بمناسبة إحياء الذكرى السابعة والخمسين لاندلاع الثورة المظفرة، برمج المركز الثقافي الجزائري بباريس عرض فيلم ''مصطفى بن بولعيد، أسد الأوراس الأشم'' في الرابع من نوفمبر الجاري بحضور الأستاذ عبد المجيد شيخي المدير العام للأرشيف الوطني، كما ستقدّم المؤرّخة مليكة رحال كتابها حول الشهيد علي بومنجل في الحادي عشر من الشهر الجاري. فيلم ''مصطفى بن بولعيد''، يفتح نافذة يطلّ من خلالها المتفرّجون على سيرة أحد كبار مهندسي الثورة التحريرية ممن ضحّوا بالنفس والنفيس من أجل الوطن، فكان من بين من سقوا أرض الجزائر بدمائهم.. ''أسد الجزائر'' الشهيد مصطفى بن بولعيد، رمز الإخلاص والوطنية، والتضحية. هذا العمل السينمائي الضخم الذي أخرجه للسينما المخرج القدير أحمد راشدي، انطلاقا من نص وحوار خطّهما الصادق بخوش، ورصد له غلاف مالي قدّر بمائتين وثلاثين مليون دينار صرف على مدى 25 شهرا عمر الإنتاج، يتناول سيرة البطل الرمز مصطفى بن بولعيد، ويرصد فترة تاريخية حاسمة في تاريخ الجزائر الحديث وثورتها التحريرية الشهيرة (1954 - 1962م) التي توّجت بطرد المحتل الفرنسي من الجزائر. الفيلم يصوّر شخصية مصطفى بن بولعيد مركّبة لا معقدة، فهو شخصية اجتماعية ناجحة، عين من أعيان الجزائر، تاجر ناجح، استطاع إطفاء نيران الصراعات القبلية التي كانت تذكي نارها فرنسا، إلى جانب إبراز نضاله وإيمانه الراسخ بضرورة تحرير الجزائر من الاحتلال من خلال حزبي ''حركة انتصار الحريات'' و''حزب الشعب''، علاوة على كونه رجلا صاحب عقل عصري حداثي، فعاد العمل إلى بدايات الحركة الوطنية في الجزائر أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، وكيف تشبّع بن بولعيد بالوطنية وعقد العزم على إنهاء الاحتلال الفرنسي للجزائر. الفيلم حرص على تتبّع السياقات التاريخية، وربط البطل ببيئته منذ أن كان شابا يافعا، حيث استطاع بن بولعيد كسب ثقة الجميع بكاريزمية مؤثرة، مما مكّنه من الارتقاء إلى رتبة عضو في اللجنة المركزية ويصير بعد ذلك قائدا من قادة المنظمة الخاصة، كما كانت لمصطفى بن بولعيد رؤية وطنية في صراعه مع المحتل، الرجل كان قيمة في حد ذاته، إذ كان يُؤثر من طرف رفاقه ليتحدث باسمهم لإقناع مصالي الحاج وكريم بلقاسم وغيرهما، وهي الخصال التي وضعها في خدمة القضية، انضمّ إلى مجموعة ال22 التاريخية، ثم ضمن فريق الستة الذين فجروا ثورة الجزائر الكبرى (1954 - 1962م). الفيلم الذي بدأ تصويره في أوائل ماي ,2007 ترجم مسار بن بولعيد النضالي وتوقّف عند أهمّ المحطات، كما استعرض مواقف عدد من الزعماء الجزائريين من الثورة التي تبنّتها مجموعة من الشباب، بدأت من لجنة الوحدة والعمل وأصبحت عشية اندلاع الثورة ''جبهة التحرير الوطني'' وذراعها العسكري ''جيش التحرير الوطني''. ومن المواقف التي رصدها الفيلم، موقف مصالي الحاج الذي اعتبر تفجير الثورة من دونه ''انحرافا وعبثا''. ويصف بن بولعيد هذا الموقف قائلا ''رفض الثورة ورفض أن يتزعّمها''، وذلك إلى جانب الطبيب محمد لمين دباغين الذي اعتبر ركوب القطار وهو يسير ''مجازفة". الفيلم يبيّن كيف ولدت جبهة التحرير الوطني وانبثق بيان ''أوّل نوفمبر''، كما أظهر رد فعل السلطات الفرنسية من اندلاع الثورة وانتهاجها سياسة الأرض المحروقة وإبادة السكّان ومحاولة مسخ هويتهم وشخصيتهم العربية الإسلامية، إضافة إلى تجميع الجزائريين في المحتشدات. تصوير الفيلم احتضنته أماكن متعددة من الجزائروفرنسا، وصولا إلى الحدود التونسية الليبية حيث اعتقلت السلطات الفرنسية مصطفى بن بولعيد وهو في طريقه إلى المشرق لحلّ أزمة السلاح والذخيرة وحكمت عليه بالمؤبد، قبل أن تحاكمه ثانية وتصدر في حقه حكما بالإعدام، لكنه نجح في الفرار من السجن وواصل مسيرة المقاومة إلى غاية استشهاده غداة انفجار مذياع مفخخ أودى بحياته يوم 22 مارس .1956