصدها في هذه الانتخابات. وأكد نور الدين البحيري العضو القيادي في الحركة أن حزبه ''يلتزم باحترام كافة تعهدات الدولة التونسية مع الخارج'' في نفس الوقت الذي أكد فيه عزمه إعادة بناء مؤسسات دستورية قائمة على احترام القانون واحترام استقلالية القضاء وقانون الأحوال الشخصية واحترام حقوق المرأة . وتسعى حركة النهضة التونسية ضمن هذا المسعى إلى تبني النموذج التركي وانتهاج نفس الخط السياسي الذي يتبعه حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة الثنائي عبد الله غول وطيب رجب اردوغان اللذان تمكنا من الاستمرار على رأس السلطة في أنقرة لعهدتين نيابيتين متتاليتين دون أن يثير ذلك مخاوف المجتمع المدني التركي ولا القوى والدول الغربية الأخرى. والواقع أن حركة النهضة التي يفتقد مسؤولوها لأدنى تجربة في إدارة الشأن العام وجدوا أنفسهم مرغمين على الإدلاء بتلك التصريحات لأنه ليس من مصلحتهم في الوقت الحالي انتهاج سياسة مغالبة سياسية مع القوى الأخرى التي لها كلمتها بفضل النتائج التي حققتها وكل تجربة فاشلة ستحسب عليها وستدفع ثمنها في المواعيد الانتخابية القادمة وهو ما لا يريد راشد الغنوشي الوقوع فيه. وإذا علمنا أن الاقتصاد التونسي يعتمد في عائداته على استثمارات الدول الأوروبية وتدفق مواطنيها على الشواطئ التونسية فإنه لا يريد أن ينظر إليه من الخارج على انه بعبع يهدد مصالحها أو يخيف رعاياها ويحد من حريتهم في التمتع بعطلهم وفق ما تعودوا عليه في ظل النظام السابق. ويدرك الغنوشي أن عائدات بلاده مما تدره الصناعة السياحية يمثل ما نسبته 10 في المئة من الناتج الداخلي الخام ولذلك فإنه لن يجرؤ على المغامرة بفرض قوانين أو تقييدات تجعل الوجهة التونسية تزداد سوءا وقد تأكد ذلك جليا عندما هجر السياح الأوروبيون البلاد بسبب ''ثورة الياسمين'' وما تلاها من أحداث وكان ذلك بمثابة كارثة مالية على الخزينة العمومية.