تؤكد تطورات الأوضاع الميدانية والتحركات الدبلوماسية حول الأزمة الحاصلة في سوريا أن لا أحد من أطراف هذه المعادلة الصعبة أو حتى المتتبعين لأطوارها بإمكانه التكهن بالنهاية التي يمكن أن تؤول إليها بعد أن تحولت إحدى عشر شهرا منذ اندلاعها إلى مأزق دولي حقيقي. ويكون هذا الشعور بالفشل في احتواء تداعياتها المأساوية على بلد عضو في الجامعة العربية هو الذي جعل وزراء خارجية المنتظم العربي يحولون وجهتهم بإتجاه الجمعية العامة الأممية من أجل استصدار قرار أممي بعد أن اصطدموا بقوة الفيتو الروسي - الصيني الرافض لإصدار قرار جديد يدين النظام السوري ويقر بتنحية الرئيس بشار الأسد ضمن مخرج على الطريق اليمنية. وعندما ندرك أن قرارات الجمعية العامة الأممية ليست لها القوة الإلزامية بمثل قرارات مجلس الأمن ندرك كذلك أن لجوء العرب إلى الجمعية العامة إنما أرادوا من خلاله الحصول على ورقة ضغط معنوية على روسيا والصين اللتان وقفتا إلى جانب السلطات السورية بهدف إقناعهما - ربما - بالعدول عن اللجوء إلى إخراج ورقة حق النقض التي بقيت السلاح الدبلوماسي الوحيد بين يدي موسكو وبكين من أجل منع الدول الغربية والعربية من تمرير قرار جديد يكون بمثابة الخطوة الأولى على طريق تنحية الرئيس السوري. ويبدو أن اليأس العربي مس أيضا الدول الغربية التي اقتنعت أنها لن تتمكن مهما فعلت من تغيير الموقف الروسي أو حتى التأثير عليه قصد تليينه بعض الشيء، خاصة وأنها وجدت في الشريك الصيني سندا معنويا آزرها في وجه ما تراه روسيا على أنه خطة أوروبية - أمريكية مدروسة من أجل تحييدها استراتيجيا من منطقة تبقى بمثابة قلب الصراع الدولي بين القوى الكبرى في العالم، وهي القناعة التي جعلتها تتبع طريقة أخرى في التعامل مع تطورات الوضع وبكيفية لعلها تتمكن من محاصرة روسيا في ركن لا تقدر الخروج منه في النهاية وترضخ للأمر الواقع الأوروبي بعد أن لجأت إلى لغة العقوبات الاقتصادية المشددة على سوريا من أجل دفعها إلى التعاون الإيجابي معها لإرغام الرئيس السوري على التنحي تحت وقع شارع متأجج وعقوبات اقتصادية مشددة. وهو ما جعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما والوزير الأول البريطاني ديفيد كامرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يتفقون جميعا على ضرورة فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية وكثفوا لأجل ذلك من اتصالاتهم الهاتفية لبحث سبل وآليات تفعيل هذه العقوبات حتى تؤتي ثمارها الآنية على اقتصاد سوري أكدت كل المؤشرات أنه أصبح على حافة الإفلاس بسبب الشلل الذي أصابه منذ قرابة عام كامل. وذكرت مصادر أوروبية أن الاتحاد الأوروبي ينتظر أن يعلن نهاية الشهر الجاري عن فرض حظر على الصادرات السورية من مادة الفوسفات الذي تعتبر سوريا من أكبر المصدرين لها في العالم، إضافة إلى تجميد الودائع المالية للبنك السوري في مصارفها وكذا منع كل العمليات التجارية للأحجار الكريمة والمواد النفيسة السورية. وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على وجود مثل هذه القناعة قبل لقاء جمعها أمس بالعاصمة برلين مع الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي وقالت إن دول الاتحاد الأوروبي تدعم الموقف الصارم للجامعة وأنها ستدعم العقوبات التي تم إقرارها إلى حد الآن. وكانت إشارة المسؤولة الألمانية إلى القرار الذي اتخذته الجامعة العربية بدعم مادي وسياسي للمعارضة السورية وتأكيد طلبها إلى مجلس الأمن بالموافقة على إرسال قوة عربية ودولية إلى سوريا ''بهدف وضع حد للعنف المستفحل هناك''. ولم يكن غريبا أن تسارع سوريا إلى رفض مثل هذا المقترح واعتباره تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية وهي التي سبق وأن رفضت استقبال بعثة الملاحظين العرب وقبلتهم على مضض وبشروط مسبقة بعد مفاوضات مضنية بينها وبين الجامعة العربية. وهي مواقف تعكس درجة الاحتقان التي تطبع المشهد السوري وانسداد الأفق لإيجاد تسوية قريبة له في أطوار مأساة إنسانية وجد الشعب السوري نفسه بين فكي كماشتها ولا أحد أعطاه بصيص أمل للإفلات من قبضتها.