تتحدث مصادر أمنية موثوقة عن وجود شبكات مختصة تقوم بالتحايل على شركات التأمين من خلال تجنيد مؤمنين للتحايل عليها وافتعال سيناريوهات لسرقة أو إتلاف ممتلكاتهم مقابل الحصول على تعويض مادي وتطال هذه الظاهرة التي تكلف شركات التأمين خسارة تقدر بالملايير القطاع التجاري، السيارات وحتى المنازل المؤمنة وقد استدعى التنامي الرهيب لهذه الآفة شراكة فعلية بين هذه المؤسسات ومصالح الأمن التي خصصت فرقا للتحقيق في هذا الملف على غرار مصالح الدرك الوطني التي طلبت مؤخرا من فروع التأمين الخاصة بالسيارات تزويدها بقائمة السيارات التي تعرضت للسرقة بغرض التحقق منها ومن احتمال تعامل أصحابها مع شبكات مختصة في التهريب والنصب والاحتيال بالإضافة إلى لجوء شركات تأمين عمومية إلى تبني نظام للكشف عن عمليات النصب والاحتماء منها وهو ما يسمى بنظام "ألفا". يعد التحايل في مجال التأمينات من الملفات التي تشد انتباه مصالح الأمن التي تفطنت إلى لجوء العديد من المؤمَّنين إلى التحايل على شركات التأمين للحصول على تعويض مريح، وتزداد هذه القضايا تعقيدا خاصة وأن هذه العمليات بدأت تأخذ منحىً تصاعديا لاسيما عندما يتعلق الأمر بفروع السيارات والأنشطة التجارية بكل أنواعها والتي وإن قلّت حالاتها إلا أن تكاليفها تعد الأهم والأكبر، علما أن الكلفة المالية لتأمين نشاط تجاري معين يقدر بالملايين وقيمة التعويض عنه تقدر بالملايير وهي بذلك تفوق التعويضات الممنوحة عن السيارات بعشرات المرات. ولا تقتصر عمليات التحايل على الأنشطة التجارية وقطاع السيارات فحسب، بل طالت العقارات من منازل وحتى الأثاث الذي أصبح التأمين عليه موضة تجارية يلجا إليها أصحاب البيوت الفخمة وكذا العصابات المحتالة التي تعمل مع أطراف متخصصة وغالبا ما تكون عملية الاحتيال بإيعاز وتعاون وثيق لأشخاص يعملون بقطاع التأمينات، علما أن أزيد من 10 بالمائة من الشكاوى الخاصة بعمليات السطو والسرقة على المنازل والممتلكات الهدف منها الاستفادة من التعويض المادي دون احتساب عمليات التحايل التي تمس السيارات لتقع بذلك وكالات التأمين ضحية نصب مختصين، في وقت يشهد فيها القطاع تطورا هاما كان من الأجدر أن توفر له السلطات الحماية اللازمة مع العمل جاهدا على تكريس مفهوم التأمين لدى المواطن من دون أن تكون له نية الاحتيال. الشرطة العلمية مجندة لإحباط عمليات التحايل وتتلقى مصالح الأمن يوميا العديد من البلاغات والشكاوى المتعلقة بعمليات السرقة والسطو التي تطال العقارات المنقولة والثابتة من منازل وأثاث وسيارات... غير أن عمليات التحقيق الخاصة بهذه العمليات كشفت في العديد من المرات أن عمليات السرقة ماهي إلا سيناريوهات لعمليات مفبركة وما أبطالها سوى ضحايا الشكوى أي أصحاب المنازل بأنفسهم والغرض هو الحصول على التعويض المادي الخاص بالسرقة والذي تدفعه شركات التأمين. ومن أجل إحباط عمليات التحايل التي يقوم بها المؤمّنون، جنّدت مصالح الأمن أعوان الشرطة العلمية التي تتكفل بالتحقيق في هذه الملفات التي أصبحت في تزايد مستمر وبدأت تطال المنازل والأثاث بشكل ملفت للانتباه بعد أن كانت في الأول مقتصرة على السيارات فحسب، وقد تم تسخير أهم الإمكانيات التي تعتمدها مصالح الشرطة العلمية للتأكد من عمليات السرقة والتأكد ما إذا كانت "الحادثة محل التحقيق" فعلية أم مجرد عملية مفبركة. وأثبتت التحريات التي قامت بها مصالح الأمن أن أزيد من 10 بالمائة من الحالات التي تم التحقيق فيها لم تكن عمليات سطو أو حرق عادية بل كانت بفعل فاعل استنادا إلى أدلة غالبا ما تكون بديهية كإقدام أحدهم على رش كمية من البنزين على مفروشات المنزل-القديمة- وإضرام النار بها ثم الادعاء أن المنزل يحترق وان الأثاث اتلف، مما يرجح فرضية سعي الضحايا إلى الحصول على التأمين من خلال هذا الإجراء لأن وصول كميات من البنزين إلى غرف النوم أو قاعات الطعام لا يكون إلا بفعل فاعل وما هذه إلا عينة من الأخطاء والزلات التي يقع فيها المتحايلون وما أكثرها بحسب مصدر أمني. غير انه ولاتهام شخص بالتحايل على شركة التأمين الخاصة به يجب الاستناد إلى الدلائل التي تتوصل إليها مصالح الأمن بل يجب الاعتماد على إثباتات قاطعة والتي غالبا ما تكون في شكل اعترافات بارتكاب الجريمة ولأجل ذلك يجب الاستعانة بأخصائيين في السلوكات بالإضافة إلى اللجوء إلى محققين خواص كما هو معمول به في الدول الغربية كفرنسا يضيف المصدر مما لا يتوفر ببلادنا. من جهتها طالبت مؤخرا مصالح الدرك الوطني عددا من شركات التأمين التي يشهد سجلّها عمليات متنامية لسرقة السيارات بإيفادها قائمة السيارات المسروقة وذلك ضمن تحقيق مدقق عن وجود شبكات متخصصة تقوم بالتحايل على شركات التأمين بالتصريح عن سرقة سياراتهم والتي في الواقع يتم تفكيكها لإعادة بيعها في شكل قطع غيار أويتم استغلالها لأغراض أخرى، علما أن عملية التحقيق ستوقع بالعديد من المؤمنين الذين سيتم توقيفهم. شركات التأمين العمومية أكبر المتضررين اعتبر الأمين الدائم للمجلس الوطني للتأمينات السيد بن بوعبد اللّه مشكل التحايل والتزوير الذي يمس قطاع التأمينات "المسألة حساسة وهامة مشيرا إلى الصعوبات التي يواجهها المختصون لا سيما فيما يتعلق بتحديد مسؤولية الشخص في حادث السرقة وغيرها، مضيفا أن عمليات التزوير والتحايل تطال بشكل كبير شركات التأمين العمومية لضعف نظامها الرقابي إن لم نقل انه منعدم، علما أن شركات التأمين الأجنبية لديها من الخبرة ما يكفي للحيلولة دون وقوعها في فخ المحتالين والمزورين. وكشف السيد بن بوعبد الله في حديث خص به "المساء" عشية تنصيبه على رأس المجلس الوطني للتأمينات مؤخرا، انه سيتم الأخذ بعين الاعتبار ظاهرة التحايل على شركات التأمين وجعلها إحدى الأولويات المهمة التي يجب العمل عليها مشيرا إلى ضرورة تركيز العمل التحقيقي على التشخيص المدقق للحادثة وتركيز الجهود على كل ما هو حادث طبيعي وما هو مفتعل، وينوي المجلس الوطني تطوير العمل في هذا المجال وجلب وسائل العمل اللازمة أخذا بعين الاعتبار التطور والتفتح الذي يشهده السوق الذي يفتح المجال لدخول عدة شركات ومتعاملين أجانب، مما يستدعي توفير حماية كبيرة وسريعة لتسهيل عمل وأداء المهنيين. وسيتم الشروع في تكوين مختصين في مجال محاربة الاحتيال والتزوير، علما أن الاستعانة بالخبرة الأجنبية في هذا المجال تكلف ميزانية ضخمة كما هو الحال مثلا في مجال التأمين البحري الذي يستدعي معاينة من طرف مختصين أجانب يتطلب جلبهم إلى بلادنا وبأموال طائلة، وبإمكاننا يضيف المتحدث تجنب هذه المصاريف أو على الأقل تقليصها عبر فتح دورات تكوينية جادة ومركزة. نظام "ألفا" حل ينتظر التجسيد.. اضطرت شركات التأمين العمومية إلى استحداث سبل وأنظمة خاصة بها لحماية نشاطها من جميع أشكال التحايل التي قد تطال خدماتها ونشاطها، وقد كانت الشركة الوطنية للتامين (SAA) السباقة سنة 2000 إلى استحداث خلية على مستواها مكلفة بالوقوف على جميع أشكال التحايل والتزوير، وقد سمحت هذه الخلية بوضع حد للعديد من التجاوزات حسب السيد مدني مكي الذي يعد "الأب الروحي" لهذه الفكرة التي تم تعميمها لاحقا على عدد من شركات التأمين الوطنية الذي أوضح ل »المساء« أن هذا النظام -الذي هو نتاج مبادرة من القطاع العمومي- يعد الأحسن وقاية من الأنظمة المعمول بها حتى بالدول المتطورة لأنه وبكل بساطة هو خلاصة التجارب الأجنبية في مجال محاربة التزوير والتحايل وكل ما ينقص في هذا النظام هو وجود أعوان مختصين في البحث والتحري وذوي خبرة في هذا المجال على غرار المحققين الخواص. وصنف السيد مكي أربعة أنواع من التحايل والتزوير، أولها "تحايل تمثيلي" ويتمثل في الحالات التي يقوم بها المؤمن بافتعال حادثة معينة وفبركة تفاصيلها في شكل تمثيلية، كأن يلجا صاحب أي نشاط تجاري إلى وضع علب كرتون فارغة في مستودع ما ثم يقوم بإضرام النار بها للادعاء لاحقا والتصريح أن سلعه المخزنة تعرضت إلى الحرق والتلف، أما الحالة الثانية فتتلخص في حادثة تدور جميع تفاصيلها على الوثائق، أي أن العملية كلها حبر على ورق والحالة الثالثة فتتعلق بوجود منكوب لكنه غير مسجل وفي هذه الحالات يتحدث السيد مكي عن تحكم واضح وتراجع ملحوظ لهذه الحالات بسبب وجود شبكة معلوماتية هامة أما الحالة الأخيرة فتتعلق بالمنكوبين الحقيقيين والذين يتلاعبون في قيمة التأمين من خلال تضخيمها. ويضيف السيد مكي مدني الذي يشغل منصب مسئول فرع السيارات بالشركة الوطنية للتأمين، أنه لا يمكن تحديد نسبة التحايل والتزوير الحاصل بقطاع التأمينات وهي مهمة تصعب على أكبر المختصين، لأن التحايل لا يتم في العلن وبالتالي كشفه ليس من الأمور السهلة حتى على المختصين، غير انه يمكن تصنيف المجالات الأكثر استهدافا من قبل المتلاعبين والأكثر كلفة ويتعلق الأمر بالأنشطة التجارية التي وان سجلت عددا محتشما من الحالات، إلا أن تكاليفها تقدر بالملايير يليها فرع السيارات الذي تصل عمليات التحايل بها حدود 600 مليون دج، مشيرا أن الشركة الوطنية للتأمين تكبدت سنة 2007 خسائر مالية تقدر ب42 مليون دج من مجمل قيمة التأمين التي تجاوزت السبعة ملايير فيما بلغ عدد الملفات التي قام أصحابها بمحاولات تحايل 262 ملفا. وكان للتعاون الجزائري الأوروبي الفضل في تطوير مشروع "ألفا" وذلك ضمن برنامج التعاون "ميدا"حيث استفادت الشركة الوطنية للتأمين من برنامج تأهيلي شمل أنظمة الحماية التي كان من بينها نظام "ألفا" وقد عبر مسؤولو "ميدا أنداك" عن ارتياحهم لهدا النظام وطالبوا بتطويره وتعميمه عبر جميع شركات التأمين العمومية ومنه جاء مشروع أو فكرة إنشاء نظام ميدا الموحد المعروض في شكل جمعية تعنى بالتحايل والتزوير في قطاع التأمينات والتي لم تر النور ولم تتحصل بعد على الاعتماد الرسمي من طرف الهيئات المعنية التي احتارت في الشكل التجاري والإداري الذي يجب أن تكون عليه "ألفا" وهذه الحجة لا تعدوا إلا أن تكون مجرد تعقيدات إدارية تحول دون إنشاء الجمعية وذلك مند سنة 2001. وبحسب السيد بابا سليمان رئيس جمعية "ألفا" فان إنشاء الجمعية جاء في الوقت الذي دقت فيه جل شركات التأمين الناشطة ببلادنا ناقوس الخطر بسبب تنامي ظاهرة التحايل والنصب والتزوير على شركات التأمين سواء العمومية منها وحتى الخاصة، هذه الأخيرة التي بدأت تغازل جمعية "ألفا " للانضمام إليها والاستفادة من الحلول التي تقدمها لمواجهة هذه الظواهر. وقد شجع خبراء في مجال التأمين إنشاء مثل هذه الجمعية التي اعتبروها الحل الواقعي الوحيد -على الأقل في الوقت الحالي- لمواجهة الاحتيال والتزوير في قطاع التأمينات ويمكن اعتبار المشروع رائدا في منطقة الوطن العربي علما أن غالبية الأنظمة العربية تعتمد على خبراء أجانب وأفكار مستوردة لا تتماشى والطبيعة التأمينية المنتهجة في دولنا مما أدى وفي الكثير من الأحيان إلى فشلها وبالتالي تفشي هذه الظاهرة في الوطن العربي، الذي لم يصل إلى حلول محلية لمواجهتها.