ينظم ''مقهى بارباس'' بالعاصمة باريس الى غاية 24 فيفري الجاري، تظاهرة ''الكاباريه المتوحش''، الذي يستعرض تراث الأغنية الجزائرية بالمنفى وستشمل هذه الدورة 15 عرضا جديدا من توقيع مزيان ازاييس والمؤرخة نعيمة ياحي. يقدم ''مقهى بارباس'' من خلال لوحات مختلفة من العروض الموسيقية، تاريخ هجرة الجالية الجزائريةبفرنسا ويسلط الضوء على فئة من هذه الجالية التي دفعتها ظروف الحياة القاسية إلى العمل بفرنسا، حيث كانت الغالبية من هؤلاء من عمال المصانع (اليد العاملة الرخيصة) ومن الأجراء باليوم، وبرز فيهم فنانون تناسوا شقاء الحياة اليومية وقدموا روائع موسيقية في النوادي والمقاهي الليلية المخصصة للمهاجرين. تسرد العروض وبكل التفاصيل المؤلمة حياة هؤلاء العمال الجزائريين، الذين سكنوا الأكواخ أو منازل تكدس العشرات منهم في غرفة واحدة، لكنهم مع كل مساء يسارعون الى هذه المقاهي لنسيان يومياتهم، بعضهم يغني وأغلبهم يستمع ويستمتع. شهدت الفترة الممتدة من سنة 1930 حتى ,1960 أوج مراحل اغنية المنفى، كان فيها غالبية المطربين عمالا بسطاء وكونوا لهم نظاما وقانونا خاصا بهم يختلف عن ذلك الموجود في فرنسا، كما استطاعوا كسر وحشية الغربة وعزلة المغتربين الذين جمعتهم العروض الفنية بهذه المقاهي الفنية، بل أكثر من ذلك، تم من خلال هذه الإبداعات المحافظة على تراث الجزائر الوطني واضافة رموز فنية وقيم اجتماعية جديدة. من رواد هذه الأغنية الشيخ الحسناوي، سليمان عازم، محمد مازوني، حنيفة، دحمان الحراشي، أكلي يحياثن، كمال حمادي، محمد جاموسي، ميسوم، صلاح سعداوي (أوكيل عمار) وغيرهم. تشارك في هذه الدورة المغنية وعازفة القيتار سميرة ابراهمية، حفيظ جمعي، آني يايان الذي سيغني ويمثل، صلاح قواوة، مليك كروشي، مامون دحان، عمار شاوي، وغيرهم من الموسيقيين والممثلين والراقصين. ومن ضمن ما سيقدم من تراث المنفى نجد ''الدار البيضاء'' للفنان الحسناوي و''الجزائر بلادي الجميلة'' لسليمان عازم و''اللي راح او ولى'' للمرحوم الحراشي و''سئمت.. انتهى الأمر'' للشيخة الريميتي و''خو خو مانيا'' لرشيد طه وغيرها من الروائح الكلاسيكية.تتناول العروض أيضا التطور الذي تعرفه أغنية المنفى مع الأجيال المتلاحقة، وما هي الإضافات التي تعزز بها هذا التراث الثقيل عبر قرن م الوجود. كا يقدم بالمناسبة فيلم وثائقي للمخرج عزيز سماتي، يتناول تاريخ مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس، والتي انتفض فيها الجزائريون لاستعادة كرامتهم وما كان من تضحيات جسام دفعها هؤلاء أمام الآلة الاستعمارية التي لم تفرق بين صغيرهم وكبيرهم، كما ربط هذا الشريط بين الأحداث وتطور أغنية المنفى.تنظم في الفترة ما بين العروض خرجات لأهم الأماكن، التي شهدت تاريخ حركة هجرة العمال الجزائريين تماما، كما كان في الدورة السابقة التي شهدت خرجات الفنانين الى الأحياء الشعبية بالدائرة الباريسية ال,19 منها الحمام، محل العطارة ومقهى المتقاعدين. تشهد هذه الدورة أيضا تنظيم لقاءات فكرية وموائد مستديرة بمواضيع مختلفة، منها ''الثورات العربية المرحلة الثالثة من النضال ضد الاستعمار''، وذلك بالتنسيق مع تظاهرة ''الأسبوع المناهض للاستعمار''، إضافة الى عديد المعارض، منها معرض للصور الفوتوغرافية من توقيع ليلى بوسنينة ''شيباني هنا'' ثم معرض علي قسوم ''فن التركيب''. ويقام بالمناسبة أيضا بيع بالإهداء مع حمو بوعكاز مساعد عمدة باريس المكلف بالحياة الجمعوية والديمقراطية المحلية، لتقديم كتابه ''أعمى، عربي ورجل سياسة هل يدهشكم ذلك؟''، الصادر عام 2011 ويتضمن قيم وذاكرة الأجداد. للإشارة، تهدف هذه التظاهرة إلى تعريف جيل الشباب من الجزائريين المهاجرين بتاريخ أجدادهم بفرنسا واستعراض تراثهم من فن وقيم وتاريخ سياسي، وذلك من خلال حوار فني مدروس يتماشى والزمن الذي يعيشه هؤلاء الشباب، وبالتالي تمتين حلقة التواصل بين الأجيال (الأحفاد بالأجداد)، ناهيك عن إشراك الفنانين الشباب، خاصة من بارباس في هذه التظاهرة. من جهة أخرى، تسعى التظاهرة الى الاحتفاظ بعلاقة متينة تجمع هؤلاء الشباب بوطنهم الأم الجزائر والافتخار بالانتماء إليها والعيش في فرنسا بكرامة تامة. ويبقى ''المقهى'' مكانا تاريخيا تجتمع فيه ذكريات المهاجرين، حيث كانوا يستمعون فيه للراديو وأخبار الجزائر ويتلقون فيه البريد (الرسائل والطرود) ويتمتعون فيه بروائع الألحان، وها هو اليوم جسر ممتد يربط الضفتين وقد يلاقي جمهوره على أرض الجزائر. للتذكير، نظمت الدورة الماضية من ''مقهى باريس'' بين 11 و28 ماي 2011 وحققت نجاحا إعلاميا كبيرا امتد إلى الجزائر.