ينبئ التوجه الجديد الذي تشهده العلاقات الجزائرية-الألمانية بفتح آفاق واعدة للتعاون الثنائي الذي انتعش بشكل ملحوظ خلال الثلاث سنوات الأخيرة رغم قدمه والتي حالت الظروف التي عرفتها الجزائر خلال العشرية الماضية دون أن يحتفظ بوتيرته التي شهدت ارتفاعا خلال فترة السبعينيات بفضل التواجد الكبير للشركات الألمانية التي كانت تنشط في شتى القطاعات الاقتصادية. ويجمع المتتبعون على ان التعاون الجزائري-الالماني يشكل نموذجا رائدا كونه يتقاسم مقاربة البلدين في ارساء التعاون الاستراتيجي الحقيقي، بمعنى انه لا ينحصر في اقامة استثمارات يكون المستفيد منها طرف دون آخر، وهي الارادة التي جددها البلدان بمناسبة الزيارة التي قام بها وزير خارجية ألمانيا السيد غيدو فيسترفيل للجزائر منذ يومين، اكد خلالها ان الجزائر تعد شريكا حقيقيا لبلاده وبلدا محوريا في المغرب العربي. وان ما يطبع استراتيجية التعاون الالماني هو اتخاذه من الجانب التنموي اساس تواجده في الجزائر، حيث يتجلى ذلك في المجال الصناعي والبيئ والاجتماعي والصحي ..الخ، ويكفي ان نذكر في هذا الصدد الاهتمام الذي يبديه الالمان حاليا في مجال الطاقات المتجددة بالنظر الى الخبرة الكبيرة التي تزخر بها برلين في هذا المجال. واذ يرى الجانب الالماني ان مشروع ديزرتيك يعتبر مبادرة على المدى البعيد، فإنه كثيرا ما أولى اهتمامه بمشاريع ملموسة كفيلة بتعزيز التعاون الثنائي في مجال الطاقات المتجدّدة، حيث سيسمح البرنامج باشراك المؤسسات الألمانية في تنفيذه ومن ثم ترقية الاستثمارات الألمانية في الجزائر التي شهدت تراجعا سنة 2010 بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية ويذكر في هذا الصدد انه تم التوقيع على عقد حول إنجاز مزرعة هوائية بطاقة 10 ميغاواط بين (سونتروتارم) ومجمّع (سونلغاز)، كما تمّ التوقيع على عقدي استثمار آخرين. وفي انتظار الانطلاق في تجسيد المشروع فقد عرف التعاون البيئي انتعاشا ملحوظا من خلال التزود بالخبرة الالمانية في مجال التكوين البيئي بتواجد المؤسسة الالمانية للتعاون التقني (جي تي زاد) المتخصصة في الحلول البيئية، حيث ساهمت هذه الاخيرة في تحقيق عدة مشاريع وبرامج تنموية في الجزائر خاصة في مجال التسيير المدمج للموارد المائية وتحسين البيئة في اطار التنمية المستدامة وكذا في تقديم الدعم التقني والاداري للمؤسسات للتوصل الى ارساء بيئة نظيفة. كما قدمت هذه المؤسسة مساعدات في طرق انشاء مراكز للردم التقني لإزالة النفايات وفي تكوين ازيد من 1800 مندوب في مجال البيئة لفائدة المؤسسات الصناعية الجزائرية، الى جانب تكوين مختصين في مجال الاعلام وفي ميادين التحسيس والتوعية حفاظا على نظافة المحيط. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى اقامة معارض في الجزائر حول البيئة بمشاركة عارضين ألمان مختصين في مجالات المياه وتسيير النفايات والطاقات المتجددة. كما ان ما يميز طبيعة الشراكة الجزائرية-الالمانية هو تركيزها على تعزيز التشاور بين المناولين الجزائريين وجميع المؤسسات الاجنبية لتمكين الاقتصاد الجزائري من ان يصبح معيارا ونموذجا ناجحا في التنافسية العالمية، حيث يرتقب في هذا الصدد قرب الانتهاء من اعداد مشروع بين شركة ألمانية ومركب الرويبة للسيارات الصناعية، الى جانب وجود مفاوضات جارية لاعتماد شركة فولسفاغن لإنتاج السيارات السياحية. وفي المجال الزراعي فقد برز التعاون التقني الثنائي في مجال الزراعات الاستراتيجية كما هو الشأن لإنتاج الطماطم الصناعية بشرق البلاد وبالتحديد بولايات ?المة، عنابة، سكيكدة والطارف، حيث توجد أكبر مساحات زراعة الطماطم وإنشاء المصانع التحويلية، وقد عرض خبراء الزراعة الألمانية خارطة طريق لتطوير إنتاج الطماطم الصناعية بالولايات المذكورة أمام نظرائهم الجزائريين وذلك بالاعتماد على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيات الحديثة في مجال المكننة الزراعية وتكثيف الإنتاج والصحة النباتية والتسويق وتحقيق الأرباح بأقل تكلفة ممكنة ومن ثم تقديم منتوج استهلاكي بسعر منخفض. وحسب خبراء الزراعة الألمانية فإن خارطة الطريق التي انطلق في تطبيقها بالشرق الجزائري خلال شهر جانفي الجاري هي نفسها التي يجري العمل بها بألمانيا وتعتمد على المعادلة الثلاثية المشكّلة من المزارع والمحول والجامعة أو ما سمي بالكتلة الاقتصادية العملاقة التي تجمع بين الإنتاج الزراعي والصناعة والبحث العلمي والفروع الملحقة بأطراف المعادلة الثلاثة كالتمويل والخدمات والتسويق والتكوين. ودائما في سياق اضفاء مستوى التعاون البعد الملموس، تجدر الاشارة الى توقيع البلدين على محضر تسليم العقد المتضمن الدراسات والمتابعة الخاصة بمشروع جامع الجزائر لمكتب الدراسات الألماني الذي فاز بالمسابقة الهندسية الوطنية والدولية لإنجاز هذا الجامع، الى جانب التوقيع على اتفاقتي شراكة بين البلدين في مجالي الصناعة والتكوين، حيث يتعلق الاتفاق الأول باستحداث مجمع بين المؤسسة الألمانية ''أوروبول بفايدر'' الرائدة عالميا في مجال إنتاج الأعمدة الإسمنتية لنقل الطاقة الكهربائية والمجمع الجزائري الخاص ''سيفيتال''. وحسب بنود الاتفاق فإن المجمع الجديد الذي سيحمل تسمية ''سيفيبول'' ''سيقوم بنقل المعارف والمهارات وإنشاء مناصب شغل في الجزائر''. ومن شأن هذه الشراكة أن تسمح للجزائر مستقبلا ''بالانتقال من مستورد للأعمدة الإسمنتية إلى مصدر لها''. أما الاتفاق الثاني الذي تم التوقيع عليه فيخص اتفاقية إطار تتعلق بالتكوين بين المؤسسة الألمانية ''كنوف انترناشيونال'' ووزارة التكوين والتعليم المهنيين. وتنص هذه الاتفاقية على إقامة شراكة نشطة بهدف ترقية التكوين والتعليم لخلق مناصب الشغل والإدماج للشباب ومرافقة جهود التكوين وتحسين كفاءات العمال ورسكلتهم وإنشاء فضاء للتبادل المستدام. وبلا شك فإن بروز هذه الديناميكية ارستها الزيارة التي قامت بها مستشارة الجمهورية الفدرالية لألمانيا انجيلا ميركل للجزائر سنة ,2008 حيث بعثت من خلال التصريحات التي ادلت بها هنا برسائل قوية وصريحة تعلن عن ارادة برلين في تعزيز التعاون مع الجزائر، مشيدة في هذا السياق بالمكانة التي تحتلها الجزائر، كونها ''تعتبر أكبر بلد في المغرب العربي يزخر بقدرات اقتصادية كبيرة'' وأضافت أنه بالنظر إلى ''أهمية الوزن السياسي للجزائر تحدونا إرادة كبيرة في تطوير العلاقات مع الجزائر أكثر فأكثر في كل الميادين''. وفي المقابل فقد اعطت الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الى برلين في ديسمبر 2010 بعدا جديا في تفعيل التعاون من خلال الاعلان عن انشاء اللجنة المشتركة الجزائرية-الألمانية للتعاون قصد تسهيل وتعجيل الاستقرار في الجزائربالنسبة للمؤسسات الألمانية'' ومن ثم اقامة شراكة متعددة الأشكال وشاملة ومفيدة للطرفين''.