في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم؛ تسجل المرأة الجزائرية حضورا قويا في البرلمان القادم ب 145 مقعدا وفق ما أفضت إليه نتائج الاقتراع الذي جرى الخميس الماضي، تجسيدا لمضمون القانون العضوي للانتخابات، الذي ينص على أنه يجب على كل قائمة من المترشحين للانتخابات التشريعية وانتخابات المجالس الشعبية الولائية والمجالس الشعبية البلدية في البلديات التي يفوق تعداد سكانها 20 ألف نسمة، أن لا تقل نسبة المترشحات عن الثلث. وتعتبر هذه النتيجة بمثابة إنجاز كبير في المشوار السياسي للمرأة الجزائرية التي طالما اشتكت من إقصائها من الساحة السياسية رغم وجودها القوي في المجالات الحيوية ووصولها إلى مراكز هامة وحساسة مثل القضاء، الأمن، إدارة الجامعات، الإعلام وبنسبة جد عالية في قطاع التربية والتعليم والصحة. وإذا كان هذا المكسب قد عززته الإصلاحات السياسية التي أعلنها الرئيس بوتفليقة والوعود التي أطلقها منذ اعتلائه سدة الحكم من أجل ترقية الحقوق السياسية للمرأة، فإن ذلك جاء أيضا بعد النضال الذي خاضته المرأة طيلة مشوارها السياسي ليتوج بارتفاع عدد مقاعدها الزرقاء في الهيئة التشريعية من 7 بالمائة في 2007 إلى 31 بالمائة اليوم. في المقابل؛ يجب الإقرار أن هذا النضال ما كان ليصل إلى هذا المستوى لولا توفر الإرادة السياسية التي رأت أهمية الارتقاء بهذه الفئة الهامة من المجتمع، كونها تعكس سقف الحرية الموجود في المجتمع، فكان ''تخصيص حصص تتراوح ما بين 20 و50 بالمائة من القوائم الانتخابية للأحزاب السياسية للمرأة'' مع إمكانية إقصاء الأحزاب في حال عدم احترام هذه النسبة، بمثابة عهد جديد للمرأة الجزائرية التي تطمح إلى حصد المزيد من الحقوق. ورغم أن الدساتير والقوانين الجزائرية لا تعارض وجود المرأة في مواقع صنع القرار، من خلال التأكيد أن المرأة والرجل متساويان في الحقوق والواجبات وليست مساواة تماثل، إلا أنه من الناحية التطبيقية كثيرا ما يصطدم ذلك بمفهوم انتقاء الأدوار الذي فرض على المرأة فرضا، كما هو جار في معظم الدول العربية، حيث تبدي المرأة عزوفا صريحا عن إقحام نفسها في المجال السياسي. وعليه؛ سيشجع اعتماد نظام النسبة المعينة من التمثيل النسوي ولو بشكل مؤقت المرأة على تجاوز بعض العراقيل التي تقف حجر عثرة أمام خوضها غمار العمل السياسي من خلال مختلف المجالس المنتخبة، كما جاء القانون لتدارك الاختلالات التي سجلت في الاستحقاقات الماضية، فخلال تشريعيات 2007 نجد مثلا أنه من مجموع المرشحين الإجمالي (12225) لم تترشح إلا 1018 امرأة على المستوى الوطني وهو ما يعادل 33,8 بالمائة فقط من الترشيحات الإجمالية، في حين لم تتجاوز هذه النسبة 90,6 بالمائة فقط خلال انتخابات 2002 التشريعية، مما يعكس الحضور المتواضع للمرأة الجزائرية على مستوى الساحة السياسية كفضاء عام. كما أن إقامة نظام ''الحصة'' عن طريق قانون عضوي كمرحلة أولى من شأنه ترسيخ حق المرأة في تبوأ مناصب سياسية هامة وتدارك التأخر الكبير الذي تشكو منه، وينبثق مشروع القانون العضوي المتعلق بتوسيع التمثيل النسوي بالمجالس المنتخبة من المادة 31 مكرر من الدستور التي تلزم الدولة بترقية مكانة النساء في هذه المجالس. لكن أمام نتائج اقتراع العاشر ماي تكون الموازين قد تغيرت، حيث تجعل من الجزائر من بين الدول المتقدمة في مجال إشراك المرأة في الأداء البرلماني بنسبة عالية قد تفوق حتى ما هو موجود في الدول المتقدمة، إذ ستتميز تشكيلة المجلس الشعبي الوطني القادم بالحضور القوي لحزب جبهة التحرير الوطني، حيث نالت النساء فيه حصة 68 مقعدا، في حين يوجد التجمع الوطني الديموقراطي في المرتبة الثانية من نسبة تمثيله في المجلس الشعبي الوطني القادم ب 68 مقعدا منها 23 إمرأة، متبوعا بتكتل الجزائر الخضراء الذي حصد 48 مقعدا من بينها 15 للنساء. ويمكن الإشارة إلى أنه عكس بعض البرلمانات العربية التي لا تحظى فيها المرأة بالتمثيل اللازم، فإن التشكيلة النسوية في المجلس الشعبي الوطني المقبل يكرس عمق الإصلاحات السياسية التي باشرتها الجزائر. وفي تقريرهما الأخير؛ أعرب الاتحاد البرلماني وهيئة الأممالمتحدة للنساء عن قلقهما إزاء التمثيل الضئيل للنساء في برلمانات العالم، مشيرين إلى أن ''عددا قليلا من النساء يوجدن في المجالس البرلمانية في العالم''. وفي ,2011 بلغ معدل مشاركة المرأة في البرلمانات 19,5 ?، أي بزيادة نصف نقطة مقارنة بالسنة التي شبقتها، حيث تم انتخاب 21,8 ? من النساء في الغرف التشريعية ال 69 التي تم تجديدها على مستوى 59 بلدا حسب الدراسة التي قام بها الاتحاد البرلماني تحت تسمية ''النساء في البرلمان .''2011 وفي العالم العربي باستثناء الجزائر، لا يتوفر أي برلمان على نسبة تفوق أو تعادل الثلث مخصصة للنساء -حسب نفس التقرير- الذي أوضح أن تمثيل النساء في البرلمانات العربية لم يتجاوز 10,7 ?. وبعد النتائج التي تم إحرازها من قبل مترشحات الأحزاب السياسية الجزائرية في تشريعيات ,2012 أصبحت نسبة تمثيل المرأة الجزائرية في البرلمان تفوق نسب تمثيل النساء في برلمانات الدول الأعضاء الدائمين الخمس في مجلس الأمن: روسيا (13,6 ?)، الولاياتالمتحدة (16,8 ?)، فرنسا (18,9 ?). الصين (21,3 ?) والمملكة المتحدة (22,3 ?).