اعتبر أنيس النقاش المحلل السياسي اللبناني ورئيس شبكة الأمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية أنه يتوجب على الجزائر القيام بدور ريادي من أجل تحديد الاستراتيجية اللازمة لإقامة منظومة إقليمية قومية وأمنية في المنطقة تقف في وجه التحديات التي خلفتها متغيرات الوضع الراهن في الوطن العربي. وقال النقاش خلال محاضرة ألقاها أمس في منتدى جريدة ''المجاهد''، تناول فيها مستقبل العالم العربي في ظل التحولات العربية إنه ''يتعين على الجزائر أن تولي اهتماما خاصا بما يجري في جارتيها، ليبيا وتونس باعتبارها جزءا من المنظومة القومية والأمنية للمنطقة''، وأضاف أنه ''يجب عليها أن تأخذ زمام المبادرة لوضع هذه المنظومة وعدم ترك المجال أمام دول صغيرة أو تلك المفككة للقيام بهذه المهمة بما سينعكس سلبا على أمنها القومي''. وحسب النقاش فإن للجزائر مؤهلات وإمكانيات تسمح لها بالقيام بهذا الدور كونها دولة مستقرة وكانت رائدة في السياسة الإقليمية وهو ما يمكنها من قراءة الأوضاع والتطورات الحاصلة بكل هدوء. وأضاف أن أفضل شريك للجزائر للاضطلاع بهذه المهمة تبقى دولة مصر التي تشترك معها بنفس الخصوصيات والإرادة الحرة والمستقلة. وطالب البلدان العربية الشروع سريعا في حوار استراتيجي لسحب البساط من تحت أقدام بلدان صغيرة استأثرت لنفسها بدور ريادي في المنطقة العربية بقناعة أن الظرف مهيأ لذلك في ظل ما وصفه بالانهيار الذي يشهده الغرب وتراجع دور الولاياتالمتحدة الريادي بسبب الانتكاسات العسكرية التي أصابتها والأزمات الاقتصادية والمالية التي تعاني منها. وقدم النقاش مسحا شاملا للأوضاع السياسية في العالم على خلفية الحراك الشعبي الذي شهدته ولا تزال تشهده عدة بلدان عربية، وهو الحراك الذي رفض تسميته ب''الربيع العربي'' التي اعتبرها تسمية روج لها الإعلام الغربي تيمنا ب''ربيع براغ''، وقال إنه يفضل تسميته ب''حراك مرقط'' لأنه لم يرق بعد إلى درجة الثورة التي لها شروطها، كما أنه لا يمكن اعتباره مؤامرة ووصفه بأنه جنين في مرحلة التشكيل قد يولد مشوها أو ضعيفا، كما يمكن أن يأتي قويا. وهو ما جعل المحلل السياسي اللبناني يشكك في قدرة الثورات العربية في تحقيق أهدافها بحكم أسباب اندلاعها وقال نحن نعيش مرحلة تشبه نتائج حرب عالمية؛ فضل تسميتها بحرب عالمية رابعة وقال إنها جاءت نتاجا لما شنته الولاياتالمتحدة من حروب مباشرة في العراق وأفغانستان وحرب ثانوية تتم بطريقة غير مباشرة تقودها أجهزة استخباراتها ووسائل إعلامها. وعرج النقاش على الأوضاع في الوطن العربي وقال إن الثورة في مصر 50 بالمئة من صنع الشعب و50 بالمئة هي انقلاب عسكري بعدما تخلت المؤسسة العسكرية عن رأس النظام حسني مبارك. وبالنسبة لتونس؛ فقد اعتبر أن الغرب عمل من أجل إزالة رأس النظام وبالتالي التضحية بزين العابدين بن علي الذي طالما نظر إليه على أنه صديق حميم للغرب مخافة أن تأخذ الثورة الشعبية في هذا البلد مسارا لا يمكن التحكم فيه. ولكنه بالمقابل أبقى على آماله قائمة في أن تنجح التجربة الديمقراطية في تونس. واعتبر أن الوضع يختلف في اليمن وحتى البحرين، حيث تعيش الأولى على وقع حركة احتجاجية عنيفة تطالب بإسقاط النظام، لكنها لم تنجح حتى الآن لأنها لم تلق الدعم الدولي وهو ما يجعل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يتمسك أكثر بمواقفه الرافضة لكل فكرة للرحيل، والوضع نفسه في البحرين حتى وإن كانت حركتها الاحتجاجية تطالب ببعض التغيير وليس التغيير الجذري للنظام. لكن النقاش، الذي بدا مؤيدا للنظام السوري، توقع عدم سقوط هذا الأخير وقال إنه مازال متماسكا وأن الجيش السوري مبني على العقائدية وهو ما يجعله أكثر تماسكا. ولتبرير وجهة نظره قال إن سوريا ليست وحدها في المنطقة وهي ضمن منظومة إيرانية - تركية وسط مقاومة لبنانية وفلسطينية في إشارة إلى أن انهيار سوريا سينعكس سلبا على كامل المنطقة، وقال ''يجب أن ندعم شعار إحداث التغيير الجذري وليس التمسك بخرافة إسقاط النظام لأن النظام السوري لا يمكن أن يسقط''.