تميّزت السهرة الثالثة من فعاليات المهرجان الثقافي الأوروبي الثالث عشر، ببروز عازف الكمان الجزائري خير الدين مكاشيش مع فرقة ''ثلاثي تِبيرا'' الهولندية، وصنع أجواء من النشوة والاستمتاع بموسيقى الجاز بنكهة شرقية - جزائرية، برع فيها العازفون بأداء عالي المستوى، لقي إعجاب الجمهور الذي تمكّن من لمس روح الموسيقى الجزائرية ممزوجة بنعومة فائقة مع موسيقى الجاز على غير عادة هذا النوع المعروف بالصخب. دخل الثلاثي وكلّ أخذ موقعه على ركح قاعة ''ابن زيدون'' بديوان رياض الفتح، ''ويم كاجل'' على آلة الباتري أو ''الدرمز''، ورومبرد فريريش على آلة البيانو وطوني أوفرواتر على الكمان الأجهر أو ''الكونترباسّ، إلاّ أنّ جلسة خير الدين مكاشيش وهو يحمل كمانه على ركبته، مهّدت لتكون السهرة الموسيقية ممتعة بامتياز بخصوصيتها الجزائرية، ووفّقوا في هذا المزج بين الموسيقى الغربيةوالشرقية، إذ يعدّ خير الدين من خريجي جمعية ''الفخارجية'' بالجزائر العاصمة، ومارس الموسيقى الأندلسية منذ ,1983 والآن شّق لنفسه طريقا أخرى في التعريف بالثقافة الجزائرية العريقة أمام العديد من الأنواع الموسيقية العالمية بما في ذلك نوع الجاز. ستة مقاطع موسيقية عُزفت على مسامع جمهور ملأ القاعة عن آخرها، وفتحت المعزوفة الأولى التي كتبها خير الدين مكاشيش وسّماها ''بهجة''، شهية الحاضرين لمواصلة اكتشاف أنغام جديدة لم يتعوّدوا عليها، ثمّ تمّ عزف مقطوعة أخرى لطوني أوفرواتر بعنوان ''عشرة''، تلتها وصلة موسيقية من إمضاء مكاشيش تحمل عنوان ''مغربية''، حيث استخدم عازف الدرمز آلة البندير لكن بإمساكه على الركبة وضرب على غير الإيقاع المتعارف عليه في الوسط المحلي، وفعل كذلك في مقطوعة ''أبادانا'' (بلاك قصر الحكام)، كما أدوا ''أنوار'' و''كومبديوم'' بمعنى الخلاصة الوافية أو العُصارة. واختارت الفرقة الشهيرة في هولندا وأوروبا بلمستها المشرقية في الأداء، إدخال عنصر رابع في صفوفها لإضفاء عبق الموسيقى الجزائرية في سهرة أوّل أمس، بإشراك العازف على الكمان خير الدين مكاشيش، الذي صاحب الفرقة بأنغام أندلسية، حوزية وشعبية في جوف نمطية موسيقى الجاز. وتعدّ فرقة ''ثلاثي تِبيرا'' القادمة من الأراضي المنخفضة من أنجح الفرق المؤدية لنوع الجاز، حيث شاركت في العديد من الاحتفاليات والمهرجانات المعروفة في هولندا وأوروبا، وقد اجتمع أفرادها لما اشتركوا في هوس حبّ الموسيقى العربية والشرقية، وأعجبوا بالعادات العربية والفارسية، وأبدعوا فيها من خلال نوع الجاز الذي يختصون فيه. ويتميزون حيثما حلّوا بتمكّنهم من مزج مؤثّرات الموسيقى الشرقية والجاز، ولم يجدوا أيّة صعوبة لبلوغ هدفهم في خلق إبداعات جديدة في الموسيقى، ولذلك اختارت بمناسبة المهرجان الأوروبي بالجزائر ضمّ الجزائري خير الدين مكاشيش، الذي يعدّ هو الآخر من أبرز العازفين على الكمان، بدأ مشواره الموسيقي سنة 1983 مع الجمعية الجزائرية ''الفخارجية''، وسجّل العديد من الألبومات في السنوات الأخيرة مع أشهر الفنانين الجزائريين المؤدّين لمختلف الأنواع الموسيقية التقليدية والحالية، ومنذ 2007 يتعاون خير الدين في مشروع ''سيوان'' لصاحبه العازف النرويجي جون بالك، وفي 2011 كانت له مشاركة ضخمة في مشروع ''كمان من أجل السلام'' مع سلسلة من الحفلات جاب بها أرجاء الهند.