مما لا شك فيه، أن الظروف المعيشية المزرية، التي يتخبط فيها معظم الأسر الجزائرية، قد دفعت بالعديد من الأمهات للخروج إلى العمل وترك أطفالهن لدى المربيات، ما أدى إلى تعرض العديد منهم إلى حوادث بسبب الإهمال،إضافة إلى تعرضهم الضرب في أغلب الحالات، الأمر الذي جعل عدة أخصائيين تربويين يحذرون من التأثيرات السلبية والعادات السلوكية غير السوية، التي قد تطرأ على الأطفال بسبب التربية المتواصلة لهم من قبل المربيات اللائي أضحين بديلات عن الأمهات ولأنهن يفتقدن إلى أدنى خبرة في مجال المعاملة مع الطفل خاصة في الحالات الطارئة كالأمراض أو الحوادث وحتى كيفية التعامل النفسي مع الطفل فإنها تسببت في العديد من الحوادث المؤلمة تعرض لها أطفال أبرياء، وللوقوف على مدى خطورة هذه الظاهرة نسرد بعض العينات التي راح ضحيتها أطفال بسبب إهمال المربيات. أطفال تعرضوا للإهمال والضرب واقعة محزنة، سردتها علينا إحدى الأمهات، التي تعرض ابنها الرضيع "سفيان"، البالغ من العمر 9 أشهر لإصابات خطيرة على مستوى يديه، بعدما قامت مربيته بضربه بعنف على مستوى الأطراف الأمر الذي سبب له شللا، حيث صار لا يستطيع التحكم في أصابع يديه بشكل صحيح ولا حتى الإمساك بالأشياء وسبب معاقبة الرضيع من طرف المربية هو أن هذا الأخير أفسد جهاز التحكم الخاص بالتلفزيون لما كان يلهو به، أثناء متابعة المربية لمسلسلها المفضل. ونظرا لعدم وجود عقد مبرم بين ولي الطفل وهذه المربية، تعذر على الأم رفع دعوى قضائية ضد المربية خاصة وأن هذه الأخيرة لم تعترف أن الصبي أصيب عندها، بدليل أنها قامت بتربية ورعاية أطفال وحضانتهم، ولم يحدث معها ما حدث للطفل، وبما أن القانون لا يؤمن إلا بالأدلة الملموسة فإن حقوق الطفل ضاعت كلها ليبقى حبيس عاهة مستديمة لعدم وعي الوالدة بخطورة تسليم ابنها لمربية لا تحمل أي كفاءة. حالة أخرى عن إهمال الأطفال لدى المربيات، روتها لنا أم محمد، ذي السنة من عمره، وكلها حسرة لما جرى لفلذة كبدها وما يعانيه لحد كتابة هذه الأسطر، فقد أصيب الطفل بحروق على مستوى صدره، إذ أكدت لنا الوالدة، أنه في لحظة انشغال المربية بإعداد وجبة الغذاء والتي كانت موضوعة بمقلاة على النار، وفي لمح البصر أسرع باتجاه المقلاة وشدها إليه بكل قوة لتسقط ومحتوياتها على صدره مما سبب له حروقا متفاوتة الخطورة. لما استفسرنا عن سبب امتناعها حول رفع قضية عليها أخبرتنا، أن المربية هي جارة لها منذ سنين طويلة، معتبرة الأمر قضاء وقدر، وأن الحادثة كان يمكن أن تقع لابنها وهو عندها كما حدث له عند الجارة، وطفلها الآن يوجد في مرحلة علاج طويلة نتيجة مضاعفات الحروق الأمر الذي يستدعي إجراء عمليات جراحية كل سنتين. أما حالة الطفلة منال، فهي أكثرالحالات غرابة، نتيجة إهمال من نوع خاص، حسبما روته لنا الأم، إذ أودعت صغيرتها عند إحدى المربيات وعمرها ثلاثة أشهر، فطلبت منها المربية أن تجلب لها عربة نقل خاصة بالأطفال حتى تتمكن من أخذ الرضيعة على متنها في حالة خروجها للتسوق، الأمر الذي أفرح الأم كثيرا واعتبرته اهتماما توليه المربية لابنتها. وتمر 3 سنوات وفي الوقت الذي كان يجب فيه أن تسير الطفلة اكتشفت الأم أن صغيرتها تمشي بصعوبة وتعرج مما استدعى نقلها إلى طبيب مختص، لتتفاجأ هناك بحقيقة الأمر، حيث أكد لها الطبيب بعد إجراء فحوصات بالأشعة، أن هناك تشوها في عظام الساقين والعمود الفقري، نتيجة بقائها بصفة مستمرة خلال هذه المدة ولساعات طويلة على العربة. إذ أن عملية اطعامها وحتى تغيير حفاظاتها تتم على عربة الأطفال الموضوعة عليها. الصغيرة هي الآن بمركز إعادة التأهيل الصحي حتى تتمكن من السير بصفة طبيعية، وبما أن أسرة الطفلة منال محدودة الدخل، لم يعد بإمكان الأم مواصلة علاج ابنتها بالمركز، وكل هذا جزاء اللا مبالاة من طرف المربية والثقة العمياء للأم اتجاهها. حسان... أبنائي يسألون باستمرار عن المربية خروج الأم الى ميدان العمل، وترك أطفالها لدى المربية، ليس معناه تخليها عن مسؤوليتها كأم اتجاه ابنائها، وإنما كما يقال للضرورة أحكام، وما من سبيل آخر أمامها سوى العمل لإعالة أسرتها خصوصا إذا كان الزوج، غير قادر على توفير متطلبات أسرته، لاسيما السنوات الأخيرة التي سجل فيها تدهورا في القدرة الشرئية للمواطن، جراء ارتفاع الأسعار ناهيك عن ارتفاع تكالف الروضة والتي قدرت مصاريفها ما بين 4000 دج الى 8000دج خلال الشهر، والذي ساهم بشكل كبير للجوء الى المربية حيث وجدت هذه الأخيرة في هذا العمل مجرد تجارة تدر عليها ربحا وفيرا مقابل ذلك يعارض بعض الأزواج عمل المرأة لأن المربية لا يمكن أن تعوض مكان الأم بأي شكل من الأشكال إذ يؤكد في هذا الصدد سعيد وهو أستاذ جامعي عن رفضه القاطع لعمل المرأة بسبب خوضه لتجربة مريرة مع زوجته التي تعمل ولا تعود للمنزل الا في الفترة المسائية وهي جد متعبة فلا يتسنى لها الوقت لإعداد العشاء ولا ترتيب البيت ولا حتى الاهتمام بالأطفال ولو لساعة فقط. ويقول: "لا أؤيد عمل المرأة لأن وقتها لا يكفي للاهتمام بالعائلة ولا أوافق أن تترك أطفالها مع المربية، هذه الأخيرة التي يكون لها تأثير كبير على الأبناء لقضائها ساعات طويلة معهم". ويشاطره الرأي حسان، وهو إطار بمؤسسة عمومية، إذ يرى في غياب الزوجة وخروجها للعمل، خطر على الأبناء حيث تصبح المربية هي الأم، قائلا: عندما كانت زوجتي تعمل،أصبح أبنائي يبحثون عن المربية ويسألون عنها باستمرار، لأنها أصبحت أكثر قربا منهم ويسألون عن المربية حتى عندما يكونون الى جانب والدتهم في البيت أثناء أيام العطل الأسبوعية والمناسبات. أما السيدة حنان، وهي أم لأربعة أبناء تعمل كمدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة بإحدى المراكز بالعاصمة تؤكد أن الأمر صعب عليها في أن توفق بين أطفالها وعملها، ولكن الأمر سيكون سهلا إذا ما تفهم الزوج عملها، وذلك بتقديم تنازلات من جانبه،ويكون ذلك بتقسيم المهام بينها وبينه في رعاية وتربية الأبناء بعد الانتهاء من أوقات العمل. ومن جهتها، تقول فريال وهي سكرتيرة بإحدى المؤسسات الخاصة بولاية بومرداس وأم ل 3 أبناء، بأنها اتجهت للعمل دون تفكير فيما إذا كانت ستوفق أم لا بين عملها وتربية أبنائها لأنه حسب رأيها المربية ستتكفل بالأبناء وتقوم على خدمتهم، مؤكدة أن الزوجة قد توفق بين عملها وأطفالها حسب الزوج إذا كان متفهما لعملها. الخمول، العزلة والعدوانية... مشاكل نفسية سببها المربيات يؤكد الأخصائىون النفسانيون أن الأم هي الأقدر من غيرها على توفير وإعطاء الحنان وكذا التربية والارشاد لطفلها سيما خلال السنوات الأولى من عمره لأنه تركه في تلك المرحلة المبكرة لدى المربية يؤثر عليه سلبيا لكن بالمقابل تسعى الكثير من الأمهات للاستعانة بالمربيات كحل لهن حتى يتمكن من الخروج للعمل والأسوء أنهن يجهلن أخلاق وطبيعة وتربية المربيات لأن الطفل سيكون سهلا لزرع المربية كل مبادئها والكثير من السلبيات التي تحملها في نفسية الطفل . وعند استفسارنا حول مدى تأثير المربية على نفسية الطفل ألمحت لنا الأخصائية النفسانية السيدة فاطمة، أن المشكلة الأساسية في الموضوع هو احتلال المربية الدور الأول في حياة الطفل وهذا بحكم احتكاكه المستمر بها والتي تقوم على تلبية متطلباته من تنظيف واطعام وشرب ما يعزز ارتباط الطفل بها من جهة وفتح فجوة بينه وبين أمه من جهة أخرى، وبالتالي ابتعاده عنها كما أكدت الأخصائية النفسانية أن الطفل يصبح أكثر ميلا للعداونية بسبب شحنات الغضب الكامنة في نفسه نتيجة بعده عن أمه، دون أن ننسى العزلة، الخمول والكسل، مظاهر كثيرا ما نلاحظها على الطفل. إن معظم المربيات لا يحملن شهادات أو مؤهلات في مجال التربية الأمر الذي يفسر افتقادهن الى الخبرة في مجال المعاملة مع الطفل خاصة في الحالات الطارئة.