واصلت آلة الحرب الإسرائيلية حربها على سكان قطاع غزة بهمجية غير مسبوقة قتلت خلالها 18 فلسطينيا بعضهم من المدنيين والأطفال وبعضهم من عناصر المقاومة الفلسطينية التي لم تشأ الاستسكان رغم التباين الكبير في ميزان القوة بين قوة نووية ومقاومة تعتمد على وسائل مواجهة تقليدية. واستشهد فلسطينيان آخران أمس في قطاع غزة في غارات نفذتها طائرات حربية إسرائيلية أحدهما طفل لم يتعد العاشرة وشيخ في الستين لا علاقة لهما بالمقاومة الفلسطينية الغطاء الذي ترفعه إدارة الاحتلال في كل مرة لتبرير اعتداءاتها المتكررة ضد سكان هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية وبدعوى الرد على عمليات إطلاق صواريخ ''القسام'' على الأهداف الإسرائيلية وردع منفذيها. ولم يجد مكتب الوزير الأول للكيان الإسرائيلي المحتل من ذريعة لتبرير جريمته سوى القول إن الصواريخ المستعملة هذه المرة هي صواريخ ''فجر'' إيرانية الصنع التي بإمكانها بلوغ أهداف في قلب عاصمة الكيان الإسرائيلي. وهي ذريعة واهية على اعتبار أن إسرائيل كانت السباقة هذه المرة إلى تنفيذ عدوانها باستهدافها لزهير القيسي، قائد لجان المقاومة الشعبية وأحد أقرب مساعديه في عملية قصف جوي انتقائي تعتمدها أجهزة الأمن الإسرائيلية لقنص الوجوه المعروفة في صفوف المقاومة الفلسطينية في مسعى لتثبيط عزيمتهم، وهي غاية يبدو أن إسرائيل لن تبلغها ما دامت تدوس على أدنى الحقوق الفلسطينية وما دام هناك فلسطينيون يؤمنون أن قهر الاحتلال لا يمكن أن يتم إلا بالقوة ومواصلة مقاومة الاحتلال حتى تحت الحصار وكل أشكال الحرمان. ويكون نتانياهو وطاقم حكومته قد فهموا الرسالة عندما أطلقت فصائل المقاومة، بمختلف تسمياتها، قرابة 130 صاروخ باتجاه العمق الإسرائيلي وحتى وإن كانت لم تحدث خسائر؛ فإنها سجلت حضور المقاومة كطرف لا يمكن تجاهله وأن الهدنة المعلنة مع المحتل تبقى سياسية وأن الفلسطينيين لا يمكن أن يتخلوا عن وسيلتهم الوحيدة التي يفهمها الاحتلال ويفقه الغاية من التمسك بها. والمؤكد أن حكومة الاحتلال عندما تعمدت تصعيد الموقف العسكري في قطاع غزة إنما أرادته أن تكون له أبعاد إقليمية وهو ما يفسر تأكيد نتانياهو أن الصواريخ المستعملة إيرانية الصنع. وعندما ندرك أن إسرائيل تعمل حاليا على تجميع الذرائع والحجج التي تكفيها لتبرير أية عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية ندرك لماذا أكدت أن المقاومة حازت على صورايخ إيرانية وهي تريد أن تضيفها إلى اتهامات سابقة باتجاه إيران باستهداف دبلوماسيين إسرائيليين في عدة عواصم آسيوية وأوروبية وهي ذريعة غير مؤكدة إذا راعينا أن كل تلك العمليات لم تخلف مقتل أية دبلوماسي إسرائيلي. وأمام هذا التصعيد؛ دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس الفلسطينيين إلى الحفاظ على التهدئة وتفويت الفرصة على الحكومة الإسرائيلية التي حملها مسؤولية الانزلاق الجديد في قطاع غزة وقال إن إسرائيل ''تحاول بذلك التهرب من استحقاقات الجهود الدولية المبذولة لإعادة إحياء عملية التسوية''. وذكرت مصادر فلسطينية أن الرئيس الفلسطيني أجرى سلسلة اتصالات عربية ودولية من بينها اتصال بالاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية من أجل التدخل لوقف هذا العدوان. كما أجرى الرئيس اتصالات هاتفية مع كل من رئيس المكتب السياسي لحركة ''حماس'' خالد مشعل والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح، حيث أبديا حرصهما على عدم التصعيد والالتزام بالتهدئة لتفويت الفرصة على الاحتلال لمواصلة عملياته العسكرية.