غنّت كوكبة من الفنانين سهرة أوّل أمس بقصر الثقافة ''عبد الكريم دالي'' بعاصمة الزيانيين على شرف المدينة في حفل موسوم ب ''لو غنّيت لتلمسان''، وهي تشرف على اختتام فعالياتها الثقافية الإسلامية، فشكّلت فسيفساء جميلة لاقت إعجاب الجمهور الذي توافد بقوّة وبقي ساهرا إلى نهاية الحفل في ساعة متأخّرة من الليل. جمع الحفل تسعة مطربين معروفين وضعوا بصماتهم على الساحة الفنية بأغانيهم التي كانت منعطفا حاسما في الشهرة وبزوغ نجوم في سماء الأغنية الجزائرية الأصيلة، ويتعلّق الأمر بكلّ من فريد خوجة، عبد اللطيف مريوة، عباس ريغي، طاوس أرحاب، سمير تومي، عبد القادر شاعو، نادية بن يوسف، حمدي بناني وعبد الله مناعي، بالإضافة إلى مشاركة الشاعر الشعبي المتألّق ياسين أوعابد والفكاهي حميد عاشوري. استهل الحفل المطرب فريد خوجة بتأدية وصلة غنائية أندلسية، وبالإضافة إلى صوته الجميل يعدّ هذا الفنان من القلائل الذين يعزفون على آلة الربابة، وهي آلة تعود إلى العصور الوسطى تعزف على وتر واحد وهو مكمن الصعوبة، ورثها عن عمّه محمد خوجة المعروف بمحمد دزيري، ويساهم فريد خوجة حاليا في إعادة بعث الفن الأندلسي على الصعيد المحلي والدولي. ثم تلاه المطرب عبد اللطيف مريوة في برنامج موسيقي من النوع الحوزي، أدى خلاله الأغنية الشهيرة ''سيدي بومدين''، ويعدّ هذا المطرب أوّل من سجّل هذه الأغنية على شريط ويوصف مطربا وريثا شرعيا لهذا التراث الأصيل، حيث نشأ وسط أسرة يوجد فيها واحد من أعمدة الأغنية الحوزية ويتعلّق الأمر بخاله عبد الكريم دالي. ومثّل المطرب الشاب عباس ريغي مدينة الجسور المعلقة وقدّم وصلة من الطرب الأندلسي المعروف في المنطقة بالمالوف، يتحكّم بآلة العود بشكل نادر بالمقارنة مع جيله، فضلا عن ملكته الغنائية، إذ يملك صوتا قويا، وبالنظر إلى مساره الفني وموهبته فإنّ مستقبل المالوف يبدو واعدا معه، وسيضفي استمرارية في العمل الذي قام به شيوخ المالوف من أمثال محمد فرقاني وقدور الدرسوني وحسن العنابي. أمّا المطربة الشابة طاوس أرحاب فقد أدّت أغنيتين لإيدير وتاكفاريناس، وقد استطاعت أن تلهب القاعة بأدائها الجيد، وهي صاحبة موهبة تملك صوتا رقيقا وحلوا، هناك من وصفها بالمطربة الاستثنائية، من شأنها أن تصنع اسما ذهبيا في الساحة الفنية الجزائرية بسبب شخصيتها القوية وقربها من قلوب الجمهور حيثما حلت. ثم صعد الشاعر الشعبي المعروف ياسين أوعابد على الركح ليصدح بأجمل قصائده، والتي كانت بمثابة طلقات حماسية بالغة العمق والقوّة في حبّ الوطن، وتفاعل الجمهور معه لاسيما حين أدى قصيدة ''حني يا حنانة". ليتواصل الحفل الغنائي مع المطرب سمير تومي، الذي كانت سنة 1992 نقطة الانطلاق نحو الشهرة والنجومية التي لم تأفل، وذاع صيته من خلال تخصّصه في إعادة البريق للأغاني الجزائرية القديمة، ويتميّز رصيده الفني بالغنى بفضل أعماله وحجم الحفلات والمهرجانات التي يحييها داخل وخارج الوطن، كما يعدّ من سفراء التراث الجزائري. ثم التحق المطرب عبد القادر شاعو بالركح وقدّم أغنيتين من أشهر أغانيه التي أدخلته عالم الشهرة في النوع الشعبي، وهما ''جاه ربي يا جيراني'' و''ساعديني يا بنت العم''، وبثّ بهما نشوة بالغة في قلوب الحاضرين، ويعتبر ماهرا في العزف على آلة المندول، وعمل شيئا فشيئا على تطوير أغنية الشعبي بإدخال آلات موسيقية مثل الموندول، البانجو، البيانو والقيتارة. وبأغنية ''أنا طويري'' حلّقت المطربة المتألّقة نادية بن يوسف بالحاضرين إلى قمة الانتشاء بعذب صوتها، ثم ألحقتها بأغنية ''صفة الشمعة والقنديل''، وتعتبر صاحبة موهبة استثنائية، طالما نجحت في غنائها المتّسم بالتناغم الكامل لإسعاد جمهورها من محبي الأغنية الحوزية بقوّة صوتها وطريقة إنشادها للنصوص وهي تقف على المنصة بجمال وبساطة متميزين بزي عاصمي ذي ألوان دافئة. ومثل منطقة عنابة الفنان المخضرم في نوع المالوف المطرب حمدي بناني، وغنى ''بلّغه يا حمامي'' و''عاشق ممحون''، وهو الذي صنع مسارا ثريا ويملك في رصيده العديد من المشاركات في الخارج ممثلا الجزائر، منها تونس، ليبيا، كندا، الاتحاد السوفياتي سابقا، بلجيكا، فرنسا، اسبانيا، وألمانيا، وغنى إلى جانب كبار المطربين العرب والأوروبيين على غرار وديع الصافي، أحمد حمزة، لطفي بوشناق، جوليات بيتري، سيلفان غريناسيا وغيرهم. وفي وصلة ارتجالية، قدّم عميد الأغنية السوفية عبد الله مناعي أغنيتين من أشهر أغانيه، وقد استطاع الفنان أن يضع قائمة للأغاني بليغة التعبير وقام بعمل توليفي بإضفاء لمسة جديدة على الأغاني السوفية القديمة، كما أنّ مشاركته في العديد من المهرجانات والأسابيع الثقافية سواء محليا أو بالخارج، سمحت له باكتشاف مدى تحكّمه وأدائه الجيد في النوعين السوفي والبدوي. مبعوثة ''المساء'' إلى تلمسان: دليلة مالك