تستحضر الجالية الجزائرية بفرنسا، هذه الأيام، تراث أغنية المنفى الذي بلغ الآفاق بإبداعه وتاريخه لظروف إجتماعية وتاريخية صعبة، تظاهرة »مقهى بارباس« بباريس الممتدة إلى غاية 28 ماي الجاري، وقفة مع هذا التاريخ ودعوة لكل الفرنسيين لتذوق هذه الموسيقى التي تعزز مشاعر الإنسانية وتصد كل ظاهر العنصرية. ''مقهى بارباس''استعراض موسيقي من اقتراح أمزيان أزاييش بالتعاون مع نعيمة ياحي، ويعرض كل مساء ابتداء من السابعة مساء (منذ11 ماي) بالمقهى المتوحش بقلب باريس. وقد نال اهتمام الأوساط الثقافية الفرنسية علما أن كل التسهيلات قدمت لأجل عرضه، ابتداء من بلدية باريس. العرض يتضمن مشاهد متنوعة ترصد أمجاد تاريخ هذه الأغنية الجزائرية التي ولدت في المنفى والتي تحمل أحاسيس الحنين والغربة ومأساة أجيال من العمال الجزائريين بفرنسا، عملوا في ظروف قاسية وعاشوافي بؤس وحرمان، لكنهم جعلوا من حياتهم البائسة فنا راقيا. هؤلاء الفنانين الذين كانوا يقضون يومهم في المعامل ويتوجهون مساء للمقاهي لمزاولة هواياتهم الموسيقية، سواء كانوا مطربين أو عازفين. من رواد أغنية المنفى الجاموسي، ميسوم، الحسناوي سليمان عازم، دحمان الحراشي، الرميتي، آكلي يحياتن، المازوني، حنيفة وغيرهم كثيرون. أغلب هؤلاء الفنانين لم يعش رغد العيش، بل عاشوا مع طبقة العمال المهاجرين التي أوكلت إليها أشقّ الأعمال وأقذرها، إلاأن روح هؤلاء الفنانين سمت بتلك الحياة وأعطتها بصمة إبداع خاص، وكانت المقاهي والملاهي تملأ عن آخرها سهرة كل جمعة وسبت، لمتابعة العروض البسيطة في شكلها والراقية في مضمونها وأدائها، علما أنه حينها لم تكن أية دعاية لهؤلاء، وكان المنظمون يكتفون بكتابة مواعيد الحفلات بالطبشور على لوحات خشبية. تلك المقاهي التي التقى فيها العمال والفنانون والأدباء والسياسيون، شهدت أيضا حراكا سياسيا إبان الثورة التحريرية وأصبحت نقاطا هامة يلتقي فيها المنخرطون في الثورة. كل تلك الأمجاد توقّف عندها العرض، هذا الأخير الذي يستقبل في كل سهرة فنانا جزائريا ما، يقدم أغانيه وأغاني رواد أغنية المنفى، ومن المشاركين الملحن الكبير كمال حمادي، آيت من?لات، رشيد طه، سعاد ماسي، جوهرة، الممثل فلاق، نسيمة، قادة ديوان، وغيرهم. كما يتم في كل مساء توزيع طبق »الكسكسي« على الجمهور، لإضفاء أجواء من التقاليد الشعبية الجزائرية الأصيلة التي تتماشى ومضمون التظاهرة. يرى صاحب المبادرة أن هذه التظاهرة تحمل رسالة إنسانية للمجتمع الفرنسي الذي اكتشف هذا التراث من خلال الأجيال الجديدة لأبناء المهاجرين الذين أعادوا إحياءه، لينشر ليس فقط في فرنسا بل في كثير من بلدان العالم. للإشارة، فإن مقترح التظاهرة السيد مزيان هو صاحب جمعية ثقافية»المهرج« (بلادان)، التي تضم فنانين من مختلف أصناف الفنون. مخرجة العرض هي جيرالدين بنيتو، والمستشار الفني كمال حمادي الذي تعامل مع كثير من الفنانين المغتربين عبرعدة أجيال. أما الإدارة الموسيقية، فهي لنصر الدين دليل عازف الناي بالتنسيق مع الفنان محمد علي علالو. البحث التاريخي أُسند للأستاذة نعيمة ياحي التي نشرت أبحاثها عن الموضوع، حيث كتبت عن أغنية المنفى من سنة 1930- 1960 ثم من 1962 حتى,1987 والتي أعادت بناء مراحل تاريخية مهمة في العرض. يشارك في العرض العديد من الفنانين الشباب منهم سمير براهمية، سارة قام، صالح قاوة، نصر الدين دالي وغيرهم.