يحتكم قطاع التأمينات ببلادنا إلى قوانين دقيقة جعلته خلال السنوات العشر الماضية يرقى إلى مستويات عالية بوأته المرتبة الخامسة إفريقيا، غير أنه يشهد تناقضات كبيرة بسبب نقص الرقابة التي جعلت الناشطين بالقطاع يعيثون فسادا في سوق الربح فيها مضمون 100 بالمائة، ورغم الأرباح المحققة تبقى ديون الشركات التي قاربت ال 90 مليارا هاجس السلطات التي تسعى إلى استرجاعها لفائدة المؤمنين الذين لا يستغنون عن كرم خزينة الدولة التي تنفق سنويا ما لا يقل عن ال 100 مليار لتعويض غير المؤمنين وضحايا شركات التأمين. اعترف السيد عبد الحكيم بن بوعبد الله، الأمين العام للمجلس الوطني للتأمينات، بوجود نقائص كبيرة في قطاع التأمينات وبتسجيل عدد معتبر من الملفات التي لا تزال عالقة والتي لا يمكن للمجلس أن يتدخل بشأنها أو يفصل فيها، غير أنه أكد أن جهل المؤمنين لحقوقهم وسوء فهم أو قراءة النصوص من قبل شركات التأمين عمق الهوة بين المؤمَّن والمؤمِّن وجعل من هذا القطاع فزاعة المستهلك الجزائري، خاصة عندما يتعلق بفرع السيارات التي تعد النقطة السوداء في القطاع للتأخر الكبير المسجل في تعويض المؤمَّنين. وفي حوار خصنا به الأمين العام للمجلس الوطني للتأمينات؛ أوضح السيد بن بوعبد الله أن هناك سوء فهم واضح للنصوص أو بالأحرى قراءة غير موحدة لها، وإلا كيف نفسر التماطل في تنفيذ الإجراءات بين الوكالة ''أ'' والوكالة ''ب'' وكيف يفسر التأخر الكبير في تعويض المؤمنين، إن لم يكن سوى ''تعمد'' أو سوء فهم للقوانين المنصوص عليها في هذا المجال والتي جعلت من زبائن شركات التأمين يدفعون الثمن غاليا من وقاتهم وأعصابهم التي فلتت جراء التقاذف الحاصل لهم بين شركات التأمين. ولعل سوء فهم النصوص ومضمون الإجراءات المتبعة في مجال التعويضات ليس مشكلا متداولا بين شركات التأمين باختلافها وتعددها بل هو حاصل بين وكالات الشركة الواحدة وهو ما عمق الإشكال، خاصة فيما يخص فرع السيارات التي تمثل أزيد من 50 بالمائة من أرباح ونشاط الشركات، غير أن هذا لا يمنع تسجيل نقائص كبيرة من جانب الزبون أو المؤمَّنين أو كما وصفها محدثنا ب''التسيب'' الواضح من جانبهم وهو ما أخلى الساحة لصالح الشركات لتعيث فسادا في سوق التأمينات. القانون فوق الجميع.. ومتجاهل من قبل الجميع يعد القانون 0406 مفتاحا سحريا لحل مشكل التأخر في تسوية ملفات وتعويضات المؤمنين المتأخرة، غير أن الجهل بوجوده غيّب حقوق الزبائن ليكون في صالح الشركات التي لا يخدمها البوح أو الترويج لهذا القانون، فيما يكتفي الزبون بقراءة سطحية لعقد التأمين الذي يربطه بوكالته ولا يسعى إلى فهم حدود تأمينه ولا التدقيق في الشروط العامة والخاصة الواردة في نسخة العقد. ويشير السيد بن بوعبد الله إلى أن القانون واضح، غير أنه متجاهل من قبل المؤمنين خاصة إذا ما تعلق الأمر بالتسوية الودية، حيث يشير القانون 0406 الصادر سنة 2006 أنه وفي حال إيداع الزبون لملفه عقب تعرضه لأي حادث فإن الخبير يقدم تقرير خبرة ويسلمه للمؤمِّن والذي لديه الخيار بين قبول تقرير الخبرة أو اللجوء إلى خبير آخر أو خبرة مضادة... ولدى تسليمه تقريرا للشركة أو الوكالة المعنية تعطى لهذه الأخيرة مهلة لدفع مستحقات الزبون وتعويضه المالي. وعندما تنقضي المهلة المحددة لوكالات التأمين دون تسوية وضعية زبونها تضطر الوكالة إلى دفع غرامات مالية عن كل يوم تأخير وهو ما لا يخدم الشركات بكل تأكيد وفي حال طبق هذا القانون؛ فإن الزبون بنفسه سيكون وراء إلغاء جميع أشكال الممارسات السلبية المطبقة من قبل شركات التأمين ويقضى نهائيا على مشكل تأخر التعويضات.. لكن لا أحد يهتم، خاصة من جانب المستهلكين لتبقى الساحة فارغة للشركات للتلاعب بالمؤمَّنين. شركات تنتزع اعتراف محليا ودوليا من جانب آخر؛ أشار السيد بن بوعبد الله إلى الأهمية التي يكتسيها قطاع التأمينات ببلادنا والانتعاش الكبير الذي وصله في ظرف قياسي لا يتعدى العشر سنوات، ومع ذلك ظل نشاط شركات التأمين حبيس حدوده الجغرافية ومحيطه على اعتبار أنه من بين العشرين شركة ناشطة بالسوق شركة واحدة فقط تحصلت على شهادة ''إيزوا'' الدولية ويتعلق الأمر بالجزائرية للتأمينات وهو اعتراف دولي على مطابقة إجراءات تسوية الملفات والمعاملات الإدارية للمؤسسة وفق المعايير الدولية المتعامل بها في هذا المجال. وإلى جانب شركة الجزائرية للتأمينات؛ اقتحمت شركة أليانس للتأمينات عالم البورصة من خلال فتح رأسمالها للاكتتاب وهو ما منحها اعترافا داخليا بالنجاح على اعتبار أن أغلب المكتتبين كانوا من الأفراد في حين تسعى شركة تأمين المحروقات ''كاش'' إلى التنقيط الدولي من خلال تحضير ملف وايداعه لدى الوكالات الدولية المعروفة في هذا المجال ويتعلق الأمر بوكالة ''ستاندار أند بول'' ولعل الاعتماد على مثل هذه التقييمات والاعترافات يخلق نوعا من الأمان بالسوق الوطنية ويرفع من المنافسة به.