المجاهد صالح شرفي من مواليد 1933 بسطيف كان شاهد عيان على المجازر الشنيعة التي اقترفها الفرنسيون في حق الجزائريين يوم 8 ماي 1945 والتي ذهب ضحيتها 45 ألف شهيد يفتح قلبه ل ''المساء'' ليروي لنا بعض الحقائق التي بقيت راسخة في ذاكرته. المجاهد صالح شرفي الذي يبلغ من العمر اليوم 78 سنة هو عضو في جمعية المحكوم عليهم بالإعدام وحامل لشهادة مهندس دولة لا يزال يتجرع مرارة الألم الذي تركه الفرنسيون في نفوس الجزائريين في مجزرة رهيبة أسقطت 45 ألف شهيد جزائري أرضا بسبب إعلائهم لصوت الحق مطالبين بالحرية. وبنبرة حزينة قص علينا عمي ''صالح'' حكاية المجزرة المقترفة في حق الجزائريين قائلا ''يوم الثلاثاء المصادف ل 8 ماي 1945 والذي تزامن مع السوق الأسبوعي بولاية سطيف قرر بعض الجزائريين القيام بمسيرة سلمية تنطلق من جامع بن مدور أمام محطة القطار (شرق المدينة) للمطالبة بوقف الاضطهاد على الشعب الجزائري خصوصا بعد قتل عاملين في عيدهم الوطني المصادف للفاتح ماي''، مشيرا إلى أن المسيرة نظمها حزب أحباب البيان والحريات لفرحات عباس لتنطلق من مسجد بن مدور وصولا إلى مقهى فرنسا ''كافي دو فرانس'' وسط المدينة لوضع إكليل من الزهور ترحما على أرواح الضحايا الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية (جميع الضحايا) حسبما أكده هذا الشاهد عيان. وعرفت المسيرة مشاركة عدد كبير من المواطنين من سكان سطيف من الرجال والنساء والأطفال، إضافة إلى عدد كبير من الفلاحين وسكان الأرياف الذين قدموا من عموشة وبوقعة ومناطق أخرى لشراء مستلزماتهم أو بيع الغنم بالسوق الأسبوعي إلى جانب أعضاء الكشافة الإسلامية الذين كانوا يرتدون الزي الوطني للتعبير عن الروح الوطنية. وبطريقة سلمية ودون استعمال أي نوع من الأسلحة؛ سار الجزائريون حاملين لافتات مكتوب عليها عبارات ''الحرية أملنا''، ''أين حقوقنا''، مرددين نشيد ''من جبالنا'' التي زادت من كثافة أعداد المشاركين في المسيرة، يقول محدثنا، الذي كان يبلغ من العمر 12 سنة آنذاك. ووصل المتظاهرون إلى ''كافي دو فرانس'' وسط مدينة سطيف وهو شارع خاص بالفرنسيين وممنوع على العرب، يشرح السيد شرفي، وأثناء ذلك الوقت بدأ غضب الفرنسيين الذين نصبوا لنا فخا لعدم تقبلهم هذا المشهد معلقين على ذلك بعبارات حاقدة عنصرية تجاه الجزائريين. وفي حدود التاسعة صباحا وصل الموكب قبالة مقهى فرنسا بقلب المدينة، حيث كان مسرح المأساة وكان أول ضحية سعال بوزيد الذي كان يحمل العلم الجزائري بيده فكلفه ذلك القذف بالرصاص من طرف محافظ الشرطة الفرنسي لوسيان أوليفيري بعد محاولة منه لانتزاع العلم من يده وقوبل بالعصيان، وتبين بعد ذلك أن الأمر كان مخططا له مسبقا بدليل انتشار العديد من أفراد الشرطة متنكرين بالزي المدني. ويضيف السيد شرفي أن الشرطي الفرنسي الذي لم يهضم حركات ذلك الشاب وهو يلوح بالراية الوطنية استهدف مباشرة سعال بوزيد وأطلق عليه النار بكل برودة دم، حيث خيم الصمت الرهيب على المسيرة لترتفع بعدها أصوات الزغاريد التي كسرت الصمت -ليضيف محدثنا- أن فرنسا خانت العهد مع الجزائريين الذين ساعدوها في التخلص من الاستعمار الألماني مقابل شهادة الحرية وهو الأمر المتفق عليه بشهادة كل من ستالين، شيرشل، روزفلت الذين وعدوا بتقرير المصير، يحكي السيد شرفي، ومنذ ذلك التاريخ والأيام التي أعقبته عاشت مدينة سطيف إلى جانب كل من عموشة وعين الكبيرة، بني عزيز، العلمة وخراطة على وقع الإبادات الجماعية المتتالية وتجرع الجزائريون بولاية سطيف كل أنواع التعذيب، حيث تم دفنهم في الخنادق أحياء، بشهادة السيد شرفي، ب ''سيدي سعيد'' وسط ولاية سطيف، وبعين الكبيرة وبني عزيز كان القصف بالمدافع والمروحيات سيد الموقف، أما الكولونال ''فيجون'' فكان يطلب من الجزائريين أن يقولوا ''نحن كلاب''، بينما رفع الكولونال ''سميث'' شعارا يحث على سحق العرب أينما كانوا وقذف الجزائريين من أعالي ''شعبة الآخرة'' بسطيف إلى الوادي وهم أحياء، مما أسفر عن استشهاد 45 ألف جزائري. كما اعتبر المجاهد صالح شرفي أن تضحيات الجزائريين الذين سقطوا غدرا في أحداث 8 ماي الرهيبة لم تذهب في مهب الريح، بل أشعلت النار في قلوب الجزائرين المحبين والغيورين على وطنهم للمشاركة في الثورة الجزائرية التي قادتها أسماء لامعة في مقدمتها بن بولعيد، بيطاط، بن مهيدي وبوضياف.