يعدّ الدكتور محمد الطاهر عيساني وجه من الوجوه الأدبية المتميّزة بولاية سكيكدة، استطاع بفضل ما يملكه من إرادة وعزيمة، أن يجمع بين تشخيص الأمراض باعتباره طبيبا متمرّسا مختصّا في التشخيص، وأن يشخّص القوافي فيحوّلها إلى كلمات ليست ككلّ الكلمات.. ''المساء'' التقت به بقصر الثقافة لمدينة سكيكدة، وأجرت معه هذا الحوار.. - هل لكم أن تقدّموا أنفسكم لقرّاء ''المساء''؟ * محمد الطاهر عيساني من مواليد 1960 بمدينة بريكة ولاية باتنة، متزوّج وأب ل04 أطفال، مقيم منذ فترة طويلة بمدينة سكيكدة، يمتهن مهنة الطب كمختص في تشخيص الأمراض، إضافة إلى هذا، فأنا طبيب خبير لدى المجلس القضائي لسكيكدة، وكذا عضو المجلس الجهوي بعنابة لأخلاقيات مهنة الطب، كما سبق لي وأن اشتغلت سابقا مديرا للصحة والسكان بولاية سكيكدة. وفي المجال الثقافي، أنا نائب رئيس مكلّف بالتنظيم للرابطة الوطنية للفكر والثقافة لولاية سكيكدة، إعلاميا، أنا معد ومقدّم البرنامج الأسبوعي المباشر ''عيادة الأثير'' بإذاعة سكيكدة المحلية، مع الإشارة إلى أنّه في مجال اختصاصي، لي 25 مداخلة في ملتقيات جهوية، وطنية ودولية حول السرطانات وإشكاليات الصحة، كما قمت بنشر ثلاثة بحوث في الدورية الطبية ''أوراس صحة'' الصادرة بباتنة، ولديّ حاليا مجموعة قصصية قيد الطبع بعنوان ''أحترق لأنّني أضيء''، ومخطوط قصصي وآخر شعري، إضافة إلى مشروع كتاب حول ''الطب البيئي'' باللغة العربية، كما تحصّلت على الجائزة الوطنية الثانية في مسابقة إبداعية نظّمتها جمعية أدبية بخنشلة، والجائزة الأولى في القصة مرتين على مستوى مديرية الثقافة لولاية سكيكدة، ثم الجائزة الوطنية الأولى في القصة سنة 2011 المنظّمة من طرف مؤسسة ''ثقافة وفنون'' لولاية الجزائر. - متى كانت بدايتكم الأدبية؟ * كانت بدايتي الأدبية خلال مرحلة التعليم المتوسط، وبالضبط عندما كنت أبلغ من العمر حوالي13 سنة، حيث كانت محاولاتي على شكل خواطر ومذكّرات، ثم شيئا فشيئا، بدأت الأمور تتطوّر إلى أن أصبحت أكتب محاولات في الشعر والنثر على حدّ سواء، لكن خلال مرحلتي الثانوية والجامعية، ومع اهتمامي بقراءة روائع الأدب الجزائري، العربي والعالمي، بدأت موهبتي تبرز أكثر فأكثر بعد أن أصبحت أتحكّم في آليات الكتابة الإبداعية. - كيف استطعتم أن توفّقوا بين مهنة الطب والكتابة الإبداعية؟ * حقيقة.. أجد صعوبة في الولوج الكلي لعالم الكتابة بطريقة دائمة ومتقاربة لسبب واحد، هو أنّ تخصّصي والتزاماتي المهنية والاجتماعية تأخذ مني القسط الأكبر، إذ لم أقل أنّها تستنزفني استنزافا، ناهيك عن لعبة الشطرنج التي أمارسها بانتظام ساعتين كل يوم، دون إهمال جانب المتابعة الصحفية للإعلام الوطني والعالمي، لكن على الرغم من كل هذا، أستغل قدر الإمكان الوقت للتفرّغ للعمل الإبداعي.. - ماذا تمثّل بالنسبة لكم الكتابة الأدبية؟ * الكتابة الأدبية بالنسبة لي ملاذ ومتنفّس، فيه من التداعي ما يجعلك تتسامى في فضاء مريح وهادئ، والأكثر من ذلك، فهي بوح وتفاعل مع الذات. - وكيف تنظرون إلى القصة كقصة؟ * القصة في شكلها ومضمونها، تفتح لك مجالا للتعبير ببساطة ويسر على رؤى وأفكار من جهة، لكنّها في المقابل، ترسم لك دون أن تشعر، تخوما تجعلك تأمل أن تتجاوزها إلى فضاءات أوسع وأرحب، كفضاء الرواية مثلا. - هل يمكن أن نتحدّث عن الإبداع الأدبي دون أن نقحم جيل الشباب في الكتابة؟ * الإبداع الأدبي في دلالته المتداولة، والمرتبطة بالشباب وسنهم وهمومهم، واقع لا يمكن تجاوزه. - ما هي نظرتكم لمصطلح الحداثة والواقعية في الأدب بوجه عام؟ * الواقعية في الأدب والفن مدرسة قائمة بحدّ ذاتها، لها نكهتها وقيمتها الأدبية، وأقول لكم بأنّني ما أزال لحد الآن أتذوق حلاوة ''جيرمينال'' لإميل زولا، كتابات دوستويفسكي وقصص تشيكوف في الأدب الغربي.. أمّا الحداثة، فهي مرتع إبداعي ليس جديدا، بل قديم في أصله لدى الشعراء والمبدعين القدامى حداثيين إن تمعَّنتَ في بعض كتاباتهم ... والتيار الحداثي الذي يحبذه مبدعو الاختلاف، أعتقد أنّه فضاء متباين الدلالات كل يصوغه، حسب أغراضه وهواه. - كيف تقيّمون الحركة الإبداعية في الجزائر اليوم؟ * صراحة، هنالك تحسّن وتألّق للحركة الإبداعية لا ينكره إلاّ جاحد، لكن يبقى هذا الواقع، للأسف، مناسباتيا مرتبطا بأحداث ثقافية دورية.. واقعا موسميا تماماً كموسم الفرولة. فمثلا أنا أكتب من أجل المتعة وأجد سعادة لامثيل لها حين أصوغ النص... مدرستي أن أكتب وأكتب وأكتب، واسمح لي أن أقول بأنّه إذا كانت الكتابة دون طابوهات تجعلنا نبراسا للذين لديهم عسر في تلمس أصل الحياة ودلالاتها، فلا أرى مانعا في ذلك، فأنا مع الإبداع الذي يمنح إضافات، لكن بمقابل ذلك، فأنا لا أحبّذ الإفراط وعلك الأشكال الإباحية، دون مراعاة القيم الإنسانية، وباختصار أقول؛ أنا ضدّ تحطيم القيم وتخريب الميراث الأخلاقي للأمّة. - ماذا تمثّل لكم هذه الأسماء؛ محمد ديب، مولود فرعون، مالك حداد، الطاهر وطار، كاتب ياسين، رشيد بوجدرة وواسني الأعرج؟ * محمد ديب مع دار سبيطار، مولود فرعون ودروبه الوعرة، مالك حدادة وغزالته اللابقة، الطاهر وطار ولازه، كاتب ياسين ونجمته، رشيد بوجدرة وحلزونه، واسيني الأعرج ولوليتاه.. هؤلاء كلّهم مثلٌ ومنهل وهَامَة في الكتابة باللغتين، وغيرهم ممن لم تتذكّر أو تُذكر أسماؤهم، سواء داخل الوطن أو على أرض الغربة .. نكن لهم كلّ الإكبار والتقدير والاعتراف بالقيمة والموروث الذي أبدعوه، فهم في كلّ هذا أبناء الجزائر. - كلمة أخيرة. * أملي أن تكون للجزائر سياسة ثقافية متكاملة شاملة وفعّالة، تفتح آفاقا نيرة للأجيال القادمة، وشكرًا ليومية ''المساء'' على هذه الاستضافة التي أعتزّ بها كل الاعتزاز''.