ان تكوني أما، فهي مسألة بسيطة... أما أن تكوني أما مربية؛ فهنا تكمن الصعوبة، فليست كل أم تعرف معنى التربية وتعطيها حقها، بدليل أن الواقع يحمل لنا شهادات حية لنسوة فضلن ترك تربية الأبناء للمربيات أو الجدات، أو... حتى الجارات، لسبب ما من الأسباب ... قد يكون كسر الروتين واحدا منها، إلا أن أهم مخلفات الظاهرة هو تراجع دور الأم التربوي، وهو ما سلطت عليه ''المساء'' الضوء وعرضته للمناقشة مع بعض الأساتذة المختصين في علم النفس. يحمل المجتمع الجزائري جملة من الشهادات لنسوة دفعتهن الرغبة في كسر الروتين بالخروج للعمل حتى وإن كان الأجر زهيدا، والدافع وراء ذلك هو الهروب من روتين الأعمال المنزلية، والواجبات التربوية نحو الأبناء، ولعل من بين هذه الشهادات ماراوه لنا زبير ''ع'' تقني سامٍ في الإعلام الآلي، الذي قال ''أتعجب كثيرا لحال سيدة تعمل معي لديها ثلاث أبناء، وزوجها مكتفٍ ماليا، تشتكي دائما من الصعوبات التي تواجهها جراء ضغط العمل، إلا أنها تصر على التمسك به، وتؤكد لنا في كثير من الأحيان، أن ما تجنيه من مال تنفقه على وسائل النقل، وعلى المربيات اللواتي يحرسن أبناءها فقط حتى لا تضل قابعة بالمنزل''. وإذا كانت هذه السيدة قد أوجدت لنفسها وسيلة للخروج من المنزل، فإن السيدة جميلة ''ف'' التقتها ''المساء'' ببوزريعة قالت بصريح العبارة ''منعني زوجي من العمل، فأقحمت طفلي بروضة الأطفال، بحجة أن يتعلم بعض الأمور التربوية، لأجد لنفسي حجة للخروج عند أخذه أو جلبه وبالتالي تغيير الجو، لأنني أشعر بأن الروتين يخنقني وأمل من الإشراف المتواصل على تربية الأبناء ومتابعتهم''. وإذا كان هذا جانب مما يحمله الواقع من شهادات لنسوة أتعبتهن الأشغال المنزلية، وتربية الأبناء فبحثن عن البدائل الممكنة، للترفيه الجزئي عن النفس؛ فكيف يفسر المختصون الأمر؟!
أنانية الزوج وراء بحث الزوجة عن البدائل تعتقد آسيا مهمل، أستاذة في علم النفس العيادي، أن الروتين الذي تعيشه المرأة، وعدم رغبتها في البقاء بالمنزل للإشراف على تربية الأبناء فقط، يرجع إلى أنانية الزوج، الذي يلقي بالمسؤولية الكاملة على الزوجة، خاصة في الشق المتعلق بتربية الأبناء، إلى جانب غياب التواصل بين الزوجين، مما يجعل الزوجة تستثمر النقص الذي تشعر به خارج المنزل، على حساب الأبناء. من جهة أخرى؛ تضيف المتحدثة أن بعض الأمهات يحتقرن دورهن التربوي اتجاه الأبناء بسبب قلة النضج، وغياب التوجيه، وتتذكر المتحدثة قصة سيدة عرضت عليها بعيادتها، حيث قالت ''عرضت علي سيدة مؤخرا مشكلتها الممتثلة في وقوع ابنها ضحية اعتداء جنسي بسبب انشغالها في عملها، وغياب زوجها بحكم الوظيفة، ومع هذا ظلت متمسكة بعملها حتى لا تمكث بالمنزل، لأنها ببساطة أقنعت نفسها بجملة من الأسباب التي اعتقدت أنها تستحق أن تترك بمقتضاه المنزل، ورفضت الاستثمار في أمومتها رغم حاجة ابنها الماسة لها''.
خلل في مواكبة التطور السرير للمجتمع! يعترف مصطفى، أستاذ بعلم النفس الاجتماعي بجامعة بوزريعة، بتراجع دور الأم التربوي، حيث باتت تفضل ترك دورها التقليدي، بحجة مواكبة التطورات السريعة التي يعرفها المجتمع، غير أنها، يضيف المتحدث، لم تحسن الموازنة بين دورها وواجباتها كأم وبين ما يعرضه عليها المجتمع من آفاق وإغراءات، وبالتالي نجد أن هناك تطورا غير أن هذا الأخير لم تقابله آليات تتساير معه، والنتيجة تعرض المرأة للضغوط إلى جانب التقصير والإجحاف في حق الأبناء ويضرب المتحدث مثلا ''إذا بحثنا عن الوقت الذي تقضيه الأم رفقة أبنائها، التي رفضت البقاء ببيتها وبحثت عن البدائل لتغيير الجو، أو بغية تحسين المستوى المعيشي، فنجد أنه لا يتجاوز الساعتان، هاتان الساعتين تحاول فيهما الأم التي أن تقوم بكل أعمالها المنزلية، بما في ذلك الإشراف على احتياجات الأبناء، لذا أعتقد'' يستطرد المتحدث ''أننا بحاجة لتلبية احتياجات المرأة لنتمكن من تحقيق توازن، يمكن هذه الأخيرة من مواكبة التطور السريع للمجتمع، دون أن يؤثر ذلك على أسرتها وعلى أبنائها وعلى علاقتها بزوجها.
وللغيرة عملها... يرجع محمد روبي، أستاذ مختص في الإرشاد والصحة النفسية، تراجع دور المرأة التربوي وعدم رضاه بواجباتها التقليدية إلى حالة الغيرة التي تشعر بها اتجاه المرأة العاملة مما يولد بداخلها حالة من عدم الرضا، حيث قال ''ظاهرة خروج النساء للعمل، أثرت على دور ربات البيوت اللواتي رغبن في تقليدهن، والنتيجة أوجدوا ما يسمى ب''أطفال المفاتيح''، أي أن الأم تسلم مفتاح المنزل للابن الذي يضطر للبقاء بمفره دون رقابة أو توجيه، وتغفل أن ذلك يؤثر على تكوينه النفسي وعلى تحصيله الدراسي. ويقترح الأستاذ محمد على الأمهات المدركات لدورهن كربات بيوت، أن لا يأخذن الأمر على محمل الجد، وأن يقمن بعملية الموازنة وأن يحاولن إعطاء كل ذي حق حقه ما دمن صاحبات الاختيار والرغبة في التقليد.
لابد من توجيه المقبلين على الارتباط قال جمال غاوي، دكتور في علم النفس وعلوم التربية بجامعة بوزريعة، أن نقص الوعي وعدم وجود تصور كامل حول تربية الأبناء، و إدارة الأسرة، وغياب توجيه زوجي للمقبلين على الارتباط، وراء تراجع دور الأمهات التربوي بخروجهن للعمل يبحثن عن بدائل أخرها تشجعهن على ترك البيت. وعدد المتحدث جملة من النتائج التي تترتب عن ذلك ومنها التوجه نحو الاعتماد على الغير في تربية الأبناء، على غرار الجدات والمربيات مما يؤدي إلى تدخل عدة أطراف في مسألة التربية وبالتالي يؤثر ذلك سلبا على نمو الطفل، وتطوره النفسي، إلى جانب عدم تعاون الزوج والزوجة في تربية الأبناء مما يجعلها تشعر بكثرة الالتزامات... ويقترح الدكتور جمال بعض الحلول التي يراها ضرورية لتستعيد بعض الأمهات دورهن الأساسي بالمجتمع، ومنها ضرورة أن يكون للمرأة تحديدا تصور حقيقي ودقيق عن أهمية دورها في تربية الأبناء، خاصة وأن شخصية الطفل تتأثر بما يتلقاه في السنوات الأولى من عمره، ناهيك عن عدم السماح لأطراف أخرى بالتدخل لتربية الأبناء، حتى لا يتبعثر مفهوم القيمة لديهم، وأخيرا التركيز على الحوار الدائم بين كل أفراد الأسرة، والعمل وفق مبدأ تقاسم المسؤوليات.