استضافت الجمعية الثقافية ''الجاحظية'' نهاية الأسبوع المنصرم، الشاعرة اللبنانية نسرين ياسين بلوط التي دخلت عالم الشعر والإبداع منذ حداثة سنها ووهبت مشاعرها وقلبها للوطن وكتبت للجزائر أيضا ''سفينة الشهداء''. بنت شجر الأرز وبيروت والشاعرة الرقيقة جهينة الحر، فقدت والديها وهي في سن الثانية عشرة، ففجرت لديها الطاقات الوجدانية المكبوتة انفعالات من الشجن الخيالي الشعري، فازت بالجائزة الأولى في لبنان ''لابيلياد الثقافية'' التي تنظمها مدارس لبنان، ثم هاجرت إلى كندا وتأثرت بأدب المهجر في أمريكا الشمالية، لتبحث عن الأمان الذي تزعزع لديها بعد رحيل والديها، تخاطب الوطن بعواطف جياشة، والحبيب بعتب ولوم. بدأت الأمسية بقصيدة ''تحية إلى الجزائر''، وقالت فيها: ''للجزائر قصة معها فيمد الدجى في أشواقي يستوقفني لحظ.. وقلب يذوب في صمت ووجدان بها سحر تخفق له الألباب يرق له الزهر لشطآن خضراء جزائر منبرها الروح أترنم لها توقا'' وتؤكد الشاعرة نسرين أن ديوانها ''رؤيا في بحر الشوق''، جاء خلاصة تجربة زيارتها للجزائر. معظم القصائد كُتبت من وحي الجزائر وتضمنت عددا من القصائد التي كتبتها عن وطنها الحبيب لبنان، أما ديوان ''أرجوان الشاطئ''، فجاء خلاصة للسنوات الطويلة التي قضتها الشاعرة نسرين في الغربة بكندا، حيث أجهشت الذاكرة بالحنين إلى الوطن الذي كان يسكنها رغم أنها لا تسكنه جسديا، لكن روحيا كانت تسكنه، إنه رحلة البحث عن الهوية الحقيقية، هوية الذات، هذه القصيدة لقلبها، وتقول فيها: ''أرجوان الشاطئ وقت الغروب يضيع فيها شراع سفينتي ويرتجف أفقه لرهبة الأفول يراد من الحبيب يلف عليها بذهول أرجوان الشاطئ وصمت المكان كحسرة في قلبي يخفيها الزمان''. ووقت الغروب، تنتهي ساعات العمل ويرجع الإنسان إلى ذاته، الطيور تعود إلى عشها الدافئ، والمغرب يعود إلى بيت بارد من دفء العائلة، فتمثل هذه اللحظات الإحتراق والحنين إلى الوطن. بين وطن تسكنه نسرين ووطن يسكنها، أية علاقة؟ الشاعرة نسرين تقف على البرزخ بينهما، كيف أثر وقوفك هذا على مسيرتك الأدبية؟ الأديب الكبير جبران خليل جبران قال: ''هل اتخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور وتتبعت السواقي وتسلقت الصخور'' لقد فضل أن يعيش في الغابة، في وطنه في الطبيعة الخلابة على مغريات الغربة بكل إيجابياتها، فالغربة تأخذ حيزا من حياة الإنسان، المرأ في الغربة يبحث عن هويته الحقيقية، والإنتماء الأصلي يكون لوطنه رغم أن شخصيته بدأت تتفاعل مع المجتمع الجديد، يقف عند حافة هاوية سحيقة يحار فيها هل يسقط في مغريات الغربة أم يظل مشدودا إلى وطنه، وتقول: '' أنا لم أر يوما حلوا إلا عندما رجعت إلى وطني، رغم أنني اشتغلت في إدارة الأعمال والسفارة الليبية بكندا، حياتي المادية كانت مريحة''. ثم قرأت قصيدة ''خانوا العهد يا أمي'': ''خانوا العهد يا أمي توشحوا بابتسامة العصر المتحجرة ونسوا ابتسامتك توشحت بزنابق السفح الأخضر مضوا في الحياة يكتبون أسماءهم لتتألق وتكبر وخلفوني هناك عند ساقية حالمة واعتكف للصمت في محراب السكون خانوا العهد يا أمي غرسوا الشوك في دربي أنادي لما رحلت يا أمي؟''. ماهي القواسم المشتركة بين الثالوث جبران خليل جبران والأم الشاعرة الرقيقة جهينة الحر وأرز لبنان؟ ''جبران خليل جبران كانت قراءة كتبه هي المحرك الأساسي لتفجير المكبوت من شجن روحي، في سن العاشرة قرأت ''الأجنحة المتكسرة'' و''الأرواح المتمردة'' وكتاب ''النبي'' الرائع، فيه جميع جوانب الحياة الإنسانية والإجتماعية، بالإضافة إلى رحيل أهلي في سن مبكرة أثر فيّ أكثر وفجّر طاقاتي المكبوتة، جبران كذلك عانى من رحيل أحب الناس إليه، توجد قواسم مشتركة في تكوين شخصيتي الكتابية، جبران كتب عن الأرز والوطن، الوطن هو الأم وجبران عبّر بكل أحاسيسه على لبنان في غربته من آلاف الأميال. القضية الفلسطينية قضية الشعوب العربية عبرت عنها في قصيدة ''إلى أطفال الحجارة'': ''لماذا يا أمي دائما حزينة؟ كسفينة نوح مضت في هدير البحر'' فقد وظفت نوح عليه السلام كمخلص لفلسطين، لأن الشعوب العربية تنتظر المخلص الزعيم الذي يقودها إلى تحرير القدس من الإحتلال الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس. ورغم ما تفيض به الشاعرة الرقيقة نسرين من أحاسيس إنسانية عالية، تثور كالبركان الخامد في وجه المجتمع الرجولي الذكوري الذي يضطهد المرأة ويسلبها حقوقها وحريتها، نلمح هذا في قصيدة ''يا ابن آدم''. '' من أنت أجهلك يا ابن آدم؟ تتبختر في صدر الواحة على ظهر الجواد تدعي أنك النيران تبرمها في سكات وتنحر بها صدري وتنثر فيه الرماد توغل في نهر الزمان وتستحيل إلى جماد من أنت؟ عذرا لم أدعك سيدي''. وبمناسبة حلول العام الجديد، قرأت الشاعرة نسرين قصيدة ''يغمرني عام جديد'': ''يعودني وأنا كعهدي دائما وحيدة ساكنة يعج في قلبي دبيب الحياة وأساطيرها الزائفة يأتيني وأنا أتأمل غرميدا أحمر عتيقا غير آيهة بالوقت ولا بالزمان أعتصر أيامي كأوراقي التي كدستها في ركن قديم وأتتبع حشرجة الرعد ها أنا كل عام''. وختمت نسرين اللقاء بقصيدة ''دمع تشرين وشهر تشرين بداية الخريف'' وفيه دلالة رمزية لخريف العمر ''دمع تشرين والناي الحزين وخطوات تبتعد وصدى لمرارة قلب يتقلب في حضن السنين وحيدة أنا كزهر يربو في نفس البساتين لا شجر يكتنفه ولا ندى يكلله أبكي شوقا إليك خريف بائس في قلبي يتجلى بعيدة عنك ويتكاثف المطر ضاع الفؤاد بلل ضعفي وتبلل من يلمح تضاريسي بعد اليوم... بعد أن قلبك عني تخلى؟