تشهد 57 بلدية على مستوى ولاية الجزائر تعطل مشاريعها التنموية في مختلف القطاعات الحيوية، والتي تعود بالأساس إلى مشكل غياب الأوعية العقارية لتجسيدها، رغم وفرة الموارد المالية المتاحة، أمام استحالة اللجوء إلى استغلال الأراضي الفلاحية وأملاك الخواص لاعتبارات قانونية، في الوقت الذي تسير فيه عملية مسح الأراضي بخطى متسارعة رغم العراقيل التي تعترضها لتحديد الأملاك العمومية والفردية، وهي الأزمة التي ترجعها المجالس الشعبية إلى التسيير العشوائي لمرحلة المندوبيات التنفيذية سنوات التسعينيات، بالموازاة مع ازدياد الكثافة السكانية للعاصمة ببلوغ 5 ملايين نسمة. المشروع تم تسجيله واعتماد غلافه المالي اللازم، إلا أننا في انتظار تدخل الجهات الوصية لإيجاد حل لمشكل العقار''.. هي العبارة التي اعتادت ''المساء'' سماعها باستمرار من طرف غالبية بلديات العاصمة حول واقع التنمية المحلية بها، حيث يجمع الكل على أنه باستثناء المشاريع الكبرى المتعلقة ببرامج السكن والأشغال العمومية كالنقل والطرقات، أين تتم مصادرة العقار وتعويض أصحابه في إطار المصلحة العامة، وتبقى العديد من مشاريع قطاعات التربية، والشباب والرياضة، والتجارة (الأسواق) والصحة... تنتظر حل أزمة غياب الأوعية العقارية لتجسيدها، وهو ما ينطبق حتى على المقابر، بل مشاريع السكن المحلية في عدد من البلديات، أين تقف العديد من المجالس الشعبية بين مطرقة مطالب مواطنيها في البرامج التنموية المختلفة أمام وفرة الموارد المالية، وسندان عدم إيجاد المواقع الملائمة لإنجازها، في ظل عجزها عن التوسع على حساب الأراضي الفلاحية، والحصول على عقارات شاغرة أو تنازل الخواص عنها، إلا بعد إجراءات قانونية و إدارية معقدة تتطلب الكثير من الوقت والجهد. استنزاف للأراضي في عهد المندوبيات التنفيذية عرفت سنوات التسعينيات البداية الفعلية لأزمة العقار بالعاصمة، أين شهدت العديد من البلديات فترة التسيير العشوائي لها في مرحلة المندوبيات التنفيذية، قبل الوصول إلى المجالس الشعبية المنتخبة بعدها، وهو ما أدى إلى توزيع مئات الهكتارات من الأراضي بدون حسيب ولا رقيب مثلما أكده العارفون بخبايا الأزمة ل''المساء''، وهي الفترة الانتقالية التي لم تراعَ فيها الاحتياجات الفعلية لمشاريع التنمية المحلية آنذاك، إذ لم تكن هناك نظرة استشرافية لمتطلبات البلديات من الهياكل الجوارية لسنوات طويلة، في عز الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد في تلك الفترة، الأمر الذي أدى إلى بروز الملاك الخواص في إطار ما يعرف بالتعاونيات العقارية وغيرها من التسميات، وما صاحبه من توسع على حساب أملاك الدولة والأراضي الزراعية، مما عرقل تجسيد مشاريع التنمية المحلية في عهد المجالس الشعبية المنتخبة. كما تبرز التداعيات السلبية الناجمة عن التوزيع الفوضوي لهذه الأراضي في الاحتجاجات التي ينظمها العديد من المستفيدين آنذاك بمختلف بلديات العاصمة للمطالبة بمنحهم عقود الملكية وتراخيص البناء المعطلة منذ أكثر من 15 سنة، وهو ما يطالب به نحو 800 مستفيد من الأراضي الواقعة بمنطقة ''لاكادات'' ببلدية الرويبة، متنقلين في مطالبهم بين السلطات المحلية والمقاطعة الإدارية للرويبة بحجة قرارات الاستفادة الممنوحة لهم منذ سنة ,1991 في حين عجزت هذه الهيئات عن تلبية مطالب هؤلاء باعتبارها خارجة عن صلاحياتها في انتظار بت مصالح ولاية الجزائر فيها مستقبلا. ومن جهتهم يطرح أصحاب قرارات الاستفادة من القطع الأرضية على مستوى بلدية باب الزوار منذ سنة 1995 نفس الانشغال في غياب تسوية وضعية المستفيدين منها والمقدر عددهم بالمئات عبر كل من مناطق العالية، إضافة إلى جنوب وشرق البلدية أين ينتظر هؤلاء بدورهم تمكينهم من عقود الملكية ورخص البناء مقابل وعود السلطات المحلية والمقاطعة الإدارية للدار البيضاء برفع مطالبهم أيضا إلى ولاية الجزائر، بحجة أن مشكلتهم تعود إلى سلبيات التسيير للمجالس السابقة. كما تبرز المنازعات القضائية المطروحة على مستوى المحاكم في ظل هذه الوضعية، لإثبات أحقية ملكية الأراضي للانتفاع بها باعتبارها من مخلفات التسيير العشوائي آنذاك، وهو ما يبرز جليا ببلديتي بني مسوس وبوزريعة التي تشمل لوحدها أكثر من 500 قضية نزاع حول العقار، إضافة إلى العديد من بلديات العاصمة التي تسجل عدة منازعات بين مصالح أملاك الدولة والخواص، وبين الجيران والإخوة في الملكية الواحدة للوصول إلى تطبيق قرار تقسيم الملكيات المشتركة. وبالمقابل تعرف أكثر من 12 بلدية بغرب العاصمة حسب مصادر ''المساء'' تجميد رخص البناء والاستغلال للأراضي المعنية بقرارات الاستفادة سابقا إلى حين التأكد من صلاحية هذه المناطق للبناء الفردي والجماعي أو إدراجها ضمن المناطق الزراعية أو المعنية بتجسيد البرامج التنموية. مشاريع قطاعية متوقفة إلى إشعار آخر وأمام هذه الوضعية تشتكي العديد من بلديات العاصمة من غياب المرافق الجوارية، أو عدم تلبية الموجودة منها لتطلعات سكانها في التنمية، في الوقت الذي يطغى فيه السكن على اهتمامات الجميع، انطلاقا من استفادة العديد من المشاريع السكنية الولائية من الجيوب العقارية اللازمة كبلديات عين البنيان، هراوة، الدرارية.. وغيرها، تبقى بلديات أخرى عاجزة عن تجسيد وحدات سكنية محلية خاصة بها على أراضيها كالمقرية، أولاد شبل، المرسى، بلوزداد وحسين داي... في ظل نقص الأراضي وهو ما يدفعها إلى انتظار حصتها السكنية من الولاية، في حين تبرز مشاريع سكنية خارج إقليم بعض البلديات كالجزائر الوسطى التي جسدت أكثر من 2000 مسكن اجتماعي وتساهمي عبر بلديات الكاليتوس، السحاولة ومفتاح (البلدية) وهي إحدى الحلول المقترحة للمشاريع السكنية الخاصة بولاية الجزائر من خلال تجسيدها في إحدى الولايات المجاورة كالبليدة وبومرداس. كما تنتظر العديد من البلديات حل أزمة العقار ولو جزئيا لتدعيم مرافقها الجوارية كحي بن طلحة ببلدية براقي والذي يشكو من غياب المرافق الصحية، والمدرسية والرياضية، إضافة إلى بئر الخادم التي ينتظر حل هذا الإشكال لتجسيد جملة من المشاريع المتوقفة منذ سنوات، وهو ما ينطبق على بلدية هراوة التي ورغم احتلالها المراتب الأولى بالعاصمة من حيث المشاريع السكنية المنجزة بها، التي تقارب 5000 وحدة سكنية في مختلف الصيغ إلا أن غياب الأوعية العقارية لتجسيد المشاريع التربوية في مختلف الأطوار التعليمية بالأحياء المعزولة، إضافة إلى المرافق الشبانية وغيرها من الهياكل الجوارية، جعلها متأخرة نوعا ما من حيث التنمية المحلية التي تقتصر حاليا حسب ما أوضحه ل''المساء'' نائب رئيس البلدية عبد الرحمان بن طبوش على إعادة تهيئة الطرقات وقنوات الري دون تجسيد العديد من المشاريع التنموية رغم إدراجها ضمن ميزانياتها السنوية في ظل هذا الواقع، بالموازاة مع مشروع إنجاز 19 مركزا صحيا بإقليم مقاطعة الرويبة من طرف مديرية الصحة الجوارية للرغاية، تحت إشراف الوزارة الوصية الذي يصطدم هو الآخر بصعوبة إيجاد العقار لتجسيده خلال المخطط الخماسي الجاري. وتعرقل الملكية الفردية للأراضي من جهتها جملة من المشاريع الجوارية مثلما هو الحال ببلدية درارية، إذ يبقى مصير السوق البلدي مجهولا إلى الآن، وهو ما ينطبق على بلدية بئر مراد رايس في طل الصعوبات التي واجهتها ولا تزال العديد من البرامج التنموية كالمكتبة البلدية، دار الشباب، المسبح البلدي وحظيرة السيارات بفعل امتلاك الخواص للأرضيات الملائمة المعنية بتجسيد هذه المشاريع، وهي نفس المشاكل ببلدية برج الكيفان فيما يتعلق بمشروع مكتب البريد والقاعة المتعددة الرياضات التي تم برمجتها بتجزئة ''الزينا''، في حين تصعب الملكية الخاصة للأراضي من مهمة تهيئة الأحياء ببلدية خرايسية خاصة من حيث الأرصفة وانجاز محطات للكهرباء للقضاء على مشكل الانقطاعات المتكررة، وهو المشكل الذي ترجعه السلطات المحلية إلى عدم احترام السكان المسافة الخاصة لانجاز الأرصفة وعدم سماحهم باقتطاع جزء من أراضيهم لإنشاء محطة للكهرباء وهو ما تشترك فيه غالبية بلديات العاصمة. من جهته يعرف برنامج 100 محل في كل بلدية هو الآخر، تأخرا في تجسيده في عدد من البلديات التي لم تتمكن من تجسيده بإقليمها، مثلما هو الحال ببلدية بوروبة التي لم ير البرنامج النور بها الى اليوم، في حين استعانت بلديات أخرى ببلديات مجاورة لها لتجسيده مثلما هو الحال بعين البنيان، بن عكنون والأبيار التي يتم إنجاز المحلات بكل من الشراقة، بني مسوس وبوزريعة على التوالي والمشكل نفسه نقص العقار. كما تأثر قطاع الشباب والرياضة بالعاصمة من غياب الأرضيات الملائمة لتجسيد مرافق جوارية كالملاعب، القاعات ودور الشباب لتأطير شبان الأحياء، ناهيك عن مشكل الأندية العاصمية في سباقها مع دخول عالم الاحتراف، كمولودية الجزائر، نصر حسين داي وشباب بلوزداد وغيرها من الأندية التي تعاني من افتقارها لملاعب رسمية وفق المعايير المطلوبة، فضلا عن حاجتها لمساحات واسعة لانجاز مركبات رياضية على الطريقة الأوروبية أو على الأقل شبيهة بدول الجوار كتونس والمغرب، وهو ما تفتقر إليه ملاعب العاصمة إذا ما استثنينا مركب 5 جويلية الأولمبي. ولعل ما يبرز عمق أزمة العقار هو صعوبة توسيع المقابر لإكرام الموتى بالدفن مثلما هو الحال بمقبرة القطار، العالية والرويبة، علاوة على انعدامها في عدد من بلديات العاصمة كبرج البحري، أين لا يزال الأحياء في رحلة البحث عن مكان في المقابر المجاورة أمام تحجج السلطات المحلية بعدم ملاءمة الأراضي المتاحة لانجاز هذا المرفق، ناهيك عن الملكية الخاصة التي توسعت على حساب المشاريع التنموية . مسح الأراضي، مواقع القصدير وشراء الأملاك الخاصة.. حلول متوفرة شرعت مصالح ولاية الجزائر في استكمال عملية مسح الأراضي التابعة لأملاك الدولة والخواص، بعد انطلاقها منذ أكثر من 5 سنوات بهدف تحديد جميع الملكيات بدقة وإنجاز خرائط جديدة، تكون مرجعا للسلطات الولائية والمحلية للاستعانة بها لإيجاد حلول قانونية وإدارية لأزمة العقار مستقبلا، قصد الانتفاع بها في إطار المصلحة العامة. وحسب مصادر ''المساء'' من ولاية الجزائر، فإن عملية مسح الأراضي تقدمت بنسبة تقارب 90 من مجموع الأوعية العقارية الحضرية والريفية المعنية بالمسح، حيث من المرتقب استكمالها مع بداية سنة 2013 على أقصى تقدير، بعد تدعيم اللجان الوزارية المشتركة وإطاراتها المكلفة بتسوية وضعية الأملاك العمومية والخاصة، في حين أن اللجنة الولائية الواحدة لمسح الأراضي برئاسة قاض تضم السلطات المحلية وممثلين عن مصالح التعمير، الضرائب، أملاك الدولة، الفلاحة ومختصين بمسح الأراضي، حيث يبقى المشكل الرئيسي الذي يعرقل سير العملية هو الجانب القانوني المتعلق بعدم حيازة العديد من الخواص على عقود ملكية الأراضي الصالحة للبناء أو الزراعة، مع تسجيل العديد من المنازعات في هذا الإطار، والسعي إلى حلها في أقرب الآجال الممكنة عبر مختلف الآليات المتاحة لتمكين هؤلاء من عقود الملكية. وسيسمح هذا الإجراء مستقبلا بتسهيل عملية تحديد أملاك الدولة من أراض صالحة للبناء ومساحات زراعية، إضافة إلى أملاك الخواص، وهو ما سيمكن السلطات الولائية والمحلية الاستفادة منها لإنجاز المشاريع المستعجلة وتعويض أصحابها دون تسجيل منازعات مستقبلا، باعتبارها أحد الحلول الناجعة للقضاء على أزمة العقار ببلديات العاصمة. وتجدر الإشارة إلى استفادة ولاية الجزائر في سنة 2010 من تحويل 20 هكتارا من الأراضي الزراعية من المستثمرات الفلاحية إلى أراضي قابلة للتعمير تم استغلالها في تجسيد عدد من المشاريع التنموية العاجلة في عدد من البلديات بناء على توصية من اللجنة الولائية المشتركة، باقتراح أعضاء المجلس الشعبي الولائي. ومن جهة أخرى تبرز مواقع القصدير والشاليهات المنتشرة بأنحاء العاصمة كجيوب عقارية لعدد من البرامج التنموية عبر 57 بلدية، بعد ترحيل قاطنيها في إطار البرنامج الولائي الهادف إلى القضاء على البيوت القصديرية والهشة، من خلال تجسيد العديد من المشاريع السكنية، التربوية، الصحية والشبانية وحتى المقابر، وهي أحد الحلول الآنية المقترحة في انتظار تطبيق نتائج عملية مسح الأراضي على المدى القريب.