بدعوة من نادي فنون الإبداعي و بمساعدة الصديق الشاعر إسماعيل غربي رئيس فرع اتحاد الكتاب الجزائريين بالوادي تشرفنا بالالتقاء بمجموعة من الأدباء و الشعراء العرب ومن بينهم الروائي والقاص إبراهيم درغوثي عضو الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين ...و الفائز مؤخرا بجائزة القدس للقصة القصيرة...ليحدثنا عن رحلة العمر مع الكتابة و عن الثورة التونسية و عن أمجاد شبابها. مرحبا بكم استاذنا الشاعر إبراهيم درغوثي في لقاء مشترك مع زملائنا من اذاعة سوف الجهوية و مرحبا بالأشقاء من تونس الثورة و الحرية؟ - مرحبا اهلا و سهلا .. و تحياتي القلبية لكل قراء جريدتكم الغراء لتكن بداية حوارنا عن آخر المستجدات في بلادكم . ما هي رؤيتكم لثورة شباب تونس؟ وما تأثيرها على المشهد الإبداعي المحلي عموما؟ - إن الثورة التي قادها الشباب منذ أسابيع لا مثيل لها في تاريخ تونس الحديث والمعاصر سوى إعلان الاستقلال عن المستعمر الفرنسي في خمسينات القرن الماضي. ولئن ظهرت بعض الإبداعات التي واكبت مباشرة الثورة خاصة في باب الشعر فأن الكتابات الأخرى خاصة في القصة والرواية سيكون لها نصيب في التأريخ لثورة 14 جانفي2011 وستظهر تباعا على الساحة الإبداعية التونسية ،. ثورة شباب تونس جاءت مباغتة للجميع. ثورة إرهاصاتها كانت موجودة في المجتمع التونسي منذ أزمنة ولكن توقيتها لم يتوقعه أحد. أستاذ إبراهيم كيف يمكن أن تلخص لنا ولقراء الجمهورية رحلتكم الطويلة مع الكتابة ...وما هي باعتقادكم العوامل التي ربطتكم بالكتابة؟ - هل أقول إن للحكايات الشعبية التي ملأت خيالي بقصص الجن والعفاريت والغيلان ، تلك القصص التي كانت ترويها لنا الجدة في ليالي الشتاء دور كبير في تأثيث مخيلتي لاحقا وأنا أكتب نصوصي القصصية ؟ أم أن للقرآن الكريم الذي حفظته كاملا وأنا طفل نصيب كبير في ما أصبحت عليه وأنا أخط نصوصي الإبداعية ؟ وأنا التلميذ في دار المعلمين في تونس كنت أحفظ بعضا من قصص " موباسان " بالفرنسية عن ظهر قلب إكراما لأستاذ فرنسي كان يشفق على فقرنا فكان يهدينا من مكتبته الخاصة ما نحتاجه من كتب ثم يرفض أن يسترجعها منا . هل كان ذلك الأستاذ يحفر عن غير قصد في وجداني وذاكرتي البكر ما سيكونه إبراهيم الكاتب بعد ذلك ؟،.. و الأكيد أن لتكويني النفسي والأدبي والعلمي دخل كبير في هذه الكتابة . فأنا جريدي مثلي مثل البشير خريف وعيت معنى أن يتملك أقلية أكثر من حقهم ، ويفتقر الأكثرية إلى ما يسد الرمق. ألست معي أن مثل هذه الخلطة قادرة على أن تصنع ذلك الأدب الذي يمتزج فيه السواد بخفة الدم والألم المبرح بتلك الابتسامة الصفراء التي لا يفهم معانيها إلا من عرف ما كابدته الإنسانية منذ أن وعى الإنسان معنى أن يعيش دون أن تداس كرامته. المتتبع لمساركم في الكتابة يتلمس الانتقال من القصة إلى الرواية فمن أول مجموعة قصصية " النخل يموت واقفا " الصادرة سنه 1989 و "الخبز المر" سنه 90 ثم يصدر لكم أول عمل روائي " الدراويش يعودون إلى المنفى" في سنة 1992و "القيامة الآن " في 1994..ثم عودة للقصة ب " رجل محترم جدا " في 1995 ثم رواية شبابيك منصف الليل 96 إلى المجموعة القصصية كأسك يا مطر ..وتتالت بعد ذلك مجموعة من رواياتكم متعاقبة ...ما سر هذا الانتقال...وكيف يراه الكاتب إبراهيم درغوثي؟ تحولت من كتابة القصّة إلى الرّواية مباشرة بعد سقوط جدار "برلين " وبداية حرب الخليج الثانية. فقد أحسسْت في تلك الفترة بدمار بدني وروحي أردت أن أعبّر عنه بالكتابة ولكنّني توقعت أن القصّة القصيرة لن تقدر على احتواء كلّ هذا الدّمار فكتبت رواية " الدّراويش يعودون إلى المنفى" التي جاءت متشضيّة، مهشّمة ، منتهكة لناموس الكتابة التقليدية. ممتنعة عن القارئ العُجول. ساخرة من ذائقة المتقبّل التقليدي. هل هذا فقط ما جعلني أتحول من كتابة القصة القصيرة إلى كتابة الرّواية أم أنّ لحجْز مجموعتي القصصية الثانية "الخبز المر " دخلاً في ذلك ؟ قد يكون، لأنّني بقيت مدّة ثلاث سنوات بعد الحجز ومنع المجموعة من التَداول عازفا عن الكتابة، أبحث لي عن طريق للخلاص إلى أن وجدته في كتابة الرواية التي أقول فيها ما أريد دون أن أقع في محضور الكتابة القصصية التي تلزمك بما لا يلزم وأنت تكتب روايتك. ومع ذلك ظللت مسكونا بالقصة القصيرة التي أصبحت أعود إليها كلما أحسست أن النص الذي أرغب في كتابته لن يكون ناجحا إلا في قالب القصة القصيرة التي تشترط فيما تشترط التكثيف والشاعرية. وهكذا ظللت في مراوحة بين القصة القصيرة والرواية إلى أن اكتشفت أخيرا جنسا أدبيا جديدا هو القصة القصيرة جدا فوجد هوى كبيرا في نفسي مما جعلني أكتب فيه مجموعة قصصية كاملة هي " المر ... والصبر " التي ستصدر هذه الأيام. و يبقى المبدع مسكونا بالنص، يكتبه بالشكل الذي يرتضيه له تارة في شكل قصة وتارة أخرى في شكل رواية على حسب ما يقتضيه حال لنص المطروح للكتابة الإبداعية. باعتباركم عضو الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين، ومساهم فعال في تحريك المشهد الثقافي ...لو تعطينا صورة عن المشهد الثقافي والإبداعي في تونس؟ - تعيش تونس في هذه السنين ازدهارا منقطع النظير في ميادين الفكر والأدب. فبينما كانت المطابع في ستينات القرن الماضي مثلا لا تخرج لعموم القراء سوى عدد قليل من الكتب الأدبية والفكرية. رقم لا يتجاوز عدد أصابع اليدين . فالروايات الصادرة في ربع قرن من سنة 1956 سنة الاستقلال عن فرنسا، حتى بداية السبعينات كانت أقل من ثلاثين رواية. بينما صرنا الآن نطبع وننشر مثل هذا العدد وأكثر خلال سنة واحدة حتى أن عدد الروايات التي كتبها تونسيون تجاوزت الثلاثمائة رواية وعدد دواوين الشعر فاق الألف بكثير زيادة عما ينشر من كتب في النقد الأدبي والفكر والثقافة. فالحراك الثقافي في تونس هذه الأيام كبير ومثمر وقد أبهر كل من جاء في زيارة ثقافية لهذه البلاد. حصلتم مؤخرا على جائزة القدس للقصة القصيرة في دورتها الثانية عن قصة " ما لم يقله الاصفهاني في كتاب ألاغاني " ...أولا تهانينا على هذا التتويج ..وكيف تنظرون إلى الجوائز الأدبية في عالمنا العربي ؟ شخصيا أعتبر الجوائز حقّ معلوم للمبدعين. والدول التي تحترم كتابها ( كما في الغرب مثلا ) لا تتوانى في إسناد جوائز معتبرة لمبدعيها في كل الفنون الإبداعية. وقد بدأت العديد من المؤسسات الثقافية في بلاد العرب تنتبه لهذا الأمر فظهرت عدة جوائز مهمة تسند سنويا للمبدعين ولكنها مع ذلك تظل قليلة. تتحكم في إسناد هده الجوائز آليات عدة آخرها المصداقية . فللجان التحكيم شروطها الخاصة في إسناد هده الجوائز وقد تكون جودة النص هي آخر هذه الشروط .فكثيرا ما سمعنا بجوائز أسندت لغير مستحقيها وترك مستحقوها في التسلل . أوفي أحسن الأحوال تقسم مناصفة بين نص جيد ونص غريب عن الجائزة غربة صالح في ثمود . لكن ذلك لا يمنع الاستثناء الذي يمكّن المبدع الحقيقي من الفوز بجائزة يستحقها النص دون النظر إلى الشخص. - نزلتم ضيوف شرف للطبعة الرابعة للأيام الأدبية لنادي فنون للإبداع لدار الثقافة محمد الأمين العمودي بالوادي ..ولكم عديد المشاركات في التظاهرات الثقافية بالجزائر وبباقي دول المغرب العربي كيف تتحسسون المشهد الإبداعي المغاربي ..وما هي آليات هيمنة هذا النص على الساحة العربية ؟ الأدب المغاربي في السنوات الاخيرة يمر بأزهى فتراته ولا فرق في ذلك بين القصة والرواية والشعر والنقد الأدبي والمقالة الصحفية . وأنا لست مع المتذمرين الذين يدعون عكس هذا . . فالأدب المغاربي بعد أن مر بمراحل التلمس في عهد الرواد ثم البحث عن مكان تحت الشمس زمن الستينات والسبعينات من القرن الماضي وصل الآن إلى مرحلة النضج الفني إن في الشكل أو في المضمون . ونحن في مغربنا الكبير نمتلك من الشعراء والنقاد وكتاب السرد من نفاخر بهم الأمم الأخرى ، فإن العديد من كتاب بلاد المغرب الكبير صاروا اليوم يحصدون الجوائز العربية ويحضون بسمعة طيبة جدا في المحافل الأدبية وتدرس نصوصهم في الجامعات مع أمهات الكتب . حتى أن النص المغاربي صار مرحبا به في هذه السنين في فضاءات النشر الالكتروني لأنه يمتلك خصائص الحداثة والتجديد والتجريب لذلك يرغب أصحاب المواقع الالكترونية في هذه النصوص ويبادرون بنشرها حال حصولهم عليها . وأنا شخصيا صرت أنشر قصصي ورواياتي في أكثر من ثلاثين موقعا أدبيا على الأنترنات تمتد من المغرب إلى اليمن ومن فلسطين إلى العراق ومن أمريكا إلى السويد . استحضار التراث في أعمالكم الروائية والقصصية ملفت للانتباه باعتقادكم إلى ماذا يرجع ذلك ؟ -إن اهتمامي بالتراث السردي العربي الإسلامي لا يعود فقط لاستعماله تقنية ضد سيف الرقابة المسلط على الكاتب حين يجاهر بفكره في نصوصه الإبداعية فقط ، وإنما لأنني أعتبر هذا التراث السردي ذخيرة للإنسانية جمعاء علينا كشفها وتقديمها لكل البشر لاستثمارها عند الكتابة القصصية والروائية. كيف لا والحال أننا ننظر بعين الرضا لردود أفعال الغرب حول مدونة " ألف ليلة وليلة " والصيت الكبير الذي نالته هذه المدونة منذ اكتشافها من طرف المستشرقين منذ مئات السنين هذا الاكتشاف الذي حول هذا النص إلى واحد من أهم إنجازات الفكر البشري على مر العصور مثله مثل الإلياذة والأوديسة لهوميروس اليوناني أو الإلياذه الإيطالية أو أعمال شكسبير وغيرها. فالتراث العربي كلما خرج منه إلى الضوء نص جديد إلا وأحدث رجة في وجدان المتلقي الحديث وما كتاب " الروض العاطر في نزهة الخاطر " للشيخ النفزاوي الذي عد من أهم الكتب التي تناولت محظورا جنسيا إلا واحدا من هذه الكتب . هذا فيما يخص المحتوى . أما فيما يخص الشكل فالأمر أيضا يدعو لإعادة النظر في هيمنة شكل السرد السائد اليوم في عالمي القصة والرواية الذي وفد كما هو معروف من الغرب وهيمن على الساحة العربية والعالمية منذ عدة قرون حتى صار كل من لا يكتب على الطريقة الغربية يعد نصه خارجا على الأجناس . والحال أن لنا في ثقافتنا العربية طرائق سرد أخرى / ولعل المقامة أشهرها ، لم يقع استثمارها كما يجب في الكتابة القصصية والروائية العربية الحديثة . ولعلي واحد من هؤلاء الذين يريدون تأصيل النص العربي الحديث ضمن المنظومة الإبداعية الإنسانية. ترجمت أعمالكم إلى العديد من اللغات ..ماذا تقولون عن تلك التجارب وماذا أضافت لرصيدكم الأدبي ...وكيف تقيمون دورنا في إيصال نصوصنا إلى الأخر ... يجري المبدع العربي وراء الترجمة للغات أخرى طمعا في النجومية العالمية ولكن حظ هدا المبدع من هده النجومية قليل . فحتى نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل للآداب لم يحقق أدبه الاختراق الذي حققه أمثاله من الحاصلين على هده الجائزة . ومكابر من يدعي عكس دلك . لأن مؤسسات النشر العالمية الكبرى لا تهتم بالأدب العربي اهتمامها بأدب الثقافات الأخرى أولا ،ولأن العرب أنفسهم لا يولون للأدب اهتماما يذكر . فيما يخصني، ترجمت روايتاي: الدراويش يعودون إلى المنفى وشبابيك منتصف الليل إلى الفرنسية وصدرتا عن دار تونسية / فرنسية. والمهم حسب رأيي هو أن يحقق المبدع العربي حضورا لافتا في بلده أولا ثم في وطنه الكبير ثانيا. أما الجري وراء العالمية في الظروف الحالية من خلال الترجمة إلى اللغات الحية، فضرب من المحال، إلا إذا كانت وراءك مؤسسة مالية كبرى شأن الكاتب الليبي إبراهيم الكوني المسنود من أعلى هرم السلطة في بلده. كلمة أخيرة لقراء الجمهورية. هل يمكن أن أحدث القارئ الجزائري عن نصوصي دون أنا أقع في المحظور ؟ أنا المتهم بأنني أعشق ذاتي حد الفناء فيها . أنا المتهم بأنني أخبئ تحت رماد ابتسامة لا تفارقني حتى في ساعات البؤس القصوى روحا شقية قادمة من أقاصي الحياة . روحا عاشت بالتأكيد في عوالم غير عالمنا هذا وأصابتها لعنة ما،..لكم مني كل الحب والسلام