لا تزال العديد من بلديات العاصمة تواجه مشكل حل النزاعات العقارية المطروحة على مستوى العدالة منذ سنوات، وهذا في الوقت الذي لم تتمكن فيه من تجسيد المشاريع التنموية المبرمجة، بسبب الأزمة الحادة في العقار الذي تعرض لعملية استنزاف تورط فيها موظفون ومنتخبون بالبلديات، فضلا عن النزاعات بين الأشخاص نتيجة الاستفادة المزدوجة من الأراضي التي كانت ولا تزال عرضة للتجاوزات والمضاربة، حيث أشارت مصادر قضائية ل''المساء'' أن عدد القضايا العقارية التي تم تسجيلها على مستوى محاكم الجزائر العاصمة الخمس بلغت 16 ألف قضية خلال سنة.2011 وذكرت مصادرنا أن هذه القضايا موزعة على محاكم العاصمة الخمس وهي: باب الوادي، الحراش، حسين داي، سيدي امحمد وبئر مراد رايس، حيث يختلف موضوع القضايا التي قد تكون لأجل قسمة العقار، أو فك نزاع حول ملكيته، أو لأعمال حق الشفعة أو غيرها من النزاعات المرتبطة بالحقوق العقارية، كما تم تسجيل قضايا أمام القضاء الجزائي، والتي غالبا ما يكون موضوعها مرتبطا بالتعدي على الملكية العقارية، التزوير في عقود الملكية التي ينجر عنها متابعات جزائية وفقا لأحكام قانون العقوبات. وفي هذا السياق، كشفت الجولة التي قمنا بها لبعض البلديات عن تنوع القضايا المتنازع حولها، خاصة بالبلديات ذات الطابع الفلاحي التي وجد منتخبوها إشكالا كبيرا في تنفيذ بعض المشاريع الهامة، بسبب عدم الفصل في قضايا العقار المطروحة على مستوى العدالة منذ سنوات، خاصة بالنسبة لبعض البلديات التي تتميز بالطابع الفلاحي والتي تعرضت أراضيها للاستنزاف، خاصة في عهد المندوبيات التنفيذية؛ على غرار بلديات الشراقة، بني مسوس، بوزريعة، بئر الخادم، الكاليتوس، برج الكيفانوالدارالبيضاء، مما جعل النزاعات على العقار متواصلة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، نتيجة عدم تطهيره ومعرفة الإمكانيات الحقيقية لكل بلدية وحاجياتها من الأراضي التي تعرضت هكتارات منها للنهب، بدلا من إنجاز مشاريع ذات منفعة عامة، والدليل هو ما تعرضت له بلدية برج الكيفان من استنزاف لأراضيها والقضايا التي توجد أمام العدالة، منها قضية المستفيدين من قطع أرضية ب''وازان''1 و''وازان''2 التي رُفعت ضد البلدية، الولاية والوكالة التي باعت القطع الأرضية، وذلك بسبب التماطل في تسوية الوثائق منذ سنة ,1989 حسبما ذكر مراد ضربان عضو الفدرالية الوطنية للحركة الجمعوية الناشطة عبر تراب برج الكيفان، وهذا في الوقت الذي يتم -حسبه- بيع أراض بقرارات استفادة مستنسخة. مشيرا في هذا الصدد إلى أن بلدية برج الكيفان تحولت في وقت ما إلى ''وكالة عقارية'' بدلا من إنجاز مشاريع تنموية والاهتمام بوضعية البلدية التي تدهورت كثيرا، خاصة ما يتعلق بالتهيئة وحالة السوق، رغم الموقع الإستراتيجي والشريط الساحلي الذي تطل عليه برج الكيفان السياحية. وحسب عضو الفدرالية، فإن برج الكيفان عرفت ولا تزال نزاعا كبيرا حول العقار والتلاعب به من قبل المنتخبين المحليين وبعض الموظفين الذين توبعوا بتهمة تسليم قرارات استفادة مزورة من قطع أرضية سبق لهم بيعها عدة مرات لأكثر من شخص مقابل مبالغ مالية طائلة، حيث توبع 29 منتخبا وموظفا سابقا في البلدية بتهمة التعدي على الملكية العقارية، وحكم عليهم بعقوبة تتراوح بين ثماني وأربع سنوات سجنا، بينما حكم على رئيس البلدية السابق''خ-م'' بثماني سنوات سجنا نافذا لتورطه في نفس فضيحة عقارية. الملكية المزودوجة للعقار مصدر نزاع بالدارالبيضاء من جهتها تشهد بلدية الدارالبيضاء نزاعا متواصلا على العقار، حسبما أشار رئيس مصلحة التنظيم والمنازعات العقارية بالبلدية، موضحا ل ''المساء'' أن هناك نزاعات بين الأشخاص ناتجة عن الملكية المزدوجة لقطعة أرض، حيث يمكن أن تكون الإستفادة صحيحة بالنسبة للطرفين عن طريق الخطأ، بينما يرجع ذلك في عدة حالات إلى تزوير الوثائق للحصول على نفس القطعة، وهو ما يحدث بسبب تأخر المستفيدين في استغلال الأرض واعتقاد البعض الآخر أنها قطع مهملة، فيتصرفون فيها ويزورون وثائقها لتحويلها لصالحهم، مما يؤدي إلى نزاع قضائي عند ظهور المالك الحقيقي للأرض، كما تشهد نفس البلدية نزاعات أخرى؛ كاستيلاء جار ما على جزء من القطعة الأرضية لجاره أو حجب الشمس عنه أو فتح نافذة مطلة عليه. أما القضايا الأخرى المحالة على العدالة، فتتعلق بنزاع بين بلدية الدارالبيضاء والمواطن الذي يتعدى على أملاك عمومية أو يزور وثائق للاستيلاء على القطعة وبيعها، رغم أنها قابلة لإنجاز مشاريع ذات منفعة عامة وليس للبناء، كما يجري النزاع في قضايا بين البلدية والمواطن بسبب اِزدواجية الوثائق، على غرار قضية قطعة أرضية كبيرة تقع بحوش عطاف، والتي تحوز البلدية على عقد ملكيتها، كما يملك مواطن وثائق تخص نفس القطعة، حيث لاتزال هذه القضية مطروحة على مستوى العدالة منذ,2005 وهذا في الوقت الذي يبقى فيه سكان الحي ينتظرون تجسيد المشاريع التنموية الغائبة، حيث تستغرق معظم القضايا المتعلقة بالعقار عدة سنوات للفصل فيها، خاصة إذا أحيلت على المحكمة العليا أو مجلس الدولة. وحسب مسؤول مصلحة المنازعات بالدارالبيضاء، فإنه تم تسجيل51 قضية؛ منها ما يتعلق بالمستثمرات الفلاحية التي ميزت عهد المندوبيات التنفيذية والتنازل عنها من طرف رئيس المستثمرة، الأمر الذي يعارضه أعضاء المجموعة الفلاحية الذين رفعوا قضايا لاسترجاعها، فضلا عن قضايا تتعلق بإلغاء بعض المجالس البلدية استفادات تمت في عهد المندوبيات من أجل استغلال الأرض للمنفعة العامة. 127قضية نزاع ببوزريعة خلال2011 أما بلدية بوزريعة، فتعرف هي الأخرى نزاعا كبيرا حول العقار الذي استُنزف ومسته تجاوزات حالت دون إنجاز مشاريع مختلفة، حيث سجل خلال السنة الفارطة 127 قضية نزاع عقاري، كما لم يتم الفصل في بعض القضايا التي توجد على مستوى العدالة منذ عام ,1993 والتي تتعلق بالاستفادة المزدوجة، أضرار الجوار أو التعدي على ملكية الغير، فضلا عن قضايا جديدة تخص التعدي على المساحات الخضراء، مثلما هو الأمر ب ''جمعية حي الشرطة'' الذي يشهد أربع قضايا من هذا النوع، فضلا عن عدد كبير من القضايا حول التعاونيات العقارية، بسبب عدم احترام شروط وقوائم المستفيدين والتلاعب بالقائمة، مثلما هو الأمر بالنسبة لقضية تعاونية ''لافيجي''، وكذا قضية القاطنين بحي 124 شارع علي الرملي، الذين دخلوا في نزاع مع إحدى الشركات التي أقدمت على تشييد بناية من عدة طوابق بالقطعة الأرضية المجاورة لهم دون امتلاكها رخصة بناء، مما سبب لهم أضرارا، بما فيها حجب أشعة الشمس عنهم وإحداث تشققات بليغة على مستوى سكناتهم. وفي تعليقه على ما يحدث من نزاع على العقار ببلدية بوزريعة والقضايا العديدة المحالة على العدالة، أوضح رئيس مصلحة التعمير السيد حفايظ عبد القادر ل''لمساء''، أن بعض القضايا لا تستدعي رفعها أمام العدالة، وأن المواطنين يلجأون إلى ذلك للتحايل والرغبة في الحصول على عقار ليس من حقهم، خاصة في بعض الحالات التي يفترض -حسبه- أن ترفضها العدالة منذ البداية، مثلما حدث بالنسبة لمشروع إنجاز حي سكني اجتماعي في''بوسكول''1 من قبل مديرية التعمير والبناء، إلا أن المشروع جُمّد بعد أن تم التأكد من أن الأرض غير صالحة للبناء بسبب مشكل الانزلاق والتكاليف الكبيرة التي يتطلبها، إلا أن البلدية وجدت نفسها -حسب رئيس مصلحة التعمير- في مواجهة بعض المستفيدين؛ منهم سيدة اِدّعت أنها صاحبة الأرض التي تتواجد فوقها عيادة طبية أُنجزت قبل المشروع الملغى بكثير، حيث أكد محدثنا أن الإدارة وأعوانها غير محميين عند تنفيذهم لقرارات تتعلق بالعقار سواء تعلق الأمر بالهدم أو المعاينة، وأنهم معرضون للخطر، مثلما حدث في إحدى الخرجات لمعاينة تعاونية عقارية بأمر من الوالي، مؤكدا ان أعوان الإدارة المكلفين بمهمة معاينة العقارات يطالبون بالحماية، على غرار باقي إطارات الدولة، خاصة أن هناك إشكالا في تطبيق قرارات البلدية والقاضية بوقف البناء في حالة عدم امتلاك عقد الملكية، وعدم الاستحواذ على الأراضي التي استنزفت والتمادي في ذلك، والدليل هو تنامي القصدير ببلدية بوزريعة والاستحواذ على مساحات تقدر بحوالي سبع هكتارات في كل من حيي بوسماحة وفري فالون، والتي يمكنها احتضان مشاريع تنموية مختلفة. غياب أرشيف التعاونيات يرهن حل النزاعات بالشراقة من جهتها، عرفت بلدية الشراقة نزاعات عديدة متعلقة بالعقار، حيث سجلت 129 قضية على مستوى العدالة سنة,2011 منها قضايا ذات صلة بالمستثمرات الفلاحية، كون منطقة الشراقة تتميز بطابعها الفلاحي، حيث يوجد هذا النوع من القضايا بكثرة،-حسب الأستاذ سعيد يونسي محامٍ لدى مجلس قضاء الجزائر- في المحاكم التابعة لاختصاص مجلس قضاء البليدة الذي يضم محكمة الشراقة، تيبازة والقليعة على وجه التحديد، نظرا لكثرة المستثمرات الفلاحية التي تمنح -يضيف- بموجب قرارات إدارية وتمكن المستفيدين من حق الانتفاع الذي يتضمن سلطتي الاستغلال والاستعمال دون سلطة التصرف، لأن هذه الأخيرة تبقى للدولة بصفتها ''مالك الرقابة''، فيما لا يلتزم الكثير من المستفيدين بذلك ويتصرفون في المستثمرة من خلال التنازل عنها أو بيعها، وهذا رغم أن المرسوم 51-90 والقانون87-19ينصان على عدم قابلية اكتساب ملكيتها بالتقادم. وفي هذا الصدد، ذكر الأستاذ يونسي بالقضية التي أصدر بشأنها مجلس الدولة قراره في جوان ,2002 والتي كان متنازعا حولها بين(ز-ط) ووزارة الفلاحة آنذاك، حيث قضى بأنه مهما طالت حيازة الأماكن، إلا أن الملكية لا يمكن نزعها من الدولة، ذلك أن أملاك هذه الأخيرة لا يمكن اكتسابها عن طريق التقادم، كما أن القانون المدني وقانون الأملاك الوطنية تنص صراحة على عدم إمكانية تملك عقار ملك للدولة عن طريق الحيازة، مهما طالت مدتها ومهما كانت طبيعتها. عدم تنفيذ الأحكام القضائية.. إشكال عقاري وفي سياق متصل، كشف لنا مصدر من مصلحة المنازعات العقارية ببلدية الشراقة، أن هناك إشكالا في تنفيذ الأحكام القضائية رغم صدور الحكم النهائي في عدة قضايا ذات صلة بالعقار، وذلك بسبب النقص في تسخير القوة العمومية، رغم أهمية بعض العقارات التي تبقى حبيسة النزاعات وعدم الفصل فيها لسنوات، كما أثار مصدرنا غياب أو ''اختفاء'' الأرشيف الخاص ببعض القضايا المتعلقة بالتعاونيات العقارية؛ مثل''تعاونية الإحسان''التي تقع ب 37 تجزئة بن حدادي سعيد بالشراقة التي لا يحتوي أرشيف البلدية على أي ملف حولها، فضلا عن نزاعات أخرى تحدث بسبب منح البلدية قرارات استفادة بدون مداولة، ولهذا يبقى النزاع قائما للحصول على حق ملكية الأراضي التي يعد حل النزاعات القائمة بشأنها وسيلة لتجسيد العديد من المشاريع والمرافق التي يطالب بها المواطن، بينما يرجع المنتخبون عدم تحقيقها إلى غياب الأوعية العقارية بالعاصمة التي عرفت سنوات التسعينيات البداية الفعلية لاستنزافها والتسيير العشوائي لها من قبل المندوبيات التنفيذية، ثم المجالس المنتخبة، حيث تم توزيع مئات الهكتارات من الأراضي بدون حسيب ولا رقيب، مما يفسره الحجم الكبير من الأراضي التي بقيت لحد الآن بدون عقود ملكية، مثلما هو الحال بالنسبة لأصحاب قرارات الاستفادة من القطع الأرضية على مستوى بلدية باب الزوار منذ سنة 1995 الذين لم تتم بعد تسوية وضعيتهم، والمقدر عددهم بالمئات عبر كل من مناطق العالية وجنوب وشرق البلدية. وفي سياق متصل، أكد رئيس المجمع الوطني للخبراء المهندسين المعماريين عبد الحميد بوداود ل ''المساء''، على أنه يتعين على البلديات إحصاء العقار الذي تملكه، ووضع بنك معلومات خاصة بها لمعرفة إمكانياتها وحاجياتها الحقيقية، مشيرا إلى ضرورة تعاون البلديات فيما بينها خاصة القريبة من بعضها البعض وإقامة توأمة بينها لتجسيد المشاريع التنموية وإشراك المواطن في ذلك من خلال أبواب مفتوحة، وتقليص عدد الاجتماعات التي يعقدها رؤساء البلديات التي حالت-حسبه- دون الاهتمام بانشغالات المواطنين.